قبل 10 شهور
تمارا برو
153 قراءة

هل تنجح الولايات المتحدة في عزل الصين عن الرقائق الإلكترونية المتقدمة؟

الاشراق | متابعة.

القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعداتها إلى الصين، والحد من التعامل مع الشركات الصينية في صناعة أشباه الموصلات، يلحقان ضرراً بالشركات الأميركية، نظراً إلى أن السوق الصينية أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم.

تصاعدت خلال السنوات الأخيرة حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، فالصين الصاعدة تطمح، كما تدّعي، إلى إنشاء عالم متعدد الأقطاب يلغي الهيمنة الأميركية ويكون لها دور فيه، فيما تريد واشنطن الإبقاء على العالم الأحادي القطب الذي تهيمن عليه، وترى أن بكين توسع نفوذها من أجل أن تحل محلها كأكبر قوة عالمية.

في خطابه الرئاسي أمام الكونغرس الأميركي في شهر نيسان/أبريل 2021، قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "نحن في منافسة مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن الحادي والعشرين". وكما يبدو، فإن بايدن يستخدم جميع الأساليب لتحقيق ذلك، سواء عبر إقحام روسيا في الحرب مع أوكرانيا أو من خلال تطويق الصين واحتوائها وجرها إلى حرب مع تايوان.

يتجلّى الصراع الصيني الأميركي في مجالات عديدة، اقتصادية وعسكرية وأمنية، ولكن يبقى الصراع التكنولوجي هو الأشد حالياً، ولا سيما على الرقائق الإلكترونية التي تعدّ عصب الحياة المعاصرة، إذ إنها تدخل في الصناعات المتقدمة والمعدات العسكرية والأقمار الصناعية وغيرها من الصناعات الحساسة، وبالتالي من يُحكم السيطرة على الرقائق الإلكترونية يقود العالم.

وفي حربها الدائرة مع الصين حول الرقائق الإلكترونية، اتخذت الولايات المتحدة العديد من الخطوات لتعزيز صناعة أشباه الموصلات محلياً وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الصين واستعادة تفوقها في تصنيع الرقائق، إذ إنها تنتج حالياً 10% فقط من الإمدادات العالمية، بعدما كانت تشكّل النسبة نحو 37% عام 1990، وهي تريد إبقاء بكين متخلفة في مجال أشباه الموصلات، حتى تكون مهيمنة عالمياً في هذا المجال. 

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها واشنطن، إقرار قانون "الرقائق الإلكترونية والعلوم" لعام 2022، إذ خصصت 52.7 مليار دولار أميركي للمساعدة في توسيع مرافق تصنيع أشباه الموصلات للسنوات الخمس المقبلة.

وقد حظر القانون على الشركات التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً توسيع عملها في صناعة الرقائق المتقدمة وإجراء أي معاملات كبرى أو الاستثمار مع الصين أو أي دولة أخرى تثير قلق أميركا في غضون 10 سنوات.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدات تصنيع الرقائق والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية إلى الصين، بصرف النظر عن مكان وجودها في العالم، ومنعت المواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين من دعم تطوير أو إنتاج الرقائق الإلكترونية في مصانع معيّنة في الصين.

وتعمل الإدارة الأميركية حالياً، بحسب ما أوردت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية الشهر الماضي، على إعداد إجراءات غير مسبوقة للحد من الاستثمار الأميركي في الصين.

مما لا شكّ فيه أن القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعداتها للصين، والحد من التعامل مع الشركات الصينية في صناعة أشباه الموصلات، يلحقان ضرراً بالشركات الأميركية، نظراً إلى أن السوق الصينية أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، إذ تحوي 40% من إنتاج الرقائق الإلكترونية، والشركات الأميركية تعتمد بشكل كبير على السوق الصيني.

لذلك، أطلق عدد من الشركات الأميركية رسائل تحذيرية من أن الحرب المشتعلة بين الصين وأميركا حول الرقائق الإلكترونية ستلحق ضرراً بصناعة التكنولوجيا في أميركا، منها مثلاً شركة "Nvidia" الضخمة لصناعة أشباه الموصلات.

وما زاد حدة الصراع بين أكبر قوتين عظميين حول الرقائق الإلكترونية هو انتقال الصين من سياسة الدفاع عن شركاتها وصناعاتها في مجال أشباه الموصلات إلى الهجوم، إذ فرضت حظراً على شركة "ميكرون" (Micron) الأميركية لصناعة رقائق الذاكرة، وبررت بكين ذلك بأنها تشكل مخاطر أمنية جسيمة على الأمن القومي. وسيلحق هذا الحظر ضرراً بالشركة، نظراً إلى أن أكثر من 10% من إيراداتها تأتي من الصين، والسوق الصينية مهمة بالنسبة إليها.

تدرك الإدارة الأميركية حجم الأضرار التي قد تلحق بشركاتها من جراء القيود التي فرضتها على الرقائق الإلكترونية. ومع ذلك، تقوم بتشديد الخناق على الصين في صناعة أشباه الموصلات، لأنها ترى أن الأخيرة أصبحت منافساً استراتيجياً لها في مجال الرقائق الإلكترونية، وتتقدم بسرعة في هذا المجال، ما يؤثر في تطوير معداتها العسكرية والصناعية، ويجعلها تتغلب على الولايات المتحدة، وبالتالي فإن احتواء الصين الآن أساسي وضروي بالنسبة إليها، وإلا فإنها لن تتمكن من احتوائها في المستقبل، بعد أن تكون بكين قد أصبحت رائدة في صناعة أشباه الموصلات.

عملت الصين على وضع خطة لتطوير صناعة الرقائق الإلكترونية لديها، وقسمتها إلى 3 مراحل: الأولى تمتد حتى عام 2025، وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقائق الإلكترونية، والثانية تصل حتى عام 2030، وتهدف إلى تحويل الصين إلى دولة رائدة في تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات. أما الثالثة، فتستمر حتى 2035، وتهدف إلى جعل الصين الدولة الأولى عالمياً في مجال الرقائق الإلكترونية.

ولمواجهة تحركات واشنطن وحلفائها الهادفة إلى إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني، تخطط بكين لضخ 143 مليار دولار أميركي في صناعة الرقائق المحلية على مدى 5 سنوات، وهو أعلى بكثير مما رصدته واشنطن لدعم قطاع الرقائق الإلكترونية لديها. 

ويعكس التفاوت بين الرقمين تصميم العملاق الآسيوي على التغلب على التهديدات الأميركية بحرمانه من الرقائق الإلكترونية المتقدمة، وتالياً إعاقة نموه الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والسياسي.

وحالياً، ترصد العديد من المقاطعات الصينية والشركات الصينية مليارات الدولارات لزيادة إنتاج الرقائق الإلكترونية بهدف التغلب على القيود الغربية المفروضة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. مثلاً، خصصت مدينة قوانغتشو أكثر من 29 مليار دولار هذا العام لأشباه الموصلات وغيرها من أدوات التكنولوجيا المتقدمة.

وأعلنت أكبر شركتين لتصنيع الرقائق في الصين؛ الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC) المدعومة من الدولة، وشركة "Hua Hong Semiconductor"، عن مليارات الدولارات لزيادة الإنتاج من الشرائح.

أولى الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ توليه الرئاسة أهمية كبيرة لقطاع التكنولوجيا وشجّع على الابتكار، بعدما كانت الصين تقلّد ما يصعب عليها ابتكاره. وإزاء المخاطر التي تواجهها من الغرب، عمل الرئيس شي على دعم شركات التكنولوجيا، فقد عبّر صراحة في خطابه أمام مؤتمر الشعب الذي عُقد خلال شهر آذار/مارس الماضي بأن الدول الغربية تسعى لاحتواء الصين وتطويقها، وتعهد اتخاذ إجراءات قوية لدعم تطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة، وشجع على الابتكار.

وخلال رحلة له إلى مقاطعة قوانغدونغ في جنوب الصين في نيسان/أبريل الماضي، شدد الزعيم الصيني على أهمية متابعة الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا، وأكّد أن هذه الخطوة حاسمة لدفع جهود التحديث في بكين، ودعا الشركات الصينية إلى اتخاذ خطوات إضافية لزيادة القدرة على الابتكار، وإجراء مزيد من التقدم في تحقيق اختراقات في التقنيات الأساسية.

دعم الرئيس الصيني شركات التكنولوجيا الصينية ومراكز الأبحاث والتطوير، وشجع على إجراء المزيد من الأبحاث العلمية وإرسال آلاف الطلاب الصينيين إلى مختلف دول العالم، ولا سيما الولايات المتحدة، لتعلم التكنولوجيا المتطورة ونقل وتطوير ما اكتسبوا من معرفة إلى الصين. 

واليوم، أصبحت الصين المنافس الأساسي للولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا، وتغلبت عليها في بعض التقنيات، إذ تشير الدراسات إلى أنها أصبحت تتقدم السباق التكنولوجي في 37 تقنية من إجمالي 44 تقنية أجرتها الدراسات، منها البطاريات الكهربائية والتقنيات فوق الصوتية5G  و6G، كما تفوقت بكين على واشنطن في مجال الأبحاث العلمية المنشورة.

ومن ناحية أخرى، ازداد عدد الشركات الصينية المتخصصة في صناعة الرقائق الإلكترونية من نحو 1300 شركة مسجلة عام 2011 إلى نحو 22800 شركة بحلول عام 2020، نتيجة الدعم الحكومي الهائل لشركات التكنولوجيا.

أثرت القيود التي فرضتها الولايات المتحدة والضغوط التي مارستها على عدد من الدول، كاليابان وهولندا وكوريا الجنوبية لثنيها عن تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين، في انخفاض واردات الأخيرة من الرقائق؛ فقد أظهرت البيانات انخفاض واردات الصين من الرقائق الإلكترونية بنسبة 23% خلال الربع الأول من العام الحالي، وتراجعت صادرات الرقائق الإلكترونية من كوريا الجنوبية مثلاً إلى الصين بنسبة 44.5% خلال الفترة نفسها.

ومن شأن القيود الصارمة المفروضة على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة أن تعوق الصين في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الشرائح، وفي أن تصبح دولة رائدة في مجال أشباه الموصلات خلال المهلة الزمنية التي حددتها، وأن تؤدي إلى تأخرها اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً.

تدرك بكين حجم المخاطر التي ستلحق بها من جراء عزلها عن الرقائق الإلكترونية المتطورة. لذلك، أخذت تجري مفاوضات مع هولندا وكوريا الجنوبية لرفع القيود عن تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات. 

ومن المحتمل أن تكون الصين قد اشترت كميات كبيرة من الشرائح الإلكترونية المتقدمة عندما بدأت الولايات المتحدة بشنّ حربها عليها أو يمكن أن تتحايل على القيود الغربية عبر شراء معدات الرقائق الأميركية أو الهولندية من طرف ثالث.

إذا كان الغرض من القيود الغربية المفروضة على تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين إبطاء تقدمها تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً، فربما ينقلب السحر على الساحر، وتتمكن بكين من تأمين الاكتفاء الذاتي، وتصبح رائدة في مجال أشباه الموصلات، وإن احتاجت إلى فترة زمنية أطول.

مثلاً، بعد حظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تصدير تقنيات أشباه الموصلات إلى عملاق الاتصالات الصيني "هواوي"، تراجعت إيرادات الشركة، ولكن شكلت القيود المفروضة حافزاً لها على صنع أشباه الموصلات الخاصة بها.

بالفعل، أعلنت "هواوي" أنها نجحت في استبدال 13 ألف مكون من المكونات الإلكترونية الضرورية الداخلة في تصنيع هواتفها، والتي حظرت واشنطن شركاتها إمدادها بها، وأعلنت أيضاً أنها طورت أكثر من 4 آلاف لوحة دوائر كهربائية لمنتجاتها. كما أن الصين تعمل على إنتاج شرائح إلكترونية متقدمة. وقد نجحت بالفعل في ذلك، إذ تمكنت شركة "SMIC" المملوكة للدولة من إنتاج شرائح متقدمة بقياس 7 نانومتر.

وعام 2011، استبعدت الولايات المتحدة الصين من محطة الفضاء الدولية. ومنذ ذلك الوقت، عملت بكين على تطوير برنامجها الفضائي. وها هي اليوم تبني محطتها الفضائية الخاصة. وقد أصبحت قوة عظمى في مجال الفضاء. وربما يكون خنق الصين في مجال الرقائق الإلكترونية المتقدمة تمهيداً لأن تصبح رائدة في مجال أشباه الموصلات، ما دام لديها العزم والصبر لتحقيق هذا الهدف، وإن أخذ وقتاً طويلاً.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP