حلب تقتل سفَّاحها
سيطبع يوم 16-2-2020 في ذاكرة السوريين عامة والحلبيين بشكل خاص لأنه كتب نهاية فصل دموي من تاريخ المدينة لا يقلّ عُنفاً وتهجيراً ودموية عن تاريخ 11-10-1138 وهو تاريخ زلزال المدينة المُدمِّر.
اليوم تخرج عاصمة سوريا الاقتصادية وتايوان العرب من عباءة الإرهاب بعد نحو 9 سنوات من الاستهداف والتدمير والقتل والسلب والتنكيل والتهجير. كل مَن في حلب شعر وكأنه في صبيحة يوم العيد فمساجدها وكنائسها تقول وعلى قلب رجل واحد (لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده). نعم فقد هُزِمَت الأحزاب وانتصر الشعب.
لم يمر يوم حتى شارك الرئيس بشّار الأسد، الشعب فرحته وخرج بكلمةٍ مُصّورة موجّهة للسوريين بشكلٍ عامٍ وللحلبيين بشكلٍ خاص، وكانت هذه المرة الأولى التي يوجّه فيها الرئيس كلمة بعد تحرير مدينة أو منطقة، فكرّم المدينة التي صمدت وقاومت بهذه السابقة.
ورغم بساطة المشهد الذي خرج به الرئيس الأسد في الكلمة إلا أنه يحمل الكثير من المعاني، أهمها صقر الشاهين على يمينه والعطر الدمشقي على يساره ونظرة الحزم والحسم في عيونه.
في الشهر السادس لعام 2016 قال الرئيس الأسد إن حلب ستكون بمثابة المقبرة التي تُدفَن فيها أحلام "السفَّاح" إردوغان. وبعد أقل من 4 سنوات صدق الوعد ووفّى لدماء الشهداء. وها هي الشهباء تنتظره، لعلّه يزورها الآن أو ينتظر للعيد ليكون عيد المحافظة عيدين.
عملية تحرير حلب وقبلها معرّة النعمان في إدلب وفتح الطريق الدولي M5 وتحرير مناطق واسعة من ريف إدلب، أمور أثبتت أن تركيا فقدت حلفاءها الفاعلين في سوريا وهم روسيا وإيران. فموسكو ورغم مُناشدات ومُطالبات وتهديدات أنقرة المتواصلة بشأن وقف تقدّم الجيش السوري في شمال غرب البلاد إلا أنها لم تعط بالاً لها، وواصلت دعم الجيش السوري في عملياته العسكرية. أما طهران فتصريحات رئيسها حسن روحاني كفيلة بتصوير موقفها حيث طلب من تركيا احترام جميع الاتفاقات حول سوريا، ووصل رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى دمشق والتقى الرئيس الأسد، وجميعها رسائل تدلّ على الدعم الكبير من حلفاء دمشق لها، خصوصاً وأنهم شعروا بشيء في نفسهم من الكذب التركي بشأن سوريا.
الاتفاقيات بشأن المنطقة الشمالية الغربية لاسيما سوتشي في عام 2018 كانت تنصّ على أن تقوم تركيا بالفصل بين الجماعات الإرهابية وإنهاء وجودها في إدلب، وفتح الطرق الدولية حلب- دمشق 5M وطريق حلب- اللاذقية M4، إلا أن أنقرة تلكأت في ذلك ولم تفِ بأيّ بندٍ من هذه الاتفاقيات وهو ما حمل الجيش السوري على تنفيذها بنفسه، وفتح الطُرُق الدولية وإنهاء الوجود الإرهابي بشكلٍ كامل، فما كان من تركيا إلا أن دفعت بالآلاف من قوّاتها في إدلب وسلَّمت الإرهابيين صواريخ أميركية مُضادَّة للطيران وهو ما ثبت بإسقاطهم لمروحيات الجيش السوري، واعترف مُتزعِّم "جبهة النصرة" أبو محمّد الجولاني، بأن الدعم التركي مهم جداً في هذه المرحلة، فكيف تُعلن تركيا أنها تُحارب الإرهاب وتريد إنهاءه في إدلب؟! وفي المقابل يعترف الإرهابيون بدعم أنقرة لهم وبفضلها عليهم؟
إردوغان أعلن في بداية معركة الشمال أنه لن ينسحب من أية نقطة مراقبة حتى لو حاصرها الجيش السوري، لكنه انسحب الآن من جميع النقاط إلى ما بعد طريق M5. وأكّد أنه إنْ لم ينسحب الجيش السوري من المواقع التي حرَّرها في آخر شهرين، فسوف "يُجبره" هو على الانسحاب، وخلال هذه التصريحات كان مسؤولوه العسكريون والسياسيون يلتقون مع نظرائهم الروس، إلا أن تصريحات موسكو كانت عنيفة وأشبه بالتوبيخ لإردوغان، وهو أمر دفعه للبحث عن ورقة أخرى وهي الاستجداء بالولايات المتحدة وحلف الناتو في إدلب!
أميركا لديها ما يكفي من الأزمات في المنطقة لاسيما في شرق الفرات، وقد لا يجد إردوغان فيها آذاناً صاغية للتدخّل في إدلب، وقد تُعطيه واشنطن التصريحات فقط وهو ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يريد أن "يُربّي" إردوغان بعد أن خرج من بيت الطاعة وذهب إلى موسكو وبالتالي قد يجعله يُلاقي مصيره وحيداً في إدلب، أما الناتو والأوروبيون فلم يغفروا ولم ينسوا بعد تهديدات إردوغان لهم بفتح البحر للاجئين وبالتالي سيغرّروا به حتى يواصل غرقه في بحر إدلب، وحتى مالياً قد لا يتمّ دعمه خصوصاً وأن ألمانيا لم تدفع كامل حصّتها من المعونة إلى تركيا بخصوص اللاجئين على أرضها.
انهيارات الإرهابيين في حلب وقبلها في ريف إدلب صعَّبت الأمور على تركيا وأدركت أنه عليها إنهاء الأمور بنفسها، والجنود الذين زجَّت به في إدلب قد يتحوّلون نقمة على حكومة "العدالة والتنمية"، فإذا خسر إردوغان المعركة في إدلب وقتل الجنود فالرأي العام التركي والشارع لن يغفر له وسوف يُسقطه عند أول انتخابات وبالتالي يمكننا القول وقتها أنّ مدينة حلب قتلت سفَّاحها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً