الأعياد اليهودية وفرص تفجّر الأوضاع في القدس
الاشراق | متابعة.
من يتابع طريقة العمل الصهيونية تجاه المسجد الأقصى منذ ثلاثة عقود يدرك أن حكومات الاحتلال لديها مخططات لتغيير الواقع في المسجد الأقصى، بهدف تنفيذ المعتقدات اليهودية المزعومة.
برغم إدراك حكومة الاحتلال أنَّ ملف القدس والمسجد الأقصى المبارك يُعدُّ أحد صواعق تفجير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والمنطقة قاطبة، إلا أنّ طريقة عملها في المدينة المقدّسة إلى جانب إطلاقها يد الجماعات المتطرّفة، يضعان الفلسطينيين والأمتين العربية والإسلامية أمام تحدي مواجهة مخططات خطيرة، يتم تنفيذيها بشكل تدريجي لتغيير الواقع في المسجد الأقصى.
وقد تنوّعت الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لتغيير الواقع في المسجد المبارك، وقد بدأها منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 عندما شرّع اقتحام المسجد الأقصى، وصعَّدها خلال السنوات الخمس الماضية، وصولاً إلى إفراغ المسجد الأقصى من المرابطين، وإنهاء مصاطب العلم وحفظ القرآن فيه، مستكملاً ذلك بتكبيل عمل حرّاس المسجد الأقصى بأوامر من السلطات الأردنية، صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى، وهو ما جعل الحرّاس غير مسؤولين عن أيِّ محاولة لتغيير الواقع من قبل حكومة الاحتلال والمتطرفين المقتحمين للمسجد الأقصى.
في المقابل، فإنّ الجماعات اليهودية المتطرفة ممن تطلق على نفسها اسم "أمناء الهيكل"، وينتمي إليها 13 وزيراً في حكومة نتنياهو الحالية، وقرابة 30 من أعضاء الكنيست، لديها مخططات فعلية لتغيير الواقع في المسجد الأقصى، تمهيداً لتنفيذ معتقدات توراتية من منطق العمل على "تعجيل نزول المسيح المخلّص، ودفع الإله لتعجيل نزول الهيكل والمسيح من السماء".
الجماعات المتطرفة ترى في الحكومة الحالية بأنها "يمينية ذهبية قد لا تتكرّر"، ويمكن من خلالها تمرير الكثير من المخططات التي تغيّر الواقع في المسجد الأقصى، وخاصة بعد التقسيم الزماني، سعياً إلى أن يتم تطبيق التقسيم المكاني للمسجد الأقصى عبر اقتطاع المنطقة الشرقية منه لتكون مكان عبادة دائماً لليهود.
إن الخطر المقبل على المسجد الأقصى يتمثّل في محاولات المتطرّفين تغيير الموانع الدينية التلمودية التي تتمسّك بها الحاخامية الحريدية، بأنه لا يجوز لليهود الصعود على ما يسمّونه "جبل الهيكل"، قبل تطهير اليهود أنفسهم بطقوس ذبح البقرات الحمراء، ولهذا جلبت الجماعات المتطرفة مجموعة من "الأبقار الحمراء" التي من المقرّر ذبحها في شهر آذار/مارس من العام 2024 المقبل، وذلك بهدف تنفيذ طقس التطهّر، وهو الأمر الذي سيمثّل بداية مرحلة جديدة في تنفيذ المخططات اليهودية تجاه المسجد الأقصى.
وفي حال تمّ تنفيذ مخططات ذبح البقرات والتطهّر، فإنه من المخطّط له أن يتضاعف عدد المستوطنين المقتحمين للأقصى من نحو 100 مقتحم يومياً إلى عشرات ومئات الآلاف، خاصة أن أعداد المنتمين إلى "الصهيونية الدينية" قد تضاعفوا من 600 ألف شخص إلى أكثر من مليون خلال العقد الماضي، لكنهم لا يستطيعون حالياً حشد أعداد كبيرة بسبب إيمان هؤلاء بـ "طقس التطهّر"، قبل الصعود للأقصى "كي لا ينزل عليهم عذاب الرب".
تمهيد لخطوات أكبر
وحتى الوصول إلى شهر آذار/مارس المقبل، فإن الطقوس التي بدأ المتطرفون تنفيذيها خلال الأعياد اليهودية منتصف شهر أيلول/سبتمبر الجاري داخل المسجد الأقصى من نظير (السجود الملحي، ونفخ البوق، إلخ...) تحمل خطورة واضحة من خلال محاولة تغيير الأمر الواقع في الأقصى، بالزعم بأن المسجد ليس مكاناً لعبادة المسلمين فقط، بل هو أيضاً مكان لليهود، وأن تأدية الطقوس التلمودية في باحاته المباركة أمر طبيعي، بحيث يحدث في شهر آذار/مارس اقتحام بأعداد كبيرة للأقصى، ويتمّ تنفيذ طقوس تلمودية داخله بشكل طبيعي، وكلّ ذلك يكون في سياق مخطّط التمهيد لتطبيق التقسيم المكاني للمسجد الأقصى.
من يتابع طريقة العمل الصهيونية تجاه المسجد الأقصى منذ ثلاثة عقود يدرك أن حكومات الاحتلال لديها مخططات لتغيير الواقع في المسجد الأقصى، بهدف تنفيذ المعتقدات اليهودية المزعومة، وبدراسة التغييرات التي حدثت في المسجد الأقصى نجد أن هناك استراتيجية سياسية وإعلامية يتّبعها هؤلاء عبر الإعلان ما بين الفينة والأخرى عن مخططات كبيرة تجاه المسجد الأقصى، ومن ثم تقوم بتنفيذ خطوات صغيرة أدنى بكثير مما تمّ الإعلان عنه؛ الأمر الذي لا يستجلب رداً فلسطينياً كبيراً، وعلى هذا المنوال تُراكم دولة الاحتلال خطوة تلو الأخرى وصولاً إلى تغيير الواقع بشكل كامل على المدى البعيد.
الأعياد اليهودية في هذا العام جاءت لإدخال تغيير جديد يتمثّل في السماح بأداء الطقوس الدينية داخل المسجد الأقصى، وهو ما سيمهّد في العام المقبل لتحديد أماكن داخل المسجد الأقصى لإقامة طقوس تلمودية، وقد جرى مؤخراً الإعلان عن مخطط قدّمه عضو الكنسيت الإسرائيلي "أميت هاليفي" (من كتلة الليكود) لتقسيم مجمع المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وبموجب اقتراحه، سيكون ما يقرب من ثلثي المنطقة، بما في ذلك قبة الصخرة، لليهود، في حين أن الجزء المتبقّي، بما في ذلك المسجد الأقصى، سيكون للمسلمين.
بالاعتقاد الصهيوني فإن الإعلان عن المخطط المتطرف يهدف إلى رفع سقف التهديد تجاه المسجد الأقصى لدى المسلمين، وعندما لا ينفّذ الاحتلال هذا المخطط الكبير ويمرّر اقتطاع جزء صغير من المسجد الأقصى لا يكون هناك رد كبير من الفلسطينيين.
ما ندركه أن الفلسطينيين يستشعرون بشكل كبير خطورة ما يجري في المسجد الأقصى، وباتوا وحلفاءهم على وعي تام للمخططات والمحاولات الحثيثة، التي يُراد من خلالها الوصول إلى مرحلة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، في ظل الحكومة اليمينية الحالية، وحالة الابتزاز التي يتعامل بها التيار الديني القومي مع نتنياهو لتحقيق غاياته، ولهذا قد تكون ساحة القدس خلال الأشهر الستة المقبلة مشتعلة، وعنواناً للمواجهة التي قد لا تقتصر على المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، بل ربما تُشعل كل الجبهات وتُفجِّرها في وجه الاحتلال.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة