من الثورة القضائية إلى التمرد في "الجيش".. "إسرائيل" إلى أين؟
أثّر فارق الميزان العسكري الكمي بين "إسرائيل" والدول العربية في تشكيل البنية الهيكلية لـ"الجيش" الإسرائيلي والاعتماد على التجنيد الإجباري، إذ تمَّ بناء "الجيش" على أساس نواة يمثلها "الجيش النظامي" في الأوقات الاعتيادية، تعتمد على قوة احتياط كبيرة في وقت الحرب.
لذا، عند اندلاع أي حرب، لا بد من تجنيد الاحتياط، الكتلة الأكبر في "الجيش" الإسرائيلي، الأمر الذي يتطلب أمرين من أجل بقاء قدرة التفوق العسكري.
الأمر الأول هو أن يكون الإنذار المبكر أول مرتكز في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، حتى يتسنى لـ"الجيش" استدعاء الاحتياط في أسرع وقت، وهو الكتلة القتالية الأكبر، إذ إن نسبة الأشخاص المنتظمين في منظومة الاحتياط تصل إلى 6% من إجمالي نسبة السكان في الكيان الإسرائيلي، و1.5% فقط من السكان هم جنود احتياط فاعلون يؤدون 54 يوماً في الخدمة الاحتياطية كل 3 سنوات، كما ينص قانون الخدمة العسكرية لعام 2010.
رغم ذلك، تمثل قوة الاحتياط في الفترات الأمنية الاعتيادية 70% من المجموع العددي لـ"الجيش" الإسرائيلي، وتشكّل 17% من عدد ضباطه.
الأمر الآخر هو أن تكون قوة الاحتياط دائمة الجاهزية والتدريب، إذ إن المطلوب من جنود وضباط الاحتياط التدرب أثناء فترة الخدمة الاحتياطية، إضافةً إلى المشاركة الفعلية في الخدمة في ممارسة ما يسمى "الأمن المستمر" في الظروف الاعتيادية لفترات زمنية محددة؛ ففي حالات الحرب، يتم استدعاء جنود الاحتياط إلى وحداتهم العسكرية، سواء تجنيد احتياط كامل أو جزئي بحسب الحاجة، ويطلب منهم الانخراط السريع في الجسم العام لـ"الجيش" الإسرائيلي.
يعدّ عدم مشاركة جنود الاحتياط في الخدمة العسكرية الاحتياطية ذا تأثير سلبي في قدرة "الجيش" العسكرية، والأكثر خطورة أنه يمثل خطراً وجودياً على قوته العسكرية برمتها، وخصوصاً داخل سلاح الجو، إذ يفرغ جنود الاحتياط فيه أنفسهم يوماً كاملاً كل أسبوع لممارسة التدريب، إضافة إلى تنفيذهم بعض المهام الجوية العسكرية، ما يجعل منظومة الاحتياط في سلاح الجو أكثر أهمية وخصوصية مقارنة بباقي منظومة الاحتياط في باقي الوحدات.
وبالتالي، فإن إعلان 37 طياراً من سرب 69 الخاص بقيادة طائرات "أف 15"، المسمى "سرب المطرقة"، العمود الفقري التنفيذي في سلاح الجو خلال سنوات كثيرة، عدم امتثالهم للتدريب الأسبوعي، لكونهم سيناقشون كيفية الاحتجاج على التعديلات القضائية المزمع تشريعها من قبل الحكومة الحالية، يعني أن الخطر وصل إلى سلاح الجو؛ المسؤول الأول عن النزعة الهجومية الإسرائيلية.
ومع توالي دعوات ضباط وجنود الاحتياط في الوحدات العسكرية إلى عدم الامتثال لتنفيذ الخدمة العسكرية الاحتياطية، صرح رئيس أركان "الجيش" السابق دان حالوتس: "إذا نشبت حرب، وتمّ استدعائي للخدمة الاحتياطية، فلن أنفذ القرار"، إضافة إلى توقيع 330 جندياً وضابط احتياط من الوحدات الخاصة على عريضة ضد التعديلات القضائية، في إشارة إلى بوادر "تمرد داخل الجيش"، كما أطلق عليه البروفيسور اريا إلدد، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، لكونه تدميراً لمرتكزين أساسيين ارتكزت عليهما قوة "الجيش" الإسرائيلي:
المرتكز الأول أن "الجيش يمثل جيش الشعب"، وللخدمة الاحتياطية فيه رمزية تعبوية كبرى في المجتمع الإسرائيلي، وهي دليل "قوة وتعافٍ" فيه، من خلال مفهوم "الواحد للكل والكل للواحد في مواجهة الأخطار".
المرتكز الثاني أن "الجيش" الإسرائيلي هو مؤسسة فوق سياسية تشمل كل الأطياف والفئات المجتمعية والاقتصادية من خلال عبارة "بوتقة الصهر الإسرائيلية".
كلا المرتكزين تلقيا ضربة كبيرة من خلال ما أطلق عليه "ثورة الاحتياط"، التي سارع إلى محاصرة تداعياتها الكارثية رئيس الأركان الحالي هرتسي هليفي، من خلال تحذيراته المتتالية لنتنياهو من انعكاسات المضي في التعديلات القضائية من دون توافق صهيوني على "الجيش" الإسرائيلي.
من جهة أخرى، جنّد هليفي كل قوته لإقناع منظومة الاحتياط بأن تبعد "الجيش" عن الأجندات السياسية، وما زالت جهوده غير مثمرة، وهي تصطدم بخطاب متطرف يطلقه نتنياهو وشركاؤه من "الصهيونية الدينية" التي اعتبرت رفض خدمة الاحتياط انقلاباً عسكرياً على نتائج الانتخابات، ناهيك بعرقلة مقترح الرئيس إسحاق هرتسوغ للحوار من قبل كل الأطراف، الأمر الذي يجعل مهمة هليفي أشبه بالمستحيلة في ضوء ازدياد وتيرة الاحتجاجات ضد الحكومة، والتي ضمت الأسبوع الماضي ما يقارب 200 ألف متظاهر.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.