دلالات زيارة اسماعيل هنيّة إلى لبنان
شكَّلت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، نتائج إيجابية تجاه مشروع المقاومة وقواها، فالزيارة - وإن كان سببها الرئيسي اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية - إلا أن هنية نجح في استثمار كامل وقتها في تعزيز حضور المقاومة كرافعة لقضية فلسطين على أكثر من صعيد.
وعلى الرغم من أنَّها شملت المستويات الرسمية في الدولة اللبنانية، والعديد من المكوّنات الحزبية الداعمة والمساندة لقضية فلسطين، غير أنَّ لقاءين مهمّين حازا نصيب الأسد من الزيارة، من حيث الحضور والتفاعل الجماهيري، وهما زيارة مخيم عين الحلوة، ولقاء هنية بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وما جرى نقاشه في الأروقة الداخلية، وما تبعه من لقاءات متعددة مع كوادر حزب الله.
ثمة اعتبارات عدة لأهمية قدوم إسماعيل هنية إلى لبنان، لعلَّ أبرزها يتمثل في شخصيته ذات الحضور الواسع على الصعيد الإقليمي، إضافةً إلى البقعة الجغرافية التي قدم منها، وهي قطاع غزة المحاصر من قبل العدو، وما يعانيه نتيجة تمسّكه بخيار المقاومة المسلحة، كذلك ما يحمله من إرث حركي كقيادته لحركة حماس في غزة، في ظلّ الاعتداءات الصهيونية على القطاع، وأبرزها الحروب الثلاث في العام 2008، والعام 2012، وآخرها عدوان الواحد وخمسين يوماً في العام 2014.
وبالعودة إلى زيارة مخيم عين الحلوة، فإن أهميتها تكمن في كونها الأولى على مستوى رئيس حركة حماس الأول، كما أنَّ هنية أرفع شخصية فلسطينية تزور المخيم بعد خروج منظمة التحرير من لبنان، إثر اجتياح بيروت وما تبعه من أحداث، فحفاوة الاستقبال من الفلسطينيين في لبنان حملت معها معاني عدة، ربما أهمها للدولة والشعب اللبناني بأن فكرة التوطين مرفوضة، وأن أبناء مخيمات لبنان ما زالوا على عهد التحرير، كما رسخت منهجية الكفاح المسلح كرافعة حقيقية لمشروع التحرير والعودة.
ويدلّ حجم الحشد على التراكم والجهد الذي تبذله قواعد حماس في لبنان داخل المخيمات الفلسطينية، فعين الحلوة معقل فتحاوي خالص، إلا أنَّ تراجع فتح عن خيار الكفاح المسلّح، وتركيز رئيسها محمود عباس على البحث عن حلول عادلة - بحسب وصفه - للاجئين، ساهم في إضعاف حضورها في المخيمات، حتى إنَّ القيادات الفتحاوية داخل المخيمات لا تؤمن بمنهج التسوية والحلول السلمية للقضية.
لم يكن لقاء السيد نصر الله بهنية لقاءً عادياً، فالقواسم المشتركة التي تجمع حماس بحزب الله عديدة، إذ يشكّل كلاهما تهديداً حقيقاً للعدو الصهيوني في جبهة لبنان وجبهة قطاع غزة، كما أنَّهما من أكثر الحركات اهتماماً بمتابعة الشأن الصهيوني على الصعد كافة. ولا أبالغ إن قلت إنّهما من أوعى المقدّرين للمشهد الصهيوني على مستوى المنطقة.
هذا اللقاء هو الأوَّل بين رأس الهرم في حزب الله ونظيره في حماس منذ الأزمة السورية وما شهدته من حالة البرود خلالها، لكن العلاقات اليوم عادت إلى سابق عهدها، بل شهدت تطوراً في مستويات التعاون المشترك في المجالات كافة، ودخلت مرحلة جديدة من الحوار الاستراتيجي في ما يتعلَّق بجبهات القتال مع العدو والتعاون المشترك في مواجهة محور التطبيع العربي. وبكلّ تأكيد، فإنّ اللقاءات مع السيد نصر الله والحزب لها ما بعدها، وربما تكشف عنها المرحلة المقبلة.
نجحت زيارة هنية في إيصال المعاني كافة فلسطينياً ولبنانياً، ورسَّخ لبنان صورته العروبية وصونه لقضية فلسطين، فهو ليس مجرد سند وداعم لها، بل هو شريك معها بدماء شهدائه ودفعه ثمن احتضان المقاومة الفلسطينية، وما زال يمثل جبهة استنزاف للعدو الصّهيوني.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً