تحرير الضفة.. الرد الممكن على سرقة فلسطين
ما إن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطَّته، ونُشرَت تفاصيلها عبر الوسائل الإعلاميَّة، حتى جرت جلسات نقاشٍ متعدّدةٍ بين النخب الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد حضرتُ جزءاً من الحوارات التي عُقدت في غزة.
ثمّة إجماعٌ خلال النقاشات على أنَّ الموقف الفلسطينيّ يجب أن يكون موحّداً في مواجهة "صفقة القرن". وقد ركَّز بعض النخب على ضرورة إنهاء الانقسام، وهي رؤيةٌ دائمة الحضور في ظلِّ وجود جسمين لإدارة المنظومة الإدارية في قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية.
ولكن أكثر ما استوقفني في الطروحات، ما طرحه أخي وصديقي العزيز الباحث عبدالحميد صبرة، صاحب النظرة الثاقبة والرؤية المعمَّقة. ويتمحور طرحه حول تبنّي القوى والفصائل الفلسطينية كافّةً مشروع تحرير الضفة الغربية من الاحتلال والاستيطان، كبرنامج عمل مشتركٍ متوسّط المدى يتوافق مع كلّ البرامج السياسية التي طرحتها الحركة الوطنية الفلسطينية.
إنَّ برنامج تحرير الضفّة الغربيَّة أحد الطروحات القابلة للتحقّق على الصعيد الميداني. ومن الممكن العمل عليها، سواء في البعد الشعبي، من خلال انتفاضة شعبيَّة تستنزف العدوّ الصهيونيّ، عبر انتشارها على طول نقاط الاشتباك مع جنوده المنتشرين في الضفة الغربية، أو في البعد العسكري، من خلال التوافق على استهداف قوات جيش العدوّ الإسرائيليّ أو مستوطنيه داخل حدود 67. وهذه المقاومة مشروعة بغطاء من نصوص القوانين الدولية.
إنّ الناظر إلى ما ورد في خطَّة ترامب للتسوية يدرك أنّ السّاحة الحقيقيّة لمواجهة خطّته المتوافقة مع رؤية اليمين الإسرائيليّ هي الضفة الغربية، فالخطَّة تستهدف أرض الضفّة وسلاح المقاومة في قطاع غزة، مع تأكيدها ضرورة أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية المزعومة خاليةً من أيّ أسلحةٍ، بما فيها الرشاشات الثقيلة.
لم تخفِ الخطّة التهديد الّذي يشكّله سلاح المقاومة في قطاع غزة على العدوّ الصهيونيّ، عبر وصف القطاع الذي تديره حركة "حماس" بالتحديات الجغرافية والاستراتيجية. وقد أفردت له مساحة من الشروط للانخراط في تطبيقها، ترتكز كلّها على نزع السلاح والاعتراف بشروط "الرباعية" التي تجرم المقاومة الفلسطينية.
في المقابل، اعتبرت الخطَّة أنّ وجود نظامٍ مماثلٍ لقوة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية سيشكّل تهديداً وجودياً لـ"دولة إسرائيل". مقاربةٌ من المهم أن يقرأها ويدركها كلّ من لا يؤمن بالمقاومة المسلَّحة، ولا يعي أنَّ مشروع مراكمة القوَّة في قطاع غزة - بعد دحر العدوّ منه بضربات المقاومة - قادرٌ على تحقيق المزيد من الانتصارات.
قد يتساءل البعض: هل مشروع تحرير الضفّة الغربيّة قابلٌ للإنجاز في ظلِّ حكم اليمين المتطرّف المؤمن بالاستيطان والسّيطرة على الضفة ورفض إقامة دولة فلسطينية، حتى بحسب الخطّة الأميركيّة الأخيرة؟
بكلّ تأكيد، إنَّ الإنجاز سيتحقَّق، بالاستناد إلى تجربة العدوّ مع المقاومة الفلسطينية التي استنزفته في قطاع غزة وأجبرته على الاندحار، وكذلك المقاومة اللبنانيَّة الَّتي أرغمته على الهروب من جنوب لبنان أمام ضربات حزب الله.
إنَّ تثوير الضفة الغربية وخلق حالة مقاومة فيها يستنزفان قوات العدو الصهيوني ويشكّلان جبهةً رابعةً لمحاصرة العدو الصهيوني، بحسب ما تقرّ خطّة ترامب وكل القيادات العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة، من أنَّ هناك تهديداتٍ استراتيجيةً تهدّد أمن "إسرائيل" قادمةٌ من جنوب لبنان وسوريا وقطاع غزة، يُضاف إليها التهديد الوجودي القادم من إيران.
عند عزم الإدارة الأميركية على الإعلان عن خطَّتها تجاه التسوية، استنفرت قوات الجيش الإسرائيلي ما يقارب 12 كتيبةً مقاتلةً لنشرها في الضفة الغربية، في حال خرجت تظاهراتٌ سلميّةٌ ضخمةٌ تندّد بالصفقة، وهو ما يعكس مدى خشية "إسرائيل" من تفعيل انتفاضةٍ شعبيةٍ وعسكريةٍ في الضفة، وما سينعكس على خططها الدفاعية لمجابهتها.
ستخلّف الجبهة الرابعة في الضفة الغربية واقعاً مغايراً لما هو عليه الحال الآن، وهي كفيلةٌ بتغيير الواقع السياسي والميداني، فنظرة اليمين الصهيوني تتغيَّر تحت ضربات المقاومة، وقد أخلت "إسرائيل" في ظلّ حكم اليمين الاستيطاني نقاطاً استيطانيةً بسبب العملية العسكرية في انتفاضة الأقصى من العام 2000 إلى العام 2005.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً