مهرجان اسرائيلي مُصطنع لانتصارٍ وهميٍّ!
بعد مرور 11 عامًا، إسرائيل تحتفل بتدمير المفاعل النوويّ العربيّ-السوريّ في دير الزور، وتُطلق العنان لإعلامها المُتطوّع لتكريس السرديّة الصهيونيّة حول فوقيتها وتفوقها مُقابل تخلّف العربيّ ودونيته. هل الاعتراف العلنيّ بقصف المفاعل عشية الذكرى السبعين لنكبة فلسطين هو إقرار من تل أبيب بفشل رهاناتها لتقسيم بلاد الشام كمُقدّمةٍ لتصفية أعدل قضية في العالم، قضية فلسطين؟ وأين المُجتمع الدوليّ، الذي يُهدّد بقصف دمشق لأنّها، بحسب مزاعمه، تستخدم الأسلحة الكيميائيّة في الحرب الأهليّة؟ أين هذا الجسم الهُلاميّ والمُنافق من دولة الاحتلال، التي بحسب الإعلام الأجنبيّ، تمتلك أخطر ترسانة نوويّة في المنطقة؟
عشية الذكرى الـسبعين لاغتصاب فلسطين، بدأت دولة الاحتلال احتفالاتها باستقلالها، الذي هو نكبة الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، وفي هذا اليوم بالذات، الـ21 من شهر آذار (مارس)، عندما يحتفل العالم الحضاريّ بـ”عيد الأمّ”، اختارت إسرائيل أنْ تحتفي بهذه المُناسبة بالاعتراف رسميًا وعلنيًا، لأوّل مرّةٍ، بأنّها قامت في العام 2007، بتدمير المفاعل النوويّ السوريّ في دير الزور، والذي كان، على حدّ زعمها، قيد الإنشاء.
الإقرار الصهيونيّ بتنفيذ العدوان الغاشم جاء من رئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت، الذي مرغّ حزب الله اللبنانيّ أنفه بالتُراب، هو و”جيشه الذي لا يُقهر”، وما زالت تداعيات الهزيمة الإسرائيليّة من قبل تنظيمٍ عربيٍّ “إرهابيٍّ” تتغلغل عميقًا في الوعي الجمعيّ لكلّ روافد المُجتمع الصهيونيّ، هذا المُجتمع الذين كان حتى “حرب لبنان الثانية”، صيف العام 2006، أسير مقولة رئيس الوزراء الأسبق، المُجرم يتسحاق شامير، بأنّ العرب هم نفس العرب، والبحر هو نفس الحرب، فجاء حزب الله، ليُحطّم هذه المقولة على أرض الواقع، بالإضافة إلى تدميره للعقيدة القتاليّة التي أرساها مَنْ يُطلقون عليه في إسرائيل لقب المؤسّس، دافيد بن غوريون، والقاضية بحسم المعركة في أقصر وقتٍ ممكنٍ، وعدم السماح للعدّو بتحويل العمق الإسرائيليّ إلى ساحة قتالٍ.
عليكَ، كإنسان، كعربيّ وكفلسطينيّ، تعيش في وطنك المسلوب رغمًا عن أنفهم، أنْ تتحلّى بأعصابٍ من فولاذ، لاستيعاب الفرحة العارمة التي تعمّ إسرائيل بعد هذا الـ”اعتراف” بتدمير الموقع العربيّ-السوريّ، الذي بحسب إعلامهم، المُتطوّع لصالح ما يُطلق عليها الأجندة الصهيونيّة، كان يُشكّل خطرًا وجوديًا على دولة الاحتلال، وحتى رئيس تحرير صحيفة (هآرتس)، التي تحسب نفسها لبراليّة، يُشارك بعنجهيّةٍ في المهرجان الإعلاميّ، ويجزم قائلاً إنّ تدمير المفاعل السوريّ هو نقطة تحوّلٍ تاريخيّةٍ من النواحي العسكريّة، الدبلوماسيّة والسياسيّة!.
تقرأ، تسمع وتُشاهد، عملية غسل الدماغ من مُنطلق “مكره أخاك لا بطل”، وتُواصِل مُتابعة فيلم التضليل والكذب الاستفزازيّ، إذْ أنّ أولمرت، الذي كشف السرّ، المفضوح أصلاً، يتحوّل فجأةً إلى بطلٍ “قوميٍّ”، وينسى أوْ بالأحرى يتناسى إعلام الـ”ديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربيّة”، أنّ الرجل أُدين في محكمةٍ إسرائيليّةٍ بالغشّ والخداع والاحتيال وزُجّ به في السجن. وفي هذا السياق لا غضاضة بتذكير بعض العرب المُعجبين بـ”ديمقراطيّة” دولة الاحتلال، أنّ هذه الديمقراطيّة المزعومة هي لليهود فقط، فإسرائيل ديمقراطيّة لليهود، ويهوديّة للعرب، ناهيك عن أنّ دولة تقترف الجرائم يوميًا بحقّ الفلسطينيين والعرب، تتباهى بدون خجلٍ أوْ وجلٍ بعمليات قرصنةٍ واعتداءاتٍ على سيادة دولٍ مُعترفٍ بها من قبل الأمم المُتحدّة، وتقمع شعبًا على مدار الساعة بأبشع وأقذر الوسائل على مدار الساعة، بدون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، دولة تُمارس دور الجلّاد وتُطالب العالم باعتبارها ضحيةً.
يستمرّ المهرجان، ولسخرية القدر أنّ هذه المُفردة هي فارسيّة، أيْ إيرانيّة، يستمرّ لأنّ الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، بحاجةٍ لانتصارٍ وهميٍّ أوْ مُصطنعٍ، من أجل رفع المعنويات وكيّ الوعيّ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ وزير الأمن المُتشدّد، أفيغدور ليبرمان، كان قد صرحّ أخيرًا بأنّ إسرائيل لم تنتصر في أيّ حربٍ منذ عدوان العام 1967، وهو إقرار رسميّ من أحد صُنّاع القرار في تل أبيب، وليس نظريّة ابتدعها أحد المتآمرين العرب، أوْ فرية أطلقتها ناطقة بالضاد.
بناءً على ما تقدّم، لا نستبعد البتّة أنْ يكون السماح بنشر تفاصيل العملية، بحسب الرواية الإسرائيليّة، في هذا التوقيت بالذات، هو بمثابة حلقةٍ إضافيّةٍ في مسلسل الحرب النفسيّة الشرسة التي تخوضها دولة الاحتلال ضدّ الأمّة العربيّة بهدف استدخال الهزيمة، والتأكيد على فوقية الصهيونيّ وغطرسته واستكباره، مقابل الدونية العربيّة وتخلّف أمّة الناطقين بالضاد، فها هو عميل الموساد سابقًا والمؤرخ حاليًا، غاد شيمرون، يؤكّد في حديثٍ لتلفزيون (I24NEWS)، إنّه لا شيء يجمع بين السعودية وإسرائيل سوى ما وصفه بـ”الشيطان المُشترك”، أيْ إيران، لافتًا إلى أنّ الدولة العبريّة تُعتبر دولةً متقدّمةً وعلمانيّةً، بينما السعوديّة هي دولة مُحافظة ومُتخلفّة، ولا يجمعهما أيّ شيءٍ، على حدّ تعبيره.
الاحتفال الإسرائيليّ المُفتعل والغرائزيّ بتدمير مفاعل دير الزور العربيّ-السوريّ، بعد 11 عامًا من تنفيذه، يدفعنا إلى تأكيد المؤكّد: إنّه اعتراف رسميّ من تل أبيب، من حيثُ تدري أوْ لا تدري، بفشل رهاناتها القاضية بتقسيم سوريّة، كمُقدّمةٍ للإجهاز النهائيّ على أعدل قضية في العالم، قضية فلسطين. بالإضافة إلى ذلك، فهي مُحاولة يائسة وبائسة للتغطية على الانتصارات التي يُحققها الجيش العربيّ السوريّ ضدّ قوى التكفير والظلام، التي تلقّى بعضها وما زال، باعترافٍ إسرائيليٍّ، الدعم اللوجيستي والآخر من دولة الاحتلال.
وهناك ملاحظة أخرى يجب التشديد عليها في هذه العُجالة: إذا صحّت الرواية الإسرائيليّة بأنّ سوريّة كانت تطمح للتزوّد بالأسلحة النوويّة، لتشكيل خطرٍ إستراتيجيٍّ-وجوديٍّ على كيان الاحتلال، فنسمح لأنفسنا بالتساؤل وبالصوت العالي والفم الملآن: هل الـ”نظام الأسديّ الاستبداديّ” أقدم على الخطوة المنسوبة إليه لقمع الـ”ثورة” التي “تنبّأ” باندلاعها في آذار (مارس) من العام 2011؟ أمْ أنّه قام بذلك من خلال رؤيةٍ إستراتيجيّةٍ هدفها تغيير قواعد الاشتباك وموازين القوى في الشرق الأوسط لصالح الأمّة العربيّة برّمتها، وليس فقط من أجل بلاد الشام، ذلك أنّه من المعروف أنّ العلاقات الدوليّة محكومة بحسب موازين القوى.
ومُلاحظة أخرى: من خلال مُواكبة تفاصيل العمليّة الـ”بطوليّة”، نحصل على تأكيدٍ آخر بأنّ مقولة حكيم الثورة وضميرها، الشهيد د. جورج حبش، بأنّ أمريكا هي رأس الأفعى، كانت وما زالت صحيحةً، فأولمرت، كما أكّد الإعلام العبريّ، حصل على ضوءٍ أخضرٍ من أمريكا لقصف المفاعل، وكال له الرئيس الأمريكيّ آنذاك، جورج بوش الابن، المُلطخّة أياديه بدماء العرب، كال له المديح على “جرأته”!
وأخيرًا، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه بحسب الإعلام الأجنبيّ تمتلك إسرائيل ترسانةً نوويّةً خطيرةً جدًا على السلم والأمن العالميين، المُجتمع الدوليّ، وهو لقب هلاميّ في زمن الردّة العربيّة والنفاق العالميّ، يتغاضى عن ذلك، عن سبق الإصرار والترصّد، فلم نسمع من أيّ حكومةٍ أوْ هيئةٍ غربيّةٍ رسميّةٍ طلبًا لنزع إسرائيل من أسلحتها غير التقليديّة، وهو نفس المُجتمع الدوليّ الذي يتهّم سوريّة زورًا وبُهتانًا باستخدام الأسلحة الكيميائيّة لـ”قتل مُواطنيها”، ويُهدّد ويتوعّد بمعاقبتها، وهي الدولة العربيّة التي تخوض معركةً الدفاع عن نفسها وسيادتها وجغرافيتها، كي لا تتحوّل إلى لقمةٍ سائغةٍ في أيدي الثلاثيّ الأسود: الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، هذا الثلاثي الذي لا يألو جُهدًا من أجل تدمير الأمّة العربيّة من المُحيط إلى الخليج.