قبل 6 سنە
د. هشام أحمد فرارجة
609 قراءة

العبرة في النتائج ترامب واقتراب النهاية

 صدق القول القائل أنه ما طار طير وارتفع، اّلا كما طار وقع  قد لا يتفق، حتى كثيرون من الامريكيين مع استخدام هذه الصورة عند الحديث عن الرئيس الامريكي، دونالد ترامب. فبالنسبة لمعظهم، هو ليس بطائر يبعث الراحة في النفس نتيجة لتغريداته أو لطلعاته، خاصة على تويتر. ورغم أن الغراب يعتبر من أذكى الطيور وأمهرها، اّلا أن الكثيرين يرون في ترامب غرابا لما جلبه على بلاده وعلى العالم من شؤم في الفأل، كآبة في النفس وفزع في القلوب. ففي عهده، قرعت طبول الحرب المدمرة أكثر من مرة، بحكم تهديداته على كورية الشمالية وأيران، على سبيل المثال، لا الحصر. وابّان حكمه، شهدت الاسواق المالية والتجارية في الولايات المتحدة والعالم خضات وارتجاجات غير معهودة من قبل، حتى أثناء سنوات الكساد الاقتصادي التي عرفها العالم في نهاية عام 2006. وفي فترة وجوده في البيت الابيض التي تقل عن العامين، عمّت الفوضى مؤسسات الحكم الامريكية، لا سيما التنفيذية منها، بشكل لم تعرفه من قبل، من حيث عدد من عينهم وعزلهم ترامب، ومن حيث من صادقهم وعاداهم، وأيضا من حيث من أهانهم ومدحهم.
  فترامب لا يؤمن أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. بل هو متطرف في اعتقاده أن من أهم متطلبات العمل معه هو الولاء والطاعة له شخصيا، وليس بالضرورة لمؤسسة الرئاسة، أو الحكومة أو حتى البلد. وترامب لم يخجل في أن يفصح عن أهمية هذا المتطلب عدة مرات عبر أشهر حكمه. ولكن هذا التصريح تجلى مؤخرا بشكل جلي لامس الفظاظة في القول، وذلك أثناء حديث له مع شبكة فوكس الاخبارية، في معرض تعليقه على الخلاف المحتدم بينه وبين صديقه وحليفه السابق، وزير العدل الامريكي، جف سشنز. فترامب انتقد وزير عدله بحدة لافتة لانه لم يلتزم بمعايير الطاعة والولاء المهمة لترامب، عندما قام سشنز بتحييد نفسه عن تحقيقات المحقق الخاص، روبرت مولر في الشبهات المثارة حول احتمال قيام ترامب بالتواطؤ مع روسيا في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، وحول امكانية قيامه بخروقات مالية وسياسية، واحتمال ارتكابه جرائم جنائية.
  ويبدو أنه كلما ضاقت دائرة الموالين لترامب من حوله، يزداد هو توترا وتخبطا في أقواله وأفعاله. ومن يدري اذا ما كان سيزداد أيضا وجوده في الحكم خطورة وتهديدا للامن والسلم العالميين. فعلاوة على اضمحلال دائرة المطيعين له، بدأ ترامب يستشعر مدى جدية التحقيقات التي تدور حوله، مما دفع به الى اطلاق الكثير من العبارات دون تمحيصها والتفكير بانعكاساتها مسبقا، حتى عليه شخصيا. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي كان ترامب قد نفى وجود أية علاقات جنسية له وأي علم له بالمبالغ المالية التي قام محاميه الخاص السابق، مايكل كوهين بدفعها لامرأتين، ستورمي دانيالز وكارين مكدوغال، لاسكاتهما اسبوعين فقط قبيل الانتخابات الرئاسية، بما يشكل انتهاكا صارخا لقانون الانتخابات الامريكية، كون مثل هذه المبالغ المدفوعة للاسكات قد دُفعت للتأثير على مجرى ونتائج الانتخابات الرئاسية، تسرع ترامب بعد كشف محاميه السابق، كوهين عن تآمر ترامب معه لدفع هذه المبالغ للقول بأن هذه الاموال قد دفعت من أمواله الشخصية، وليس من ميزانية حملته الانتخابية. انّ هذه الاقوال لترامب تعني اقراره بوجود علاقات جنسية مع هاتين المرأتين، وبعلمه وبمشاركته في وضع الخطة للدفع، رغم تأكيده بأنه قد علم بالامر في وقت متأخر، مما يشكل دلائل دامغة ضده. المهم في الامر هو أن أقوال ترامب هذه تتناقض مع أقوال سابقة له، بما فيها ما جاء في تسجيلات صوتية مثبتة تبين تورطه في التخطيط لاتمام عملية دفع الاموال قبل أن تتم بالفعل.
  ونتيجة لكشف كوهين عن دور ترامب التآمري في هذه المسألة، فانه أصبح من وجهة نظر ترامب شخصا انتهازيا يريد تخفيف عقوبته أمام العدالة من خلال اسقاط جرائمه على الغير، أي على ترامب نفسه. ومقارنة مع كوهين، سارع ترامب لاطلاق المديح والاطراء نحو مدير حملته الانتخابية السابق، بول مانيفورت الذي ادين مؤخرا بثماني تهم جنائية بالغش، الاحتيال، التزوير والنصب، التي يمكن لوحدها أن تودي به في السجن لمدة ثمانين عاما. هذا عدا عن اثنتي عشرة تهمة اخرى لم يستطع المحلفون الوصول الى اجماع بشأنها، الامر الذي سيدفع المحكمة في الغالب لاعادة طرحها معدلة على المحلفين من جديد بهدف اصدار حكم بشأنها.
  لم يعد هناك مجال للشك أبدا أن ترامب متورط في عدة قضايا، اتضحت ملابسات العديد منها حتى الآن، وما زال البعض الآخر ينتظر حتى ينتهي المحقق الخاص من اتمام عمله واصدار تقريره. وحسب الكثيرين من المراقبين والمحللين السياسيين والقانونيين، فان ترامب كان سيقبع خلف القضبان هذا الاسبوع لولم يكن يتمتع بحصانته الرئاسية. وللمرة الاولى منذ بداية التحقيقات، راح ترامب يتحسس أن امكانية عزله أصبحت أكثر جدية من أي وقت مضى. ولذلك، سارع ترامب لمحاولة اثارة عامل الخوف في نفوس الامريكيين لو تم اللجوء الى عزله، محذرا اياهم أن الاسواق المالية ستنهار وأن كل ما يعتبره انجازاته الاقتصادية ستتوقف، وأن الناس سوف يعانون من الفقر.
  واضح أن ترامب الآن في صراع مع الزمن والحدث. وواضح أيضا أنه في غاية القلق ازاء ما قد تفضي به التحقيقات بشأن ملاباساته وشبهاته من نتائج. والاكثر وضوحا هو أن ترامب الذي لا يستسلم للتحديات بسهولة قد يلجأ الى افتعال حدث داخلي أو خارجي جسيم لايجاد مجموعة من الظروف التي تغطي على كل ما يدور حوله هو شخصيا من تطورات. فمثلا، أقدم ترامب، مرة اخرى على اطلاق عبارات تقارب من زعيم كورية الشمالية، كيم، على ما يبدو تمهيدا، اما لصفقة سياسية يرغب ترامب في انجازها من أجل ابراز نفسه كرجل الانجازات، أو تهيئة للرأي العام الامريكي والعالمي لعمل عدائي ذي زخم غير مسبوق في حال لم تمتثل كورية الشمالية لرغباته. ومباشرة بعد اطلاق عبارات المديح تجاه الزعيم الكوري الشمالي، قام ترامب بالاعلان عن الغاء زيارة كان مزمعا القيام بها الى كورية الشمالية من قبل وزير خارجيته، مايك بامبايو خلال الايام القادمة، مقرا بأنه لم يلمس أي تقدم في العلاقات والتفاهمات بين الجانبين.
  الواضح هو أن ترامب يخضع لتقلبات حادة غير موزونة أو متزنة. وهذا يشكل خطورة كبيرة في كافة الاتجاهات. ولا شك أن ما لا يفصح عنه ترامب هو أكثر مما يتحدث به، خاصة ما يتعلق بقلقه الشديد على أفراد آخرين من اسرته. فعدد من الملابسات والشبهات لا تقتصر عليه شخصيا فقط، وانما تطال ابنه دونالد الشاب وصهره، جاريد كوشنر، وربما ابنته، ايفانكا.
  ووفقا لما هو متوافر من معطيات، فان رئاسة ترامب هي ليست لوحدها على المحك في هذه المرحلة، وانما أيضا امبراطوريته المالية برمتها. فالمتربصون به كثر. والشامتون أكثر. والعاملون على رد صفعاته واهاناته لا يغمض لهم جفن. وما الموضوع سوى مسألة وقت. ومن يدري اذا ما كان الامر سوف يقتصر على القيام باجراءات عزل رسمية، أو بابرام صفقة أكثر شمولية مع ترامب، رغبة منه في حماية ما يمكن حمايته من ثرواته المالية ومستقبله الشخصي. فالعبرة، بالفعل، تكمن في النتائج فهذا الرئيس الذي زعزع حالة الامن والاستقرار الداخلي الامريكي وزجّ بالمجتمع الامريكي في أتون انقسام غير مشهود من قبل، والذي زلزل النظام الدولي، وعرّض العلاقات الدولية لما لم تشهده من قبل في التاريخ المعاصر من أزمات ومآزق، يبدو مقبلا على ما لا يَحمد هو عقباه. فبالاضافة الى تورطه فيما يبدو جرائم جنائية عدة، فان صدقاته أصبحت مسمومة، وان ارث رئاسته ينحصر بشكل رئيسي بمغامرات الجنس والاكاذيب والاحتيال، كما اجتهد بعض كتاب الاعمدة في كبريات الصحف الامريكية مؤخرا.
  ولذلك، فان المجتمع الامريكي يبدو على موعد مع واحدة من أعتى العواصف السياسية، في وقت يترافق مع موسم هبوب الاعاصير المناخية والانتخابية التشريعية النصفية. فالايام القادمة جد حبلى بالتطورات في الولايات المتحدة. وان غدا لناظره لقريب.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP