علياء رضي في البيوت البحرينية.
لم تكن مقابلةُ علياء رضي، زوجة الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية، الشيخ المعتقل علي سلمان، مع "بودكاست ديوان"، سهلةً. غريباً كان سياقُ ولادة هذه الحلقة.
منذ اللحظة التي اتّفقنا فيها، أنا والضيفة الكريمة، على التسجيل، مدّت العقبات نفسها في طريقنا.
أجّلنا التسجيل أسبوعاً، بسبب تعرُّض مخرج "البودكاست" ومنفّذه، الزميل فتحي أحمد، لوعكة صحية، دخل في إثرها المستشفى، وأتمنى له الشفاء العاجل.
والحقيقة، لم يكن الوقت في صالحنا. أردت لهذه الحلقة أن تكون في وقتها، في ذكرى الحُكْم القضائي المؤبَّد، والذي وضع زعيم أكبر جمعية مُعارِضة في البحرين، في السجن حتى اليوم.
سجّلنا أولَ مرّة وخذلتنا التنقية. اكتشف الزملاء، قبل موعد الحلقة بيوم، أننا لا نملك إلاّ سَبعَ دقائق من المقابلة. نزل الخبر عليَّ ككأس ماء بارد، انسكب على رأسي في يوم شتوي كنديّ قارس.
كيف سأطلب من زوجة الشيخ المعتقل علي سلمان مجدَّداً أن نُعِيد التسجيل! أمر يحدث، لكنه محرج.
اضطُرِرت إلى أن أخبرها بما حدث. لكنها تفهَّمت الأمر برحابة صدر ومحبة وتواضع قلَّ نظيره، ووافقت، بل كانت داعمةً معنوية لحظتَها.
قالت لي: "رُبَّ ضارة نافعة".
هذه المرأة متحدثة لَبِقة، وذاتُ حضور مؤثّر. سجّلنا للمرة الثانية، ووقعنا في الخطأ التقني نفسه. والحقيقة، أن هذه الحلقة سُجِّلت ثلاثَ مرّات، لتجد المرةُ الرابعةُ طريقَها إلى النور، كما ولادةٌ متعسّرة.
في كل مرة، تبعث إليَّ برسالة: هل جرت الأمور على ما يرام. أنا جاهرة للتسجيل، حتى لو كان ذلك في منتصف الليل.
لفتتني هذه السيدة، بقوتها وصبرها ورباطة جأشها؛ بأخلاقها العالية؛ بلسانها الرَّطب؛ بالكلمة الطيّبة. كانت تعبّر بعفوية عن نفسها، كأُمّ تحتال على واقع غياب زوجها، عَبْرَ وضع صورة ضخمة بحجم مجسَّم، كي تشعر ابنتاها بأنه معهما. وكامرأة وزوجة معارض بارز، بحجم الشيخ علي سلمان، فإن خِيارها الوحيد هو أن تكون ثابتة كنخلة متجذِّرة في الأرض. قالت وجعَها ولم تُخْفِه، لكنها لم تكن مكسورة. في كل كلمة، تقول ضمناً إنها راضية بحجم رضا زوجها بالتضحية.
للأمانة، سألتها بعد التسجيل: "أنتِ الآن خارج التسجيل، ألا تشعرين بالغصّة، فتقولي لماذا علينا تحمُّل ذلك كله؟ كان يمكننا أن نعيش حياة طبيعية". أجابتني، وهي تعرف ما تقول: "أشعر بالغصّة لأن الشيخ علي ظُلِم، وهو لا يستحق هذا الظلم كله، لأنني أعرف أنه شخص وطني، وأنه يتحدث باسم الجميع من دون استثناء. إنه ينظر إلى الله في كل شيء يقوله ويفعله. سرُّ قلبه مدفون في وطنه. وجعه أيضاً في وطنه. أنا مؤمنة به وبمشروعه. لا، لست نادمة".
علياء رضي معتقلة بحب زوجها، وبالوفاء له، وبالإيمان به. هذا ما شعرت به من خلال الأحاديث التي دارت بيننا.
وما لا يعرفه كثيرون أن علياء اضطُرَّت إلى اتخاذ قرار التقاعد المبكّر بسبب تعرُّضها للمضايقة الشديدة خلال فترة عملها في التدريس، حتى قبل عام 2011، ثم اضطُرت إلى العمل في المكاتب الداخلية حتى لا تتعرَّض للمضايقة أكثر بعد الأزمة السياسية البحرينية عام 2011، إلى أن قرَّرت التقاعد.
علياء رضي امرأة لا تحكي قصتها، كزوجة قيادي مسجون فحسب، فهناك أيضاً بيوت كثيرة تسكنها علياء رضي، الزوجة والأُم والأخت التي تنتظر لحظة خروج أحد المعتقلين من السجن في إثر الأزمة السياسية التي أعقبت عام 2011.
عندما قررتُ إجراء المقابلة معها، أردت كشفَ الوجه الآخر للسياسة والسياسيين، فنحن لا نعرفهم إلاّ من خلال جدار السياسة، لكنّ خلف هذا الجدار مشهداً لا تُسلَّط عليه الأضواء، ولا يلتفت إليه كثيرون: الإنسان خارج عباءة الخطابة والقيادة، ومَن يقف خلفه في الظلّ.