قبل 6 سنە
فيصل جلول
501 قراءة

"ملوك" الشرق الأوسط إذ يرسمون حدود ما بعد الامبرطورية.

 

يعلق الكاتب الفرنسي اليهودي الأصل وصديق نتنياهو، على فشل مساعيه بالقول " لقد بدت تلك اللحظة وكأننا نعيش في "عالم بلا أميركا" ذلك أن الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط الذي بدأه باراك اوباما وعمل ويعمل ترامب على تسريعه، قد تجلى تماماً في هذه القضية التي دفعت السيد ليفي إلى استعارة عنوان كتابه الجديد منها. فالامبراطورية المتوارية هي الولايات المتحدة الامريكية و" الملوك الخمسة " هم التركي والإيراني والعربي والروسي والصيني الذين يتأهبون لاستعادة أملاكهم كما يقول.

 
في كتابه الصادر حديثاً " الأمبراطورية والملوك الخمسة" يصف برنار هنري ليفي بمرارة، شعوره بالإحباط واليأس عندما كان في مكتب نجيرفان البرزاني ليلة إعلان نتائج الاستفتاء على استقلال كردستان العراق والتي بلغت 92 بالمئة. وذلك لمحاولته الاتصال دون جدوى بمسؤولين أميركيين وغربيين، "لحثهم على مباركة هذه النتيجة وحمايتها من الحصار " التركي ـــ الإيراني ـــــ والعربي ".

يعلق الكاتب الفرنسي اليهودي الأصل وصديق نتنياهو، على  فشل مساعيه بالقول " لقد بدت تلك اللحظة وكأننا نعيش في "عالم بلا أميركا" ذلك أن الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط الذي بدأه باراك اوباما وعمل ويعمل ترامب على تسريعه، قد تجلى تماماً في هذه القضية التي دفعت السيد ليفي إلى استعارة عنوان كتابه الجديد منها. فالامبراطورية المتوارية هي الولايات المتحدة الامريكية و" الملوك الخمسة " هم التركي والإيراني والعربي والروسي والصيني الذين يتأهبون لاستعادة أملاكهم  كما يقول.

اكتشف ليفي خطورة هذه اللحظة المفارقة بالقياس إلى لحظه انتصار مدوٍ صنع بداياتها حين توجه إلى ليبيا عام 2011 واتصل من بنغازي هاتفيا برئيس الجمهورية حينذاك نيقولا ساركوزي، طالبا منه دعم المعارضين الليبيين، باستقبالهم اولاً ومن ثم تنظيم حملة عسكرية لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي عدو اسرائيل المعروف. فكان أن اقنع ساركوزي الرئيس الامريكي باراك أوباما لتنطلق من بعد حملة عسكرية شهيرة أطاحت الزعيم الليبي وقتلت أكثر من مئة الف مواطن ودمرت بلدا لا يزال يبحث حتى اليوم عن مساومة تعيد إلى ابنائه الحد الادنى من الحكم.

تابع الكاتب الفرنسي صديق الملوك والرؤساء، محاولاته لإسقاط سوريا، وراهن على تأييد أميركي وغربي لاستقلال كردستان، وفي اعتقاده ان محاولته ستكلل بالنجاح، تماما كما نجحت مساهمته من قبل في فصل جنوب السودان عن شماله وتوفير قاعدة لاسرائيل في وادي النيل.

يعزى فشل ليفي في كردستان إلى تصميم ثلاثة من "الملوك الخمسة" المذكورين في كتابه، على التصدي بالقوة لاستقلال الإقليم الكردي، وغض الطرف من الرابع  ولامبالاة الخامس. هذا الفشل ينطوي بنظره على أفول الامبراطورية الأميركية وطي صفحة اليانكي وربما الغرب في الشرق الاوسط والعالم. وإذ يبالغ قليلأ ويطلق العنان لغضبه فلأنه يعتقد بان الكورد هم ك " الشعب الاسرائيلي ظلمهم التاريخ ويتوجب إنصافهم " ولو اُنصفوا بدعم اميركي وغربي فلربما صارت كردستان العراق كما يشتهي، قاعدة أخرى حليفة لاسرائيل ــ هذه المرة في بلاد الرافدين ــ وبذلك تصنع اسرائيل خارطتها السياسية الخاصة التي تشكل ضمانة أخرى من ضمانات وجودها في المنطقة.

هكذا يرى السيد ليفي العالم اليوم وكأنه "بلا أميركا" وكأن الغرب يغرب منه بخطى متسارعة . فالأمبراطورية الأميركية ما عادت تقود العالم وتريد الانكفاء، وملوك العرب والترك والفرس يتحالفون مع قيصر الروس ومع ورثة شي تشين هوانج الأمبراطور الصيني، لكي يستعيد كل منهم أملاكه وقد تكون اسرائيل من بين هذه الأملاك كما يخشى صاحبنا وهي التي تحتل مركز القلب في فلسفته ومخاوفه وحساباته الجيوسياسية.

هذه المقدمة الطويلة أكثر من ضرورية لإلقاء الضؤ على شروط الخروج من الحرب السورية إعادة بناء "الإطار السياسي" حولها أي لما يمكن اعتباره قلب الشرق الأوسط. أستعير وصف "الاطار السياسي" من الرئيس الفرنسي إيمانيوال ماكرون الذي أطلقه بعيد العدوان الثلاثي الأخير على دمشق  وذكره أكثر من مرة في أحاديثه خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. فأي إطار يمكن أن يُرسم لبلاد الشام وللإقليم برمته ومن يحدد هذا الإطار؟

حتى الآن، كان " ملوك " المنطقة و" قيصر الروس " بحسب تعبير ليفي، يرسمون الإطار العام للحل السياسي في سوريا وكان " الأمبراطور" الأميركي يكتفي بموقع المراقب في جلسات آستانة وسوتشي من بعد وهو موقع طبيعي ومفهوم تماماً لطرف خسر الحرب السورية ويعد العدة لمغادرة الشرق الاوسط غير عابىء باستفتاء الكورد العراقيين الناجح على حق تقرير المصير وهو الذي وفر لهم بعد اجتياح بغداد ظروف الاستقلال، وغير عابىء بمصير حلفائه من العرب الذين لا يكف عن وصفهم بخفة مثيرة للحزن " هم أغنياء ويجب أن يدفعوا.. لولانا لا وجود لهم  .. عليهم أن يرسلوا قواتهم الى سوريا .. لقد دفعنا 7 ترليون دولار في الشرق الأوسط من دون جدوى. أميركا أولا بالنسبة لنا. يجب التركيز على البنية التحتية للأميركيين .

ظن البعض لفترة وجيزة أن العدوان الثلاثي على سوريا قد يعدل هذه الوجهة الأميركية الصريحة ويعيد الأمور إلى الوراء إلى أن كرر الرئيس الأميركي مؤخراً عباراته  المذكورة أعلاه وتوسع في الحديث عنها بإشارته إلى أن بلاده تحمي من يرغب بشروط كولونيالية تماما كما كان يفعل أسلافه رعاة البقر. وأن أمريكا ما عادت راغبة في لعب دور شرطي العالم لأن هذه المهمة لامتناهية وتستدعي حروبا دورية لا يريد الشعب الامريكي أن يتحمل نتائجها. وأن مصلحة أميركا اولا تتم من خلال الإنحسار إلى الداخل والإستثمار في مواقع معينة في العالم مفيدة للمصالح الأميركية.  والراجح أن هذا التوجه لن يكون  بعيداً عن الإستراتيجية التي كانت الولايات المتحدة تعتمدها قبل أن تكسر عزلتها الحربان العالميتان الأولى والثانية.

يفضي ما سبق إلى خلاصة مفادها أن الإطار السياسي الوحيد الممكن والمتاح لسوريا ولإقليمها هو ذلك الذي رسمته الحرب عملياً على الأرض وبالتالي من الصعب أن تغير طاولة المفاوضات نتائج الحرب الأساسية من دون أن يعني ذلك إقفال الباب أمام احتمالات وافتراضات أخرى كإدراج بعض المطالب والإجراءات والخطوات التي ترغب أوروبا في استحداثها ومن بينها بحث قضايا الخلاف مع ايران في سياق البحث عن حل للأزمة السورية وبحث قضايا المهجرين السوريين أو إعادة الإعمار أو بعض المخارج في الدستور السوري المقبل أو إعادة العمل بخط تشرين الأول/اكتوبر عام 1973 على الحدود السورية الاسرائيلية..

في هذا الوقت من غير المستبعد أيضاً أن تطفو على السطح قضايا الخلاف التركي السوري والتركي الروسي والتركي الإيراني من دون أن تصل إلى حد القطيعة.  تبقى اسرائيل هي الخاسر الأكبر في هذه  السيرورة  لذا نراها تهرب إلى الأمام عبر استفزاز يومي تقريباً لإيران وسوريا ومحور المقاومة لعلّ ذلك يؤدي الى استدراج اميركا وأوروبا إلى حرب تعيد خلط الأوراق فتتفادى تل أبيب الطوق الذي سيرسمه حولها آجلا أم عاجلا ملوك الشرق الأوسط الجدد.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP