السّلاح النووي.. هل بمقدور إيران ذلك؟
الاشراق | وكالات.
ربما جاء انسحاب أميركا من الاتفاق النووي بهدف ابتزاز دول خليجية معادية لإيران، وتحديداً السعودية، أكثر من كونه يهدف إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
يعود البرنامج النوويّ الإيرانيّ إلى ما قبل الثورة الإسلامية في العام 1979. بعدها، أمر مفجّر الثورة الإمام الخميني الراحل بحلِّ الأبحاث السرية الخاصة بالأسلحة النووية، معلّلاً بأنَّ امتلاك السلاح النووي يخالف الأخلاق والفقه الإسلاميين، لكن ذلك لم يعنِ توقف البرنامج النووي بصورة كاملة، غير أنه اقتصر على الأبحاث التي تؤهّل إيران لاستخدام الطاقة النووية في المجال السلمي حصراً.
وخلال بداية تسعينيات القرن الماضي، ازداد الاهتمام بهذا البرنامج، لكنَّ أميركا وبعض الدول الأوروبية التي ساعدت الشاه محمد رضا بهلوي كثيراً في المجال النووي، حتى في نياته التدميرية، قبل العام 1979، أصبحت من أشدّ المعارضين له بعد الثورة، وإن كان سلمياً، لكنَّ إيران اعتمدت على الخبرات الروسية في إتمام مشروعها. وهكذا استمرَّ الجدل حوله لسنوات طويلة.
في العام 2003، أفتى المرشد الإيراني السيد علي خامنئي بعدم جواز امتلاك السّلاح النوويّ، لأنه يخالف الشريعة الإسلامية. هذه الفتوى كانت تأكيداً للفتوى السابقة التي أطلقها الإمام الخميني مطلع الثمانينيات، وأعلنتها الحكومة الإيرانية بصورة رسمية في اجتماع للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 2005، مؤكّدةً أن امتلاك الأسلحة النووية واستخدامها حرام. وكانت تلك الإجراءات رسائل إيران الواضحة إلى العالم ليصدّق نياتها.
ويبدو أنَّ جملة التأكيدات التي كانت تُطلق على مدى عقود لم تكن كافيةً لأميركا والغرب، على الرغم من أنَّ السيّد خامنئي في العام 2015، وبعد توقيع إيران على الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، أعاد تكرار كلماته السابقة بوضوح، وشدَّد على أنَّ امتلاك السّلاح النووي حرام، وأنَّ إيران لا تريد امتلاكه، بل إن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط.
هل تؤهّل المفاعلات الإيرانية الجمهوية الإسلامية لامتلاك سلاح نوويّ؟
تمتلك إيران برنامجاً نووياً متكاملاً إلى حدّ كبير يمكّنها من امتلاك قنبلة نووية فعلاً، ذلك أنَّ لديها مخزوناً كبيراً من اليورانيوم ومواقع التخصيب وإنتاج المياه الثقيلة وأجهزة الطرد المركزي، بأعدادٍ تكفي لإنتاج القنبلة في غضون أشهر قليلة.
هذه العوامل دفعت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومعها ألمانيا (5+1)، إلى المضي مع إيران بمفاوضات شاقة، لكنّها أثمرت أخيراً اتفاقاً إيرانياً مع المجموعة الدوليّة، كان يفترض أن ينهي عقوداً من الاتهامات والضغوطات والحصار على إيران، إضافةً إلى القلق الغربي من برنامج إيران النووي، وذلك عبر إتاحة الفرصة للرقابة على البرنامج النووي الإيراني من قبل اللجنة الدولية للطاقة الذرية، حتى يتمّ التأكّد من محدودية أنشطة إيران في هذا المجال، ومعرفة مخرونها من اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي، لضمان عدم وصولها إلى نسبة تخصيب عالية تؤهّلها لإنتاج وقود لصناعة الأسلحة النووية.
وفي الوقت ذاته، تستفيد إيران من رفع الحصار عنها وتمضي قدماً في تطوير برنامجها سلمياً. ومن أبرز ما جاء في الاتفاق النووي الموقّع في العام 2015، أنَّ نسبة التخصيب الإيرانيّ لا تتعدّى 3,5%، وهي النسبة المعقولة للأغراض السلمية. أما إذا أرادت إيران أن تنتج قنبلةً نووية، فهي تحتاج إلى تخصيبٍ يصل إلى 90%.
ومع سريان الاتفاق والرقابة المفروضة على إيران، كان يستحيل عليها الوصول إلى هذه النسبة العالية، لأنَّ السرية على المواقع والمخزون والأنشطة رُفعت تماماً، وباتت كلّها تحت أنظار المنظّمة الدولية للطاقة الذرية، التي ذكرت في أكثر من تقرير أنّ إيران ملتزمة بواجباتها في الاتفاق.
هذا الأمر يعني أنَّ اتفاق "5+1" كان كفيلاً بشكل بارز وسهل بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، لأنها إذا تحرَّرت من شروطه، فستستطيع نظرياً العمل للوصول إلى التخصيب بنسبة 90%، وتنتج بذلك سلاحاً نووياً.
من هنا ربما نكتشف نفاق إدارة ترامب التي انسحبت من الاتفاق النووي، ودفعت أوروبا إلى عدم الوفاء بالتزاماتها حياله، ثم ركّزت التصريحات الأميركيَّة بعد ذلك على عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. ولو كانت الولايات المتحدة الأميركية صادقة في ذلك، لتمسَّكت بالاتفاق بدلاً من نسفه، وذلك وفقاً للمعطيات المذكورة.
وعندما نسفت الولايات المتحدة هذا الاتفاق، وأجبرت أوروبا على عدم الوفاء بتعهداتها، بقيت إيران من دون أيّ التزامات في ما يخصّ نسبة التخصيب، وهو ما معناه أن نسبة 3,5% للأغراض السلمية ما عادت مُلزِمة لها، وبات يمكنها الآن مع بعض المحاولات أن تصل إلى نسبة 90%.
بالطّبع، قد توجد بعض المعوقات أمامها، وربما لا تتيح لها قدراتها إنتاج قنابل متعددة أو أوزان كبيرة منها، لكنَّها في النهاية، لو أرادت ذلك، فإنها تستطيع إنتاج قنبلة واحدة بوزن 35 كيلوغراماً على أقلّ تقدير.
ويبدو أن ما يقف في وجهها، كما يأتي على لسان الإيرانيين، هو تحريم صناعة تلك الأسلحة واستخدامها فقط. إذاً، تحاول أميركا الخداع، ولا سبيل لديها لمنع إيران من ذلك إلا من خلال الاتفاق الّذي انسحبت منه، فلماذا فعلت ما فعلته؟
ربما جاء انسحاب أميركا من الاتفاق بهدف ابتزاز دول خليجية معادية لإيران، وتحديداً السعودية، أكثر من كونه يهدف إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي. خوف تلك الدول من قوّة إيرانية على المستوى الاقتصادي في المنطقة جعلها موضع استنزاف مالي من قبل ترامب الَّذي يرغب في استنزافها بلا أدنى شك.
وربما كانت مصلحة "إسرائيل" في عدم إتمام الاتفاق، حتى لا تتحرّر إيران من العقوبات الاقتصادية، ويتحوّل برنامجها السلميّ إلى مصدرٍ لقوتها، وهو ما يعدّ أحد الأسباب أيضاً.
وقد يكون اعتقاد ترامب أنَّ طريق إيران للتحكم بالدورة النووية كاملة واستثمار قدراتها على هذا الصعيد في تطوير اقتصادها وأبحاثها يحتاج إلى أموال كثيرة وجهد مضاعف هو ما شجَّعه على الانسحاب، باعتبار أنه يستطيع السيطرة عليها من خلال فرض عقوبات مالية خانقة، وهو ما حدث فعلاً، ولكن من قال إنَّ حسابات الولايات المتحدة صحيحة، وإنَّ إيران لا تمتلك قدرات أو تفاهمات مع روسيا أو الصين تمكّنها من الحصول على ما يعزز قوتها واقتصادها ويسهم في رفاهية شعبها؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً