المرحلة الثانية من الحرب.. التفاوض بالنار وسيف الوقت
الاشراق | متابعة.
مع انتهاء الهدنة الإنسانية في قطاع غزة وعودة القتال بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، ظهرت تصريحات عديدة تحمل تهديدات كبيرة للمقاومة وللغزيين من جانب "دولة" الاحتلال والإدارة الأميركية، في ظل انسداد الأفق أمام الأميركي والإسرائيلي وعدم قدرتهما على دفع المقاومة إلى استكمال تبادل الأسرى بالثمن ذاته الذي دفع مقابل المدنيين.
من يقرأ المشهد جيداً، بجميع التفاصيل وكل التصريحات، بدءاً من تصريحات البيت الأبيض وتسريبات حجم المساعدات ونوعية الأسلحة التي زودت بها واشنطن "دولة" الاحتلال، إضافة إلى التصريحات والتهديدات الكبيرة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير "جيشه" يوآف غالنت والمتحدث باسم "الجيش" يدرك أن جميعهم اتفقوا على خطة لخفض سقف التفاوض لدى حركة حماس، وألا يتم السماح لها برفعه أكثر مما كان عليه خلال الهدنة الإنسانية.
وتشمل الخطة التي تم الاتفاق عليها رفع التهديدات الإعلامية، وإخافة قيادة حماس والفلسطينيين بعودة القتال بشكل أشرس مما كان عليه في الأيام الخمسين الأولى من الحرب، ووضع المواطنين في قطاع غزة أمام تهديد جديد وصدام مع قيادة المقاومة عبر الترويج بأنها ترفض استمرار الهدنة، وفي حال لم تقبل حماس بخفض سقفها يتم ارتكاب مجازر كبيرة لإظهار جدية التهديدات، مع الذهاب إلى ضخ دعاية إعلامية نفسية تشير إلى عودة مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، بما يوحي أن عدم القبول بالثمن السابق للهدنة يعيد الحرب إلى بداياتها وإلى المخططات التي فشلت خلال الأيام الخمسين الأولى من الحرب.
وتشمل الخطة وضع خطط عملياتية جديدة للضغط على المدنيين في قطاع غزة إلى أبعد حد عبر ممارسة جزئية لعملية التهجير لدفع قيادة المقاومة إلى التراجع وخفض سقفها لمنع تنفيذ مخطط التهجير، وهذا المخطط سقفه الزمني محدود في ظل أمد الحرب الذي طال من دون تحقيق أي إنجازات تذكر، وقد كان أمد المرحلة الجديدة من الحرب محل خلاف بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال إذ أعطى الأخير مهلة من أسبوع إلى أسبوعين لإنجاز الخطط الجديدة فيما طلب غالنت وزير "الجيش" منحه أشهراً لتحقيق الأهداف.
وقد حاول وزير "الجيش" الإسرائيلي يؤاف غالنت وبعده رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في مؤتمراتهما الصحفية إطالة أمد المدة الممنوحة لهما عبر اجترار إنجازات وهمية داخل قطاع غزة بالادعاء كذباً بالسيطرة على 40% من شمال مدينة غزة، وقتل عدد كبير من قيادة حركة حماس واعتقال المئات من عناصرها، وهو ما يمكن تفنيده بشكل سهل، وجاء هذا الاعتراض في ظل تساؤلات داخلية عديدة حول جدوى استمرار الحرب، وخارجية في ظل تنامي الشكوك في قدرة "إسرائيل" على إنجاز ما أعلنت عنه.
الإدارة الأميركية تدرك أن الوقت بدأ يضيق كثيراً أمامها داخلياً وأمام "دولة" الاحتلال عالمياً، ولهذا تريد الذهاب إلى مرحلة تفاوض تقبل فيها حركة حماس أي شيء يعرض عليها لإنهاء الحرب، وأي ثمن مقابل الجنود الأسرى، وهنا تدفع الإدارة الأميركية "إسرائيل" إلى ممارسة ضغط كبير على غزة كي تقبل المقاومة بما يريده الاحتلال في موعد لا يتعدى أسبوعين.
تدرك الإدارة الأميركية أن نتنياهو وشركاءه يريدون إطالة أمد الحرب كي لا يقدموا للمحاكمة، وكي لا ينتقلوا من مرحلة الانتقام في غزة إلى مرحلة المحاسبة على فشلهم السياسي والعسكري والأمني والاستخباري. كل من يدير المشهد حالياً يدرك موقفهم الصعب، ولهذا يحاولون الهروب إلى الأمام، وإدارة بايدن تدرك صنيعهم، لكنها تدرك أن إطالة أمد الحرب وصمود المقاومة ستكون لهما تأثيرات خطيرة على مصالحها في الشرق الأوسط، ولهذا لن تمنحهم ما يطلبونه من وقت في ظل عجزهم الحالي وصمود المقاومة في قطاع غزة.
المدة الممنوحة لـ"دولة" الاحتلال لن تكون كبيرة في المرحلة الثانية من الحرب، في ظل فشل جميع المخططات في إحداث تغيير استراتيجي على الأرض لصالح "دولة" الاحتلال، فجميع قدرات المقاومة وأذرعها ما زالت تعمل بكفاءة عالية رغم القوة النارية التي يستخدمها "الجيش" الإسرائيلي، وهذا الأمر ولّد قناعة لدى مختلف الأطراف بأن لا حل حالياً سوى تشكيل ضغط كبير على المقاومة وقيادتها بأسرع وأقصر وقت ليتم إيقاف الحرب بما يرد الاعتبار لـ"إسرائيل"، ويمنع المقاومة من تحويل إنجازاتها العسكرية إلى إنجازات سياسية.
المقاومة قرأت المشهد بشكله الكامل أيضاً وأعلنت عن موقفها بخصوص الأسرى الجنود الذين بحوزتها في قطاع غزة، ووضعت شرطاً لعودة المفاوضات يتمثل بوقف الحرب بشكل كامل، مستندة إلى الموقف الميداني والعسكري لديها وقدرتها على تحمل هذا الضغط وجعل الفاتورة كبيرة على "جيش" الاحتلال، وهو ما أعطى صورة لمختلف الأطراف أنها مستعدة للاستمرار في المعركة، حتى وإن استمرت لأشهر طويلة.