هل يغيّر جو بايدن خطوات ترامب تجاه "إسرائيل"؟
أيام قليلة تفصلنا عن معرفة الرئيس الأميركي القادم، فإما أن يفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية ثانية، أو يعود المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لكن هذه المرة بصفته رئيساً وليس نائباً. ونظراً لأهمية العلاقة بين العدو الصهيوني والولايات المتحدة، فإن رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو يعيش حالة من الترقّب والانتظار، وكل آماله أن يبقى ترامب في البيت الأبيض.
السؤال الذي يُطرح: ما مصير قرارات ترامب التي تم اتخاذها لصالح العدو الصهيوني في حال فاز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة والتي من أبرزها الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وتبنّي السياسة الإسرائيلية بالضغط المتواصل على إيران من خلال فرض العقوبات المشددة، واتخاذ مجموعة من القرارات كالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة "إسرائيل" ونقل السفارة من تل أبيب (يافا الكبرى) إليها؟
ومن أبرز قرارات ترامب أيضاً الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على هضبة الجولان، أما فيما يتعلق بالملف الفلسطيني فقد أغلق مقر منظمة التحرير، وفرض ما يُعرف "بصفقة القرن"، ومن ضمنها شرعنة الاستيطان في الضفة الغربية، وقيادة حملة التطبيع مع "إسرائيل" وتجاهل تقديم حلول للسلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
قبل الإجابة على السؤال حول سلوك بايدن المتوقع، لا بدّ أن نوضح بأن ثمة ثوابت لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه "إسرائيل" لا يمكن لأي رئيس أميركي يجلس في البيت الأبيض أن يحيد عنها، تتمثل أولاً في ضمان التفوق الأمني والعسكري الإسرائيلي في المنطقة، وثانياً في مبدأ اللاعودة للاجئين الفلسطينيين الذي هُجِّروا من فلسطين المحتلة عام 48، وثالثاً في انعدام حدود واضحة المعالم لدولة فلسطينية.
وبالعودة لمواقف بايدن؛ فالرجل صاحب تجربة سابقة مع "إسرائيل" ونتنياهو، لاسيما خلال تولّيه موقع نائب الرئيس الأميركي أوباما، فقد فشلت الإدارة الأميركية في فرض رؤيتها للعودة إلى مفاوضات في ذلك الوقت، ونجح نتنياهو في التهرب وفرض أجندته على الميدان على حساب التوجه الأميركي، وقد أفشل كل جهود المبعوث الأميركي لعملية السلام جورج ميتشيل ، ولم يستجب لطلب أوباما بوقف الاستيطان مؤقتاً.
لن يتراجع جو بايدن عن القرارات التي تم اتخاذها بشأن القدس والجولان، لكن الخلاف سيتمحور حول قضيتين؛ الأولى: الملف النووي الإيراني، وطريقة إدارة الملف من قبل الإدارة الجديدة في حال كانت ديمقراطية، "فإسرائيل" تخشى من عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي أو العمل للتوصل إلى اتفاق جديد، خاصة بأن العديد من الأوساط تقدّر بأن إيران لم تتراجع وواصلت ثباتها أمام إجراءات ترامب.
أما الملف الثاني هو التعامل مع السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، فمن المتوقّع أن يكون سلوك بايدن مغايراً تماماً لسلوك الإدارة الحالية بزعامة ترامب، فمن المرجّح إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والعمل على إعادة تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، وهنا للعلم، لم توقف أميركا عن دعم الأجهزة الأمنية وإعادة طرح مقاربات جديدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما على صعيد التطبيع مع الدول العربية فلن يحمل بايدن العصا كما فعل ترامب، بل سيترك القرار لكل دولة عربية وفقاً لسلوكها وطبيعة أوضاعها، وإن كان بايدن يتمنى أن يتفوّق عما حقّقه ترامب من اختراق للجبهة العربية لصالح "إسرائيل"، لكن طريقة تعامله ستكون مختلفة من حيث الأسلوب والوسائل، فأمن "إسرائيل" واستقرارها كما سبق وذكرنا هو ثابت من الثوابت لكل من يجلس في البيت الأبيض.
لا شك بأن فوز بايدن يمثل إشكالية لنتنياهو واليمين الإسرائيلي، خاصة في ظلّ الأزمة الداخلية السياسية الإسرائيلية، وملاحقة نتنياهو قضائياً، لكن ثمة مقاربة لا يمكن تجاهلها، تقضي بأن بايدن لا يمتلك النفَس الكافي والقدرة المنشودة من أجل الضغط على "إسرائيل"، ولن ينجح في ما فشل فيه الرئيس الأميركي السابق أوباما، لأن عوامل نجاحه ربما ترتبط بخسارة اليمين الإسرائيلي الحَكَم؛ وهذا حسب كافة المؤشرات مازال صعباً، حتى لو رحل نتنياهو، لأن قوة اليمين مازالت حاضرة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً