قبل 6 شهور
تمارا برو
99 قراءة

استهداف المستشفيات في شمال قطاع غزة.. سياسة "إسرائيل" لتهجير السكّان

الاشراق | متابعة.
تواصل "إسرائيل" عملياتها العسكرية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً مع التركيز على شمال القطاع، حيث تقوم بقصف المنازل على رؤوس ساكنيها ومن دون إنذار، وتستهدف المستشفيات والمدارس والأفران وخزانات المياه والوقود. كل شيء تقريباً في القطاع يعد هدفاً للقصف الإسرائيلي، بحيث باتت غزة تفتقر إلى أبسط مقومات العيش. وقد نتج من استهداف الأعيان المدنية التي تكفل حمايتها المواثيق الدولية آلاف الشهداء والجرحى، جلّهم من الأطفال والنساء.

كثفت "إسرائيل" خلال الأيام الأخيرة هجماتها على القطاع الصحي في محاولة لخنق المنظومة الصحية، وبدت متعطشة للدماء كأنه لا يكفيها المجزرة التي ارتكبتها في مستشفى المعمداني، والتي راح ضحيتها أكثر من 400 شهيد وآلاف المصابين، فأخذت تقصف محيط المستشفيات في شمال قطاع غزة. 

مثلاً، استهدفت مستشفى الحلو للولادة الذي يقع في مدينة غزة بالقنابل الفسفورية، وقصفت قافلة من سيارات الإسعاف التي كانت تستعد لنقل الجرحى من مستشفى الشفاء؛ أكبر مؤسسة صحية في القطاع، والذي نزح إليه بين 50 و60 ألف شخص، باتجاه معبر رفح الحدودي مع مصر. واستُهدف مرات عدة محيط مستشفى النصر للأطفال، ومستشفى القدس الذي يؤوي 14 ألف نازح، والمستشفى الإندونيسي، ومستشفى الصداقة التركي لمرضى السرطان. 

وأدت الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات إلى استشهاد العشرات وجرح المئات من المدنيين الذين لجأوا إليها للحماية من القصف الإسرائيلي أو بسبب تدمير بيوتهم، كما أدى القصف إلى تدمير أجزاء من المستشفيات. وحالياً، يوجد 16 مستشفى في قطاع غزة خارج الخدمة، إما بسبب استهدافه وإما بسبب نقص الوقود فيه لتشغيل المولادات.

ولم تسلم الطواقم الطبية من القصف الإسرائيلي، إذ بلغ عدد شهداء الطواقم الطبية 150 شخصاً، فضلاً عن استهداف سيارات الإسعاف، إذ جرى تدمير 57 سيارة، ما أعاق عملية إجلاء الشهداء والجرحى.

دأبت "إسرائيل" خلال الفترة الأخيرة على توجيه إنذارات متكررة إلى مستشفيات القطاع بضرورة إخلائها تمهيداً لقصفها. ولم تلقَ هذه الإنذارات آذاناً صاغية من الطواقم الطبية التي تحدَّت التهديدات الإسرائيلية بقصف المستشفيات، وأصرّت على البقاء فيها مهما كان الثمن.

 ولما وجدت أن الطواقم الطبية والنازحين مصرون على البقاء في المستشفيات، عمدت إلى شن غارات مكثفة على محيطها، في محاولة منها لإخافتهم وإجبارهم على المغادرة إلى جنوب قطاع غزة.

الحماية القانونية للمستشفيات
تمنح اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولان الأول والثاني لاتفاقيات جنيف 1977 حماية خاصة للمستشفيات، بحيث لا يجوز مهاجمتها بأي حال من الأحوال (المادة 12 من البروتوكول الأول والمادة 11 من البروتوكول الثاني)، ولكن تزول عنها هذه الحماية إذا استخدمت للقيام بأعمال تضر بالعدو (المادة 13 من البروتوكول الأول).

والمستشفيات أيضاً هي أعيان مدنية تخضع للحماية المنصوص عنها في المادة 44 من البروتوكول الأول التي توجب التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف السكرية، بحيث توجه العمليات ضد الأهداف العسكرية فقط. ويشكل استهداف المستشفيات جريمة حرب استناداً إلى المادة (8) من نظام روما الأساسي.

وتتذرع "إسرائيل" بقصفها المستشفيات وسيارات الإسعاف باعتبار أنها مراكز عسكرية لحركة حماس، وأن سيارات الإسعاف تقوم بنقل المسلحين والأسلحة. مما لا شك فيه أن "إسرائيل" تختلق الأعذار للتنصل من مسؤولياتها عن استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف وقتل المدنيين، فتتذرع بوجود مقر المقاومة حماس تحت مستشفى الشفاء، وأن حركة حماس تستخدم سيارات الإسعاف، ولكنها لم تقدم أي دليل علمي وواقعي على ذلك.

وسبق لـ"إسرائيل" أن استهدفت المستشفيات في حروبها السابقة ضد القطاع. مثلاً، في هجومها على قطاع غزة عام 2009، اتهمت منظمة الصحة العالمية "تل أبيب" باستهداف منشآت غزة الطبية عمداً. 

وعام 2014، قصفت "إسرائيل" المستشفيات بالمدافع، وكان من بينها مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 4 أشخاص وإصابة العشرات وتضرر جزء من المستشفى وسيارات الإسعاف.

النزوح نحو الجنوب
لا تنفك "إسرائيل" عن دعوة سكان شمال قطاع غزة إلى النزوح نحو جنوبه؛ فبعد أيام من بدء الحرب، وجهت "إسرائيل" دعوة إلى المدنيين للتوجه إلى الجنوب على اعتبار أنه منطقة آمنة، فقامت باستهداف المدنيين النازحين على الطرقات، وقصفت مناطق الجنوب، بحيث لم يعد توجد منطقة آمنة في غزة.

وكررت "إسرائيل" دعوتها للنزوح نحو الجنوب عدة مرات، ولا سيما مع بدء التوغل البري الَّذي يتركز شمال القطاع. ومع اشتداد القصف الإسرائيلي والمجازر المرتكبة في الشمال، نزح نحو 800 ألف فلسطيني نحو الجنوب، وبقي ما يقارب 500 ألف في الشمال.

وكما يبدو، فإن "إسرائيل" خيّرت سكان شمال قطاع غزة بين أمرين؛ إمّا النزوح نحو الجنوب وإما البقاء في شمال القطاع والموت. وتتبع "إسرائيل" عدة أساليب لإجبار المدنيين على النزوح نحو الجنوب، إذ تقوم بقصف البيوت والمستشفيات والأعيان المدنية، وتدمر كل مقومات الحياة في شمال القطاع. وقد سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الجنوبية فقط، وأعدَّت خطة لإدخال الوقود إلى جنوب القطاع.

يعود الإصرار الإسرائيلي على إجبار المدنيين على النزوح نحو الجنوب إلى عدة أمور، لعل أهمها رغبة "إسرائيل" في تهجير سكان قطاع شمال غزة نحو الجنوب في المرحلة أولى، ومن ثم نحو سيناء في المرحلة الثانية؛ فقد كشفت وثيقة داخلية إسرائيلية أن وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية غيلا غملائيل أوصت بخطة لتهجير سكان غزة إلى سيناء عقب انتهاء الحرب.

وتتضمن الخطة 3 مراحل: إنشاء مدن من الخيم في سيناء جنوب غرب القطاع، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء، وهو ما رفضته مصر رفضاً قاطعاً، واعتبرته "مثيراً للسخرية".

من ناحية أخرى، ترى "إسرائيل" أن بقاء المدنيين في شمال قطاع غزة يشكل عائقاً أمام تقدمها البري. لذلك، دأبت قبل توغلها براً وبعده على دعوة سكان القطاع الشمالي إلى النزوح نحو الجنوب، وقامت بتكثيف هجماتها الجوية والمدفعية لقتل أكبر عدد من المدنيين الذين رفضوا الانصياع للدعوات الإسرائيلية.

تعيش "إسرائيل" اليوم حالة تخبط وضياع وصلت إلى حد الجنون؛ فبعد شهر تقريباً على بدء عملية "طوفان الأقصى"، لم تحقق أي إنجاز أو هدف من الأهداف التي وضعتها لحربها على قطاع غزة. وما زاد من جنونها أنها غير قادرة على التقدم براً بسبب المقاومة الشرسة التي تلقاها من حركة حماس، فلا تجد "تل أبيب" أمامها سوى الانتقام من الأطفال والنساء بقتل أكبر عدد منهم وتدمير كل مقومات الحياة في القطاع وفرض حصار خانق عليه.

 

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP