“إنكار المعقول”.. خيار معاتيه المحافظين الجدد في سوريا!
“من الصعب جدا إجراء حوار مع أشخاص يخلطون بين النمسا وأستراليا!” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه! فمن الواضح أنّ المجموعة إيّاها تستعدّ مجدّدا لتوظيف عناصر من “جبهة النصرة” أو من “الخوذات البيضاء” لتنفيذ هجوم مُفبرك آخر في سوريا وإلقاء اللوم على القوات الحكومية مرة أخرى!
يحذّر الرّوس الجميع مسبقا ومثلما فعلوا في المرة الأخيرة، ولا أحد تقريبا يعطي أبسط أهمية. وهناك تقارير أيضًا تفيد بأن الولايات المتحدة تفكر مرة أخرى في فرض منطقة حظر جوي -غير قانونية تمامًا-في سوريا. ومثل كل مرة، يبدو أن هدف الولايات المتحدة هو إنقاذ “الإرهابيين الجيّدين” من أيّ نصر حكومي.
كما يبدو أيضا أنّ كل ثانية تمرّ تقرّبا أكثر من حماقة العدوان! وبينما يبدو أن الإمبراطورية قد تخلّت عن فكرة إعادة الاعتداء على سوريا على نطاق واسع، فإنّه من الواضح أن المحافظين الجدد يدفعون بشدّة باتجاه ما قد يتحوّل إلى عدوان صاروخي غاشم على سوريا.
إنّ إطلاق عدد كبير من الصواريخ على مقربة من القوات الروسية قد يؤدّي إلى هجوم مضاد روسي، والذي بدوره قد يسبّب حربا كبيرة، ربما نووية، ولا يبدو أنّ ذلك في عداد حسابات المحافظين الجدد.
الأمر الآخر الذي يبدو أن المحافظين الجدد غافلين عنه هو أن الوضع على الأرض في سوريا لا يمكن تغييره بواسطة بضرباتهم الصاروخية أو قنابلهم. لقد أظهر الهجوم الأمريكي الأخير بشكل قاطع أن توماهوك الولايات المتحدة كانت هدفا سهلا للدفاعات الجوية السورية وكان معظمها قديمًا. بالطبع يمكن أن تعتمد الولايات المتحدة على الصواريخ AGM-158 JASSM التي يصعب اعتراضها، ولكن بغض النظر عن الصواريخ المستخدمة، فإنها لن تتسبّب بفعاليّة في تحطيم القدرات الجوية العسكرية السورية.
السؤال الذي يطرح هو حول ما هو الهدف العسكري من هكذا عدوان على سوريا؟ لتكون الإجابة للأسف الواضحة، هي أن الصواريخ المدمّرة لا علاقة لها مطلقا بالحرب على سوريا بقدر ما لها علاقة بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة. فضائح الانتخابات وعلاقات الجنس ومحاولات العزل فضلا عن مدّ العون ومؤازرة حصان طروادة..
ليس هناك فروق بين العدوانين فقط إنّ حجم المهام البحرية الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط هذه المرة أكبر بكثير من المرة السابقة: – 15 سفينة بما في ذلك فرقاطتين، وغواصتين متقدّمتين ووجود الأدميرال غريغوروفيتش والأدميرال إيسين..
بما يعنيه ذلك من قوة نارية روسية مضادة للسفن والغواصات، هذا إذا سلّمنا بردّهم على الهجوم. إلاّ أنّ الأهمّ من ذلك هو وجود الكثير من قدرات الإنذار المبكر المتقدّمة. وبما أن شبكات الدفاع الجوي الروسية والسورية قد تم دمجها بنظام أوتوماتيكي واحد، فإن هذا يعني أن السوريين سوف “يرون” ما يجري في الأجواء السورية وما حولها (وهذا ينطبق بشكل خاص على الروس الذين يحتفظون بـطائرات أواكس A-50U في تحليق مستمرّ وعلى مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
أكثر ما يقلق الأمريكيين هو التقارير المختلفة التي تؤكد أنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، Mike Pompeo، كان قد أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ “موسكو ستكون مسؤولة” في حال حدوث أيّ هجوم كيميائي. إذا كانت “موسكو ستكون مسؤولة” ! يعني أنّ طغمة مجانين المحافظين الجدد يقصدون “مسؤولة أخلاقياً” ، نفس الهراء الذي برّروا به عدوانهم الأول على سوريا وبرّروا به عدوانهم على العراق. هل تذكرون فرية أسلحة الدمار الشامل؟
ما يخشونه أكثر-إذا ما أخذ بعين الاعتبار وجود معاتيه مثل بولتون وبومبيو، أن تعمد الولايات المتحدة إلى مهاجمة الروس في سوريا وليس بالضرورة قاعدتي حميم وطرطوس المحصّنتين. للأسف باستطاعة هؤلاء الأشخاص وبسهولة استهداف منشآت مختلفة أو وحدات عسكرية سورية حيث تم نشر روس ثم يعلنون أنّهم “لم يكونوا يستهدفون الروس عمداً أو أن الروس الذين استهدفوا هم “المتورّطون بشكل واضح” مع قوات الأسلحة الكيميائية السورية! من لا يتصوّر ذلك؟ فقط عليه أن يفكّر بالحالة “سكريبال، Skripal” ، ولن يكون هذا السيناريو محض خيال!
للروس، بالمناسبة، خيارات عسكرية عديدة منها وضع 6 طائرات ميغ 31، MiG-31 الحديثة في حالة تأهّب سواء في جنوب روسيا أو في إيران مع وإبقاء زوج منها في دورية جوية قتالية فوق سوريا أو فوق إيران. إلى جانب “عيون” طائرات الـ A-50U ، ويمكن للميغ MiG-31 تزويد الروس بقدرات هائلة ، خاصة ضد الـ B-1B المنتشرة في قطر أو دييغو غارسيا. ثم أنّها أكثر قوة وأكثر مرونة وقدرة من تلك الكمية الصغيرة من Su-35وSu-30 المنتشرة حاليا في حميم.
يظلّ مفتاح حماية سوريا من كلّ عدوان أو –لا قدّر الله- أو التخفيف حدته وحجمه –دون التعويل على أحد حتى لا يقال أنّنا نراهن على غير السوريين وصمودهم- هو تعزيز الدفاعات الجوية وقدرات الإنذار المبكر، خاصة مع أنظمة الدفاع الجوي المتنقّلة والمتقدّمة، وخاصة العديد من الأنظمة قصيرة إلى متوسطة المدى مثل Tor-M2و Pantsir-S2.
في الأثناء ستظل الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة مؤجلة. عنوانها الردع النووي. وإنّه أمر خطير للغاية، لكن ليس لروسيا ما تفعله لمنع قادة الولايات المتحدة من العودة إلى نفس الاستراتيجية مراراً وتكراراً. إلاّ أن تكون الخطوة التالية بالنسبة لهم هي الانتقام من الولايات المتحدة بطريقة تسميها وكالة المخابرات المركزية “إنكار المعقول” !
لا شيء جديد في ما سبق، فقد ظلّ العالم عالقاً في هذا الوضع منذ لأكثر من مدة ولا يبدو أن هناك نهاية في الأفق. فقط ما قاله روسلان أوستاشكو، Ruslan Ostashko، “الهزيمة العسكرية الهائلة أو الانهيار الاقتصادي الذي لا يقلّ فداحة هما فقط من سيوقف هؤلاء الذين “يخلطون بين النمسا وأستراليا” عن سعيهم المجنون نحو الهيمنة العالمية بأي ثمن”!!!