"تكريس التطبيع".. بين الساحة الافتراضية والدراما المفخخة
في الأيام القليلة الماضية، عاد وسم (#فلسطين_ليست_قضيتي) إلى الساحة الافتراضية على منصة "تويتر"، ونشطت عبره الجهات التي تحاول الترويج لهذه الفكرة، من خلال أدوات ومواد مدروسة بهدف إسقاط قضية فلسطين من الوعي العربي وشيطنة الفلسطينيين.. لكن لماذا استعيد هذا الوسم مرة ثانية وهو الذي راج سابقاً في بداية شهر رمضان الحالي؟
بعد عرض مسلسل "أم هارون" على قناة mbc ونتيجة موجات الاستنكار التي حصلت من قبل الناشطين في كل الدول العربية، تحرك الإسرائيليون ومناصرو التطبيع لحرف النقاش والتفاعل عن الموضوع الأساسي، من خلال التركيز على قضايا ثانوية وزوايا أخرى.
مع بدء الحملة التي تزامنت مع عرض المسلسلات التي تدعو للتطبيع، انقسمت الساحة الافتراضية إلى 3 مجموعات: الأولى، كان موقفها رافضاً للتطبيع ولم تتزحزح عنه، أما الثانية فاعتبرت أن وجود الكيان الإسرائيلي "بات واقعاً مكرّساً لا بد منه وبالتالي يجب التعايش معه"، وهم المنادون بالتطبيع بالدرجة الأولى.
أما الناشطون في المجموعة الثالثة فتحولت تعليقاتهم باتجاه انتقاد الفلسطينيين وشيطنتهم والتنصل من القضية عبر استخدام حجج مختلفة، دون الدعوة صراحة إلى التطبيع مع "إسرائيل".
أساس الاستياء لدى المجموعة الثالثة هو التعرض لقناة سعودية ومهاجمة البيئة الحاضنة لها والتي سمحت بعرض الإنتاج التطبيعي "أم هارون"، وبالتلي قام هؤلاء بالمشاركة في الحملة تحت وسم (فلسطين ليست قضيتي)، انطلاقاً من فكرة تمّ الترويج لها بكثرة، وتقول "السعودية هي القضية الوحيدة التي تهم الشعب السعودي".
البعض استغل الهجوم على الفلسطينيين للترويج بأن الشعب الفلسطيني تلقى مساعدات كبيرة من السعودية في سنوات سابقة، وبالتالي اعتبر هؤلاء أن ذلك "فضل ومنّة من السعودية، لم يقابله الفلسطينيون برد الجميل"، كما غرد هؤلاء.
بينما اعتبر آخرون، في إطار الهجمة، أن القضية الفلسطينية ما هي إلا حبكة قصصية تم استغلال الدول العربية من خلالها.
في خضم الحملة انتشرت على نطاق واسع مواد بصرية ساخرة من شخصيات رمزية عربية وفلسطينية. المشاركون في هذا الهجوم استغلوا الوسوم الأكثر رواجاً في المنطقة العربية وتسللوا من خلالها للوصول إلى كافة الشرائح الجماهيرية التي قد تهتم بهذا الموضوع.
استدعاء "منى" لشيطنة فلسطينيي 48
في خضم هذه الحملة الممنهجة نشط عدد من المطبعين المعروفين على الساحة الافتراضية العربية وتداولوا بمسلسل اسمه (منى)، تم إنتاجه نهاية العام الماضي من قبل هيئة الإذاعة الإسرائيلية، وينال اليوم نسب مشاهدة مرتفعة. وسأل المطبّعون بخبث عن "مدى تقبل الفلسطينيين في الداخل لهذا المسلسل وعدم المشاركة في حملات لمقاطعته" بينما يهاجمون اليوم مسلسلات خليجية الإنتاج.
المسلسل الإسرائيلي يتعرض بشكل كبير إلى العلاقات في الداخل الفلسطيني وفيه محاولات واضحة لشيطنة "فلسطينيي الـ48". حيث يصور بطلته "منى" على أنها شخص يفضّل الشهرة ومصلحته الخاصة وعلاقاتها الشخصية على حساب القضية الأساس، كأنما يراد لهذا النموذج بأن يسود ويجري تعميمه في فلسطين والعالم العربي.
وهذه ليست المحاولة الأولى لسلخ فلسطينيي الداخل عن قضايا العروبة وزجهم في خانة التخلي عن القضية والتفرغ للمصالح الضيقة.
المفارقة أن بعض رموز فلسطيني الداخل المحتل يتعرض لظلم كبير من بعض العرب عبر الساحة الافتراضية على خلفية الأفكار التي يقدمها مسلسل "منى"، وذلك على خلفية مشاركتهم في "الحياة السياسية الإسرائيلية"، وكذلك المشاركة في نشاطات هدفها الأساسي محاولة تحصيل جزء من حقوق الشعب الفلسطيني التي يحرم منها في الداخل.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن أبناء الداخل الفلسطينيين يعانون من عنصرية إسرائيلية تستهدفهم ومن قوانين جائرة، وعدم تساوي في الحقوق، والجديد اليوم حملة عنصرية أخرى تقودها جهات عربية لشيطنتهم والهجوم عليهم من أجل تبرير ترويجهم للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبالعودة إلى سياق الإنتاجات الدرامية والفنية ينبغي التوقف عند نقطة أساسية هي طريقة العمل على هذه الإنتاجات. هي ليست إنتاجات بريئة وسطحية، بل العكس هو الصحيح، هي إنتاجات ضخمة هدفها إما الربح التجاري أو العمل على خلق رأي عام أو تأييد قضية معينة، ولقد أصبحت هذه الأعمال مساحة ثابتة في المهرجانات المحلية والدولية. ويجري انتقاء الشخصيات المشاركة فيها من خلال التركيز على الشكل اللافت والجذاب، للترويج للعمل أولاً ولحجب التركيز قدر الإمكان عن المحتوى الذي ربما لا يتقبله الجمهور للوهلة الأولى.
من هنا نرى أن مسلسل "منى" من خلال فكرته وطريقة معالجته للقصة وكل تفاصيل الإنتاج يندرج ضمن فئة تشويه العلاقات في الداخل الفلسطيني المحتل، وشيطنة الوجود العربي، وتقديم خدمة للمطبعين ومبرر لما يقومون به من خطوات تطبيعية.
كيف يُحارب "حارس القدس"؟
بعد أن قررت شبكة الميادين عرض مسلسل "حارس القدس" سخّرت كل إمكاناتها التقنية بهدف رصد تفاعل الناس ومعرفة كيفية تفاعلها مع هذه المادة.
منذ اليوم الأول وبدءاً من لحظة نشر الدعايات، بدأ المسلسل يلقى أصداءً مرحبة من كل الدول العربية في المشرق والمغرب. أما من فلسطين فكان التفاعل يومياً سواء من غزة أو الضفة، إضافة إلى متابعة العمل من قبل جمهور واسع من فلسطيني الـ48 تحديداً، وتأكدت المتابعة من خلال رصد وسم (#حارس_القدس) الذي احتل المراتب الخمس الأولى منذ اليوم الأول للعرض.
في اليوم الثامن لعرض الحلقات تعرض الوسم لهجوم في محاولة لإضعافه، عبر تضخيم المحتوى بشكل موزع حتى لا يتصدر لائحة الترند. كان الهدف حجب المادة التي يتم التفاعل حولها عن المتابعين. على قاعدة أن كل من يناصر القضية الفلسطينية ستتم محاربته في الداخل والخارج وبطرق مباشرة وغير مباشرة. لكن ما يبشر بالخير أن نسبة المتابعة لدى الفئات العمرية الشبابية كانت بارزة. هذه الفئة لمست مادة مؤثرة وتوعوية تنشط الذاكرة حول القضية الأساس.
خلاصة القول، صحيح أن هناك من حاول التطبيع وتسويق الفكر الإسرائيلي وزرع سمومه ومخططاته بين العرب، ولكن بالمقابل وقف عدد كبير من المتابعين والنشطاء العرب يتصدون لهذه المحاولة عبر رفض استغلال الفن والدراما بهدف خلق رأي عام معادٍ لفلسطين بدل "إسرائيل".
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً