7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
الاشراق | متابعة.
إنه يوم من أيام التصديق. يوم عبرت غزة الحلم، لم نستوعب تماماً أننا في الواقع. حاولنا أن نصدّق، لكنّ غزّة كانت قد سبقتنا، كأن سرعتها كانت تفوق قدرة الكافيين على تحفيز وعينا؛ قدرة وعينا على إيقاظ الخلايا المسؤولة عن مد جسر عبور بين ما كنّا ننتظره وما يحدث أمام أعيننا.
نحن نعي الآن، الآن فقط، أننا تجاوزنا التصوّرات؛ أن غزة صنعت المعجزة وحفرت في تشرين نفقاً يفضي إلى زمن جديد. كأنه الحلم وما هو بحلم، كأنه الواقع الذي لا نريد أن نستيقظ منه. عبور آخر يتخطى المستحيل بنسخة منقّحة. أكثر من مجرد خطوة متقدمة، وأبعد من ارتقاء درجات بعد عامين على "سيف القدس". إنه الطوفان الذي ضاق به الكلام.
7 تشرين الأول/ أكتوبر كان عنواناً للحظة الحقيقة. الحقيقة التي تجلّي من دون أي التباس قواعد الردع وموازين القوى. لم تكن خطابات قادة المقاومة مجرد كلام معسول. لم تكن الوعود مسكّنات للصمود ومحفّزات للمواجهة. تخطينا ذلك منذ وقت طويل. لمن بقي مشككاً بعد "سيف القدس" وبعد "معادلة كاريش"، ما قبل وما بعد، جاء الطوفان أخيراً، وطفت على ضفاف الزبد سفينة البراهين. إنها لحظة الحقيقة التي تهاوت فيها دفعة واحدة كل محاولات التوهين والتشكيك، كل النكات السمجة، كل الأسلاك والجدران، معارك الوعي وكي الوعي.
أين كانت غزة تختزن كل هذا الإبداع وهي المحاصرة ضمن مساحة مسطّحة لا تتعدى 365 كيلومتر مربعاً؟ كيف جاء الطوفان من البحر؟
في لحظة الحقيقة، تساقطت كل القشور. تخفّف الجذع من اللحاء فكشف عن صلابته. زالت المساحيق الملتصقة بطبقة من الزيف عن وجوه مصطنعة. أفرج البحر عمّا في صدره من غضب دفين. لم يعد في الأمر لبس. ما كان كذلك منذ زمن طويل. لكن لحدود الحواس والإدراك أعذارها.
عبرت غزة حدود الخيال والتصوّر. في عبورها كان حنظلة، للمرة الأولى، يلتفت إلى الوراء وتتضح بعض معالم وجهه. "للمرة الأولى".. استحقّت غزة كل الأوسمة عن هذه العبارة، هي التي صنعت أكثر من سابقة للمرة الأولى في تاريخ الصراع مع الاحتلال في يوم واحد.
لم ينته الأمر بعد. لحظة الحقيقة التاريخية مُرشّحة على كل الاحتمالات. لم يقفل تشرين موسم مفاجآته. 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 شكّل فاتحة اليوم المنشود، أول تجسيد فعلي لمشهد ما عاد مُتخيّلاً. لم يعد التحرير الكامل بعيداً. دنت الفاكهة المشتهاة وأينعت. فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر باتت قاب قوسين؛ واقعاً مُعايناً ملموساً، لا مجرد تصوّر.
ربوع فلسطين صارت أكثر قرباً. انطوت المسافات. تقلّص الزمن في اللحظة التي حطّم "طوفان الأقصى" دفعة واحدة ما بقي عالقاً من أصنام وأوهام؛ لحظة عبرت بنا غزة إلى الزمن الجديد.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة