بين حارس القدس وشهيدها وجنودها
في زمن الإنقسام والتطبيع وضياع المبادئ والبوصلة، زمن آخر يوحِّد ولا يُفرِّق، هو زمن القدس.
القدس كلما برز التطبيع الرسمي العربي بوضوح، تبرز أكثر من أيّ وقتٍ مضى رمزاً للوحدة والقوَّة والثبات على الموقف.
إنقسامات الأمَّة العربية عمودية وأفقية على أساساتٍ وضعها الغرب، دينية وعرقية وطائفية، ولا شيء يُفشِل هذه المُخطَّطات اليوم كالقدس وقضيّتها التي اجتمع عليها من دون ميعاد حارسها، ولنا في قصّة المطران إيلاريون كبوجي "حارِس القدس" مثالاً، وشهيدها الفريق قاسم سليماني الذي أعطى القدس أولويّة في عمله السرّي والعَلَني لسنواتٍ طويلةٍ والذي نال لقب (شهيد القدس) من لسانٍ فلسطيني مقاوِم، وجنودها على مختلف انتماءاتهم من المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعربية في العراق واليمن وسوريا ومعهم مقاومين عالميين ضحّوا لأجل القدس أيضاً في أميركا اللاتينية وأبرزهم الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، فما مصلحة هؤلاء أن يجتمعوا على القدس؟
ومَن رَحَل منهم ترك خلفه جيشاً للقدس على ذات الثوابت، في زمن الإنقسام نجد على القدس يجتمع الإيراني مع العربي مع اللاتيني وآخرين والسنّي مع الشيعي والمسلم مع المسيحي، إذاً هو زمن القدس الذي اجتمع عليه الجميع من دون مصلحة ضيّقة، بعد أنهر الدماء التي سالت على طريق القدس منذ عقود، باتت رمزاً للمقاومة وشعاراً لها وهدفاً يعلو على كل الهويات الفرعية والجانبية، وكلما استمعنا إلى أصواتٍ نشازٍ تُفرِّط بالقدس وتُقلِّل من أهميّتها وتدعوا إلى التطبيع وتجعل منها نقمة على بعض العرب، نسمع صوتاً مقاوِماً أعلى يُنادي بها ويتوعَّد بإسترجاعها مهما طال الزمان.
وماذا لو تخلّت المقاومة عن القدس؟
لشاهَدنا بعض رجال الدين المسحيين يتميَّزون عن غيرهم ويتمّ التطبيل لهم كأبطالٍ، ولشاهَدنا إيران يتمّ التعامُل من الغرب معها كسيّدة الدول في المنطقة، وقد نشاهد المقاومة اللبنانية تأخذ أوسمة عالمية في السلام والمحبّة وصوَر السيِّد حسن نصر الله ربما تكون مُنْتَشِرة في جميع العواصِم العربية، ولكانت المقاومة الفلسطينية فوق الشُبهات بعيون أميركا وإسرائيل، ويعود اليمن سعيداً، وما كانت الحال على ما هي عليه في العراق وسوريا، هذا لو قدَّمت المقاومة طاعتها لأميركا وإسرائيل على حساب القدس.
إذاً هذه القضية لسيت للمُتاجَرة ولو خضعت لذلك سنُشاهَد دول المقاومة بصورةٍ مختلفةٍ تماماً عما هي عليه، لكن من دون ثوابت أو كرامة وإغراق في التبعيّة.
وهذا يضع الجماهير عامّة أمام مسؤولية كبيرة تتمثّل في ضرورة دعم المقاومة، فهذا المشروع الذي بقي صامِداً بوجه كل المؤامرات والتفتّت، وجَمَع الناس بمختلف ألوانها وأديانها وطوائفها وقوميّاتها، لا سبيل سواه اليوم لتعود القدس لأهلها وتكون رمزاً للوحدة في عقول البشرية جمعاء.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً