قبل 3 سنە
وفاء العم
316 قراءة

فلسطين تحرج شركاء "إسرائيل" في الخليج.

تبدو الأحداث في فلسطين ثقيلة على شركاء "إسرائيل" الجدد في الخليج، وعلى الشركاء المتوقعين الذين يتعرضون لضغوط عديدة من أجل المضي قدماً نحو التطبيع معها. إنه السقوط المدوي لاتفاقيات عُقدت باسم تحقيق "السلام"، لتصطدم في أول اختبار لها بعنجهية الاحتلال وما يقوم به من تهجير وتشريد وقتل للفلسطينيين، وهي اتفاقيات أسقطتها جبهات فلسطين المشتعلة. وعلى الرغم من صمت هذه الدول في الأيام الأولى، فإنَّها وجدت نفسها مجبرة على التعاطي مع الحدث وتسجيل موقف لا لبس فيه.

ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد أعرب عن قلقه إزاء أحداث العنف التي تشهدها القدس المحتلة، وأكد رفضه "جميع أشكال العنف والكراهية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية، ودعا إلى "إنهاء الاعتداءات والممارسات التي تؤدي إلى استمرار التوتر والاحتقان في المدينة المقدسة"، وطالب بوقف "أيّ ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك"، فيما أعربت الخارجية البحرينية عن استنكار المنامة الشديد لاعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، ودعت الاحتلال الإسرائيلي إلى "وقف هذه الاستفزازات المرفوضة ضدّ أبناء القدس، والعمل على منع قواته من التعرّض للمصلين".

الوضع في هذه الدول الآن محرج، والسّؤال بهذه البساطة: أين "السلام" الذي وُعدت به المنطقة؟ أما السؤال الأهم في سياق ما يجري، فهو: هل تعيد هذه الدول حساباتها وتتراجع عن اتفاقيات التطبيع أو أنها تعتبر ما يحصل الآن جولة ستنتهي بتفاهمات ووقف لإطلاق النار كالعادة، ما يسمح لها بإعادة إنتاج هذا التطبيع وتسويقه؟

واقعاً، لا يبدو أن هذه الدول في وارد سحب ورقة التطبيع، ولكن أيضاً لا يمكن القفز عما قد تفرضه معطيات الميدان الفلسطيني ومآلاته، وخصوصاً أن الفلسطينيين فاجأوا العالم بانتفاضتهم التي انفجرت في وجه الاحتلال على طول الجغرافيا الفلسطينية، وأسقطوا وهم التقسيم المناطقي، وأحالوا وضعية الربط بين الجبهات إلى واقع قلب المعادلات التقليدية في الحراك الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. وأمام الهمجية الإسرائيلية، يغدو الحديث عن تطبيع من أجل تحقيق "السلام" نكتة سمجة يصعب تسويقها.

أما في الجانب الآخر من المشهد، فتأتي الدول الخليجية التي ما زالت ترفض التطبيع. وفي هذا السياق، تستفيد قطر من الحدث لتعزيز موقعها الشعبي في العالم العربي، وإبراز دورها كطرف داعم للمقاومة الفلسطينية وقادر على أداء دور الوسيط بين "إسرائيل" و"حماس" والسلطة الفلسطينية.

وفي خلفيّة هذا المشهد، استمرار للثنائية القطرية التركية في المنطقة، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة تركيا في العالم الإسلامي ودورها كحامية للمقدسات الإسلامية، في سياسة منافسة ومعاكسة للسعودية التي تسمح للتطبيع بأن يتمدّد في الخليج، فقد اختارت قطر التعبير عن قلقها إزاء ما يجري في اتصال هاتفيّ مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إذ دعا الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى خفض التصعيد واحترام القانون الدولي الإنساني، كما أجرت اتصالين مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى اتصال مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. 

هذا الأمر أثار استياء الرياض، وهو استياء عبر عنه ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني" في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى قطر، متّهماً إياها بدعم الإخوان المسلمين، لا القضية الفلسطينية. في المقابل، رد القطريون بانتقاد اتفاقيات التطبيع.

أما الخارج من سياق هذا وذاك، فهو موقف الكويت الثابت الذي لم يتزحزح إزاء القضية الفلسطينية. صحيح أنها أصدرت بيان إدانة للاعتداءات الإسرائيلية، ولكن الأهم أنها سنّت قانوناً يجرّم التعامل مع "إسرائيل"، ويعاقب عليه بالسجن 10 سنوات، مع غرامة قدرها 5 آلاف دينار كويتي، أي ما يعادل 16 ألف دولار أميركي.

من جانب آخر، كشف التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية على مستوى الخليج حجم الهوة بين الشعب وصنّاع القرار، وخصوصاً في الدول المطبعة، فمع أول مشهد للتهجير بحقّ الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، تصاعدت الحملات الشعبية، حتى أصبحت "ترند" في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في دول الخليج. 

وقد خرجت تظاهرات في الكويت والبحرين، علماً أن الأخيرة تمنع التظاهر. على الرغم من ذلك، خرج الناس للوقوف إلى جانب فلسطين. وفي ذلك مؤشر مهم إلى أن فلسطين كانت، وما زالت، القضية الأولى في وجدان هذه الشعوب، وأن محاولات فصل الوجدان الخليجي عن الوجدان العربي المناصر للقضية الفلسطينية فشلت، وأنَّ البوصلة تتّجه نحو فلسطين وتتناغم مع مواقف الشعوب العربية في الأحداث الكبرى المشابهة للحدث الحالي.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP