قبل 3 سنە
وفاء العم
383 قراءة

هل تستدير السّعودية مجدداً نحو لبنان؟

هل تعود السعودية للانخراط في المشهد اللبناني من جديد بعد انكفاء طال أمده؟ وهل كان ذلك انكفاء فعلاً؟ وهل صحيح أنّ تكليف رجل الأعمال نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة حظي بقبول سعوديّ؟ وهل يمكن أن تتلقّى حكومته دعماً مالياً من الرياض ضمن السلّة الدولية من أجل مواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد؟

من جانب آخر، ما حقيقة ما يُقال عن دخول الإمارات على خطّ الأزمة اللبنانية وما تخطّط له وتتطلّع إليه؟ ولماذا دعمت سعد الحريري قبل اعتذاره عن تشكيل الحكومة؟ 

هي أسئلة تدور حول المواقف والسياسة الخليجيّة، وتحديداً السعودية وأبو ظبي، إزاء لبنان المهدّد بالتدويل بحلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت؛ تدويل من شأنه أن يعيد إلى الأذهان مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ناهيك بانهيار اقتصاديّ وبنيويّ غير مسبوق، وانسداد للأفق السياسي، وحالة غضب وغليان شعبي نتيجة لكلِّ ذلك، ما يهدّد بانفلات أمني من شأنه أن يقلب الطاولة ويخلط الأوراق. 

في الرياض، لا تبدو الأمور إيجابيّة إزاء لبنان بعد، كما ينقل أحد المطلعين، رغم ما يتم تداوله بأن تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة حظي بقبول سعوديّ، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ السعودية اتخذت قراراً بالاستدارة صوب لبنان للعمل على انتشاله من أزمته. ومن المبكر الجزم ببوصلة السعودية في هذه المرحلة، وخصوصاً أن ملامح الحوار مع إيران ونتائجه لم تتّضح بعد.

ورغم أنّ البعض يحبّذ وصف سياسة السعودية بالانكفاء، للدلالة على ابتعادها عن المشهد اللبناني، فإنَّ ذلك غير دقيق، لأنَّ المملكة لم تحيّد نفسها عن لبنان، وإنما كانت، وما زالت، في صلب المشهد، رغم ضعف موقعها السياسي من المعادلة. وما يُسمّى انكفاءً كان بحدّ ذاته فعلاً سياسياً، وهو موقف ورسالة، وربما تكون سياسية.

هو موقف غاضب من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي تحمّله الرياض مسؤولية وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، وهو الرئيس المتحالف مع "حزب الله"؛ الحليف القوي لإيران. يقول السّعوديون إنَّ الرئيس الحريري سلّم لبنان لإيران على طبقٍ من فضة. هو تسجيل موقف بالقطيعة وترك لبنان لأزماته، وربما تجذيرها، وليس انكفاءً أو حياداً أو انسحاباً. هو رسالة بأنَّ السعودية غير ملزمة بتقديم أيّ دعم اقتصادي للبنان، ما دام تيار المقاومة يتسيَّد المشهد كطرف قوي، بل الأقوى في المعادلة اللبنانية. تجلّى ذلك برفض الرياض إعطاء أي ضوء أخضر أو دعم للرئيس سعد الحريري في مهمَّته الساعية لتشكيل الحكومة حتى لحظة اعتذاره. 

وفي هذا السّياق، يبدو أيضاً أنّ الرياض باتت تبحث عن خيارات بديلة. وعوضاً عن وضع ثقلها في دعم البيت السني، باتت العين تتّجه أكثر نحو بكركي واللعب على التباينات المسيحيّة، استقرأها البعض في وضع معراب (القوات اللبنانية - سمير جعجع) في وجه بعبدا (ميشال عون - التيار الوطني الحر)، فهل ترغب الرياض في خلق مسار جديد قوامه تحالف سنّي مسيحي - من دون الحريري - في مواجهة تحالف عون - "حزب الله"؟ هو أمر لا يمكن استبعاده، كما لا يمكن الجزم به، على الرغم أنّ هذا الخيار قد لا يؤمّن للرياض حضوراً يقلب المعادلة الحالية. 

من جانب آخر، يمتدّ التباين السعودي الإماراتي في الآونة الأخيرة ليصل إلى بلاد الأرز، إذ يُتداول في الأوساط الخليجية دعم إماراتي كان قد حظي به سعد الحريري، ووعود بتقديم دعم ماليّ سخيّ في حال تشكيله الحكومة، ما أثار حينها استياء السعودية المتحفّظة أصلاً عن السياسة الإماراتية مؤخراً.

عموماً، إنّ تحرّك الإمارات لا يمكن قراءته خارج سياق الصراع المتنامي بينها وبين قطر وتركيا على مستوى المنطقة، في محاولة استباقية للحيلولة دون أداء الخصمين دوراً محورياً في لبنان، والبحث عن حليف يحقّق مصلحتها السياسية والاقتصادية، سواء بمنع وجود تأثير تركي قطري، أو دعم طموحها المتنامي في شرق المتوسّط اقتصادياً وسياسياً، فهل تضع أبو ظبي العين على مرفأ بيروت؟

هذا المرفأ المهم الّذي يربط الدول الأوروبية والشرق الأوسطية والخليجية وينافس ميناء حيفا، يغري إمبراطورية الموانئ. ورغم أن شركة موانئ دبي وقّعت اتفاقيات مع شركة إسرائيلية في إطار خصخصة مرفأ حيفا، فإنَّ ذلك لا يكبح الطموح الإماراتي بإدارة مرفأ بيروت ضمن استراتيجيتها للسيطرة على أهم موانئ المنطقة، ما يؤمّن لها نفوذاً بحرياً، ويعزّز تأثيرها في شرق المتوسط.

عموماً، التباين السّعودي الإماراتي في لبنان ليس بالحجم الّذي يتحوّل فيه إلى خلاف أو نقطة صراع، وخصوصاً أنَّ الحضور السعودي التقليدي في بيروت ما زال قوياً، فيما الإمارات ما زالت تتلمّس طريقها في المعادلة اللبنانية، كما أنَّ أبو ظبي قد تتباين في سياستها مع الرياض، غير أنّها حتى الآن تحتفظ بخيط رفيع لا يحوّل هذا التباين إلى خصومة.

أمّا السّعودية، فقد تُقاطِع لبنان أو تنكفِئ عنه، إلا أنّها حتماً لا تتخلّى عن وجودها فيه، والأشهر القليلة القادمة كفيلة بأن تضع النقاط على حروف المعادلات في المنطقة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP