خطاب “حالة الاتحاد الروسي”! عن مواجهة استراتيجية الهيمنة الأحادية في عالم متعدد الأقطاب!
“ليس في ذهني أبسط شك أنه لو كان المخادعين المحافظين الجدد والمجمّع العسكري والأمني في واشنطن يملكون هذه الأسلحة ، لكانت واشنطن شنت هجوما على روسيا.” بول كراغ روبرتس، Paul Craig Roberts.
كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطابه الأخير عن وجود أسلحة نووية روسية جديدة تجعل من الواضح بلا لبس “أن روسيا لديها تفوق نووي كبير على الولايات المتحدة ودولها الاعتيادية في الناتو.
تأتي هذه التصريحات بعد أقل من شهر من صدور مجلة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب النووية واستراتيجيته العسكرية، التي صنّفت روسيا كــ”منافس استراتيجي” أولي للولايات المتحدة، ودعت إلى تطوير أسلحة نووية جديدة منخفضة الكلفة لمواجهتها واعتماد استراتيجية تكبح جماح سباق تسلّح جديد.
بوتين أعلن أن روسيا ليس لديها طموحات إقليمية ولا طموحات مهيمنة ولا نية لمهاجمة أي دولة أخرى. ووصف هذه الأسلحة بأنها “الردّ الضّروري على رفض الغرب الثابت عاما بعد عام لقبول السلام والتعاون مع روسيا، والعمل-بدلا من ذلك- على تطويق روسيا بالقواعد العسكرية والنظم المضادة للصواريخ.
الرئيس الروسي قال تحديدا: “إننا مهتمون بالتفاعل البنّاء والطبيعي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ونتوقّع أن يسود الحسّ السّليم وسيختار شركاؤنا تعاونا عادلا ومتساويا. إن سياستنا لن تستند أبدا إلى تطلّعات استثنائية، وإننا فقط ندافع على مصالحنا ونحترم مصالح الدول الأخرى “.
بوتين أوضح لواشنطن “أن جهودها فشلت لعزل روسيا بفرض العقوبات والدعاية ومنع القدرة الروسية على الرد على الحشد العسكري المتزايد من الغرب”. فقد جعلت الأسلحة الروسية الجديدة نهج الولايات المتحدة بل حلف شمال العسكري بأكمله بكامله “غير فعّال من وجهة نظر عسكرية”. كما “إن العقوبات لتقييد التنمية الروسية، بما في ذلك في المجال العسكري لم تنجح”. ليستصرخهم بعدها أن: “أوقفوا هزّ القارب الذي نجلس عليه جميعا!”.
إذن، ما الذي يجب القيام به؟ هل يأتي يعود هذا الغرب إلى رشده؟ أم أن الغرب، الغارق في الديون المتضخمة حدّ خياشيمه لصالح شركات الصناعات العسكرية غير الفعّالة، سيكثّف حروبه الباردة التي أعادت واشنطن إحياءها؟
كلا لا نعتقد أن هذا الغرب لديه أي حواس مطلقا! فواشنطن المتخمة ب “الاستثناء الأمريكي” وبإسطوانة “البلد الذي لا غنى عنه” يصيبها كما الجميع بالعمى الاستراتيجي. أما الأوروبيون الذين قنعوا بالتنورة الأمريكية فيتم شراء مواقفهم من واشنطن. ثم أن بوتين كان يأمل أن يستوعب القادة الأوروبيون عدم جدوى محاولة تخويف روسيا. ولا شك أنه شعر بخيبة أمل في رد لوزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون، Gavin Williamson، الذي اتهم روسيا “باختيار طريق التصعيد والاستفزاز”!
يقين أن المحافظين الجدد سوف يسفّهون قدرة روسيا، لأنهم يرفضون تماما وجود قيود على تفرّد واشنطن وأحاديتها. ومن ناحية أخرى، فإن المجمّع العسكري الأمني سيثير مسألة التفوق العسكري الروسي من أجل المطالبة بميزانية أكبر للحماية من “التهديد الروسي”.
الحكومة الروسية خلُصت منذ سنوات إلى أن الخبرة المحبطة برفض واشنطن وإصرارها على عدم الأخذ بعين الاعتبار مصالح روسيا والعمل معها بطريقة تعاونية والسبب هو اعتقاد واشنطن بأن القوة الأمريكية يمكن أن تجبر روسيا على قبول بالقيادة الأمريكية. إن تحطيم هذا الوهم في واشنطن هو سبب إعلان بوتين القوي للقدرات الروسية الجديدة.
بوتين أكّد في كلمته: “لا أحد يريد التحدّث معنا. لا أحد يريد أن يستمع إلينا”! كما شدّد على أن “الأسلحة النووية الروسية للدفاع وليس للهجوم، ولكن أي هجوم على روسيا أو حلفاء روسيا سيواجه برد فوريّ” مع كلّ ما يعنيه ذلك “.
وأوضح الزعيم الروسي أن “سياسة الغرب للهيمنة والتخويف قد أزفت”، إلاّ إنه مدّ بغصن زيتون: “دعونا نعمل معا لحلّ مشاكل العالم”!
نأمل أن تنجح الدبلوماسية الروسية في وضع حد للتوترات المتزايدة التي –ندفع نحن كلفتها الباهظة في أكثر من ساحة – والتي تثيرها واشنطن بساستها الرعناء المتعنّتة. إلاّ أنّ الدبلوماسية الروسية ستواجه عقبتين ربما لا يمكنها التغلّب عليهما. أولها حاجة المجمّع العسكري الأمني الأمريكي لمبرّر ميزانيته السنوية البالغة 1000 مليار دولار وتوافق الإدارة معه. والعقبة الثانية الأهم هي إيديولوجية المحافظين الجدد للهيمنة العالمية الأمريكية.
إن إضفاء الطابع المؤسسي على المجمّع العسكري الأمني في كل ولاية أمريكية، يجعل من المستحيل تقريبا على كل عضو مجلس شيوخ أو ممثل بتعارض المصالح. ثم أنّ دوائر السياسة الخارجية في الولايات المتحدة لم تظهر بعد قوة تعويضية للمحافظين الجدد المخطوفين. و”الروسوفوبيا” التي أنشأها المحافظون الجدد تؤثر فعلا الآن على الأميركيين العاديين. وقد أثبتت هاتان العقبتان قوة كافية لمنع الرئيس ترامب من تطبيع العلاقات مع روسيا.
ربما يتوجّب على بوتين في خطابه المقبل، أن يتوجّه إلى الأوروبيين مباشرة وأن يسألهم عن كيفية خدمة المصالح الأوروبية من خلال تمكين واشنطن من القتال ضد روسيا؟ ثم كيف يمكن لأي بلد يستضيف الولايات المتحدة منظومة الصواريخ والأسلحة النووية والقواعد العسكرية الأمريكية أن يتوقع غير استهدافه؟
دون حلف شمال الأطلسي والقواعد العسكرية الأمامية التي يوفرها، لا تستطيع واشنطن أن تدفع العالم إلى حافة الحروب. والحقيقة الأساسية لهذه المسألة هي أن حلف شمال الأطلسي يشكّل –منذ إنشائه – عقبة أمام السلام.
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.