قبل 4 سنە
زهير أندراوس
326 قراءة

في الذكرى الـ53 لتأسيسها: الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين إلى أين؟

يعيش اليسار الفلسطينيّ العلمانيّ-الديمقراطيّ، أوْ ما تبقّى منه، يعيش أزمةً أيديولوجيّةً عميقةً تأججت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينيّة ودولة الاحتلال الإسرائيليّ عام 1993، ولذا وَجَب التطرّق إلى مآلات هذه الأزمة وتبعاتها وتداعياتها على الشعب الفلسطينيّ وقضيته العادلة، ومع أنّنا نؤيّد وبشدّةٍ ترتيب البيت الفلسطينيّ وإعادة اللحمة بين التنظيمات المُختلِفة، إلّا أنّ الغاية (الوحدة) لا تُبرّر الوسيلة (مفاوضات عبثيّة مع حركة فتح التي تستحوِذ على القرار وتُسيطِر على منظمة التحرير).
***
ووجب التنويه في هذه العُجالة أنّ الهدف ليس مقارعة ومُناكفة “الشعبيّة” لا سمح الله، بلْ تقديم المُساهمة المُتواضِعة لإثراء النقاش، لأنّه كما يقول المثل العربيّ العّامي: “الصراخ على قّد الوجع”، وبالإضافة إلى ذلك، التوضيح بأنّنا نبعُد ألف سنةٍ ضوئيّةٍ عن المزايدات على “الشعبيّة”، التي ساهمت وما تزال، في النضال الوطنيّ-الفلسطينيّ، ونعتقِد أنّه بخطفها الطائرات في أواخر الستينيات من القرن الماضي، حوّلت قضية فلسطين من قضية لاجئين إلى قضية شعبٍ سُلِبت أرضه، وانتُهِك عرضه فرادي وجماعاتٍ، في أخطر جريمةٍ إنسانيّةٍ على مرّ التاريخ، المعروفة بنكبة العام 1948.
***
نتناقش مع حركة (فتح) حول سياستها والسلطة الفلسطينيّة التي تُدار من قبلها، ولكن يبقى خلافنا في إطار الوطنيّ للكلّ الفلسطينيّ، دون التجريح، الشخصنة ورفع الشعارات الرنانّة التي لا تُسمِن ولا تُغني عن جوع، ومن حقّنا، لا بلْ من واجبنا أيضًا، أنْ نُدلي بدلونا حول ممارسات اليسار الفلسطينيّ غير الدّينيّ، أيْ ليس حماس والجهاد الإسلاميّ وتنظيماتٍ أخرى، نتفِق معها تكتيكيًا، وتتباين مواقفنا في المسائل الإستراتيجيّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ فيما يتعلّق بصبغة الدولة الفلسطينيّة التي نُريدها، ولا نكشِف سرًا إذا اعترفنا بأنّ حلمنا هو إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ علمانيّةٍ ديمقراطيّةٍ، دولة مُواطنة يكون فيها المُواطِن-الإنسان من الجنسيْن، الإناث والذكور، صاحب القرار الأوّل والأخير.
***
وبما أنّ الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، هي الفصيل الثالث بعد فتح وحماس، وستحتفِل الشهر القادِم بذكرى تأسيسها (11 كانون الأوّل 1967)، نرى من المُناسِب وضع عددٍ من النقاط على بعضٍ من الحروف: “الجبهة” منضوية في كنف منظمّة التحرير، المُعترِفة بإسرائيل، “الجبهة” تُشارِك أيضًا في الانتخابات الفلسطينيّة، التي تجري بصورةٍ غيرُ مُباشرةٍ كاستحقاقٍ لاتفاق أوسلو، وتُجري مُفاوضاتٍ مع حركة فتح، المُسيطِرة على القرار الفلسطينيّ، وهذه القضايا، على سبيل الذكر لا الحصر، التي قد تبدو، ثانويّةً في هذا الزمن الرديء، هي باعتقادنا مُهّمةً، إنْ لم تكُن الأهّم، ذلك أنّه من المُستحيل الجمع بين الكفاح المُسلّح، الذي نصّت عليه الشرعيّة الدوليّة للشعوب الرازِحة تحت الاحتلال وتتبنّاه “الشعبيّة”، وفي الوقت عينه، التفاوض مع حركة (فتح)، التي يؤكّد زعيمها، السيّد محمود عبّاس، في مُناسباتٍ عديدةٍ رفضه الكامل والمُطلق لـ”عسكرة” النضال.
***
مُضافًا إلى ما ذُكِر أعلاه، فإنّ تواجد “الشعبية” في منظمّة التحرير الفلسطينيّة بشكلها الحاليّ يُثير العديد من الأسئلة: هل قامت الجبهة بإعادة تقييم انخراطها في منظمّة التحرير في ظلّ حالة التراجع العربيّة-الفلسطينيّة؟ أوْ لنُحدّد التساؤل: لماذا لا تُجري “الشعبيّة” نقاشًا مفتوحًا حول القضيّة بهدف فرز الأمور، وتحديد الغثّ من السمين؟ كيف مُمكِن أنْ نشرح لأنفسنا ولغيرنا، الأصدقاء قبل الأعداء أوْ الخصوم، التناقضات في المواقف المبدئيّة حول قضايا الحلّ النهائيّ؟ هل “الشعبيّة” تؤمِن بأنّ الطريق الذي اختارته منظمّة التحرير سيقودنا إلى برّ الأمان ويُحقِّق طموحات الشعب الفلسطينيّ، وهو الذي يُواصِل مسيرة التحرّر الوطنيّ في ظلّ احتلالٍ عنصريًّ- فاشيٍّ؟ الاجتهادات كثيرة، حتى داخل “الشعبيّة”، ولكنْ وصلنا إلى مرحلةٍ بات فيها فرز الأمور سيّد المواقف، مع تأكيدنا بأنّ التصوّر السياسيّ-الفكريّ ليس مصبوغًا بالأسود والأبيض فقط، والخيارات الموجودة صعبة وتتطلّب جرأةً واستقامةً سياسيّةً لاتخاذ القرار: هل “الجبهة” مع إرث الحكيم، الراِحل د. جورج حبش والشهيد وديع حدّاد (وراء العدوّ في كلّ مكانٍ) وأبو ماهر اليماني؟ أمْ أنّها بصدد التأقلم مع المُتغيّرات العالميّة-الدوليّة-العربيّة-الفلسطينيّة، التي تُلزِم القيادة الحاليّة بتقديم الـ”تنازلات” وانتهاج البراغماتيّة للمُحافظة على الحزب السياسيّ ووحدة البيت الفلسطينيّ؟. سؤالٌ جوهريٌّ بحاجةٍ لجوابٍ يقطع الشكّ باليقين.
***
ختامًا، نؤمن إيمانًا قاطِعًا بأنّ قيادة الشعبيّة، داخل باستيلات الاحتلال الإسرائيليّ وخارجها، وطبعًا الرفاق والأصدقاء، ما زالوا يتبّنوْن مقولة الشهيد، غسّان كنفاني، وهو من مؤسسي “الجبهة”، الذي طالته يدّ غدر (الموساد) في أبريل 1972: “إذا كُنّا مُدافِعين فاشِلين عن القضية، فالأجدر بنا أنْ نُغيِّر المُدافِعين، لا أنْ نُغيِّر القضية”، ولذا يتعيّن على “الشعبيّة” تحديد البوصلة ليس من أجل الجيل الحاليّ فقط، بلْ أيضًا من أجل الأبناء والأحفاد، فكلّنا سنختفي عن هذه الأرض، عاجِلاً أوْ آجلاً، والموت حقٌّ، ولكنّ فلسطين باقيةً إلى أبد الآبدين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP