المتغيير والثابت في حرب تشرين التحريرية
اربعة واربعون عاما مرت على حرب تشرين التحريرية، مدة كانت كفيلة بتغيير كل شيء في المنطقة وقلبها رأسا على عقب، ولكن بقيت الثوابت صامدة بالرغم من الرياح التي عصفت بكل شيء.
في قراءة سريعة لاسباب هذه الحرب نرى انها اندلعت اتت بعد حربين ذلوا فيها وهزموا شر هزيمة، الاولى في عام 1948 وهزمت فيها ست جيوش عربية، ولكن رفض العرب الاعتراف بالهزيمة واسموها نكبة، والحرب الثانية كانت في عام 1967 والتي اطلق عليها حرب الايام الستة، والتي قد تم فيها تدمير الجيش المصري بشكل كامل وهو في قواعده، وذهبت القدس والجولان وسيناء واجزاء من الاردن، وتوسع الاحتلال بشكل رهيب جدا واحتل مناطق لم يكن يحلم الوصول اليها، ولكن اذا شاهدنا الواقع العربي ما قبل عام الـ67 نرى انه كان هزيلا وخطابه السياسي لم يكن موحد ولم تكن هناك بوصلة حقيقية، وكانت الخلافات تضربه بالعمق وبالصميم، ونرى الدول العربية تتدخل بشؤون بعضها الداخلية، وتتآمر مع الغرب لاسقاط بعض الانظمة العربية وابرزها دور النظام السعودي الذي لعب دورا بارزا في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر اكثر من مرة، بالاضافة الى التحارب العربي – العربي على ارض عربية، مثل الحرب بين السعودية ومصر على ارض اليمن، ومحاولات احباط الوحدة المصرية السورية وغيرها من وقائع الاقتتال العربي العربي الامر الذي اضعف الجبهة الداخلية لهذه الدول وسهل مهمة الاحتلال في التقدم والاحتلال.
ما بعد عام 67 تغييرت عدة امور ومعطيات في الساحة العربية واصبح الاحتلال الاسرائيلي ليكون هو العدو الاول والاخير وعادت الجيوش العربية لتبنى على هذه القاعدة اي ان “اسرائيل” هي العدو الاول والاخير، وبدأت حرب الاستنزاف والتي ارهقت الاحتلال الاسرائيلي كثيرا.
غير ان خمسة اشهر كانت كفيلة لتغيير وجه العالم العربي للابد، فمنذ الـ28 من ايلول – سبتمبر من عام 1970 وحتى الـ22 من شباط – فبراير من عام 1971، حدث امران غيرا المنطقة بشكل كامل فيما بعد، الاول كان رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي احدث صدمة كبيرة في الوجدان العربي سواء اتفقنا مع سياساته او اختلفنا، والحدث الاخر هو يوم وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الى سدة الحكم، الذي حمل معه استراتيجية واحدة وصريحة وهي ان “اسرائيل” عدو وستبقى عدو ما دامت تحتل شبرا واحدا من اراضينا.
خلال عامين فقط اعاد الرئيس الاسد بناء الجيش السوري بشكل كامل، بصمت وكتمان، وهنا يحضرني ان اروي قصة حدثني اياها لواء سوري متقاعد حدثت معه، انه قبل الحرب كان طيران الاحتلال الاسرائيلي ينتهك السيادة السورية دائما وكانت الاوامر تأتي لهذا الضابط الصغير وقتها، ان يطلق رمايات تسمى خطاطة لن تؤثر على الطيران ابدا لان مداها قصير جدا، ولكن تقول للاسرائيلي رسالة واحدة اننا نشاهدك ونراك، وقال لي لم اكن اتوقع ان نمتلك مضادات طيران واسلحة حديثة قد تمنع “اسرائيل” من اختراق الاراضي السورية، ولكن ماحدث وشاهدته من اسلحة نمتلكها في حرب تشرين شكل صدمة لي ولزملائي الضباط قبل ان تصدم “اسرائيل” نفسها.
اثناء الحرب توحدت الجبهة العربية بشكل كبير ضد “اسرائيل” وعدو الامس من العرب بات صديق اليوم في هذه الحرب والكل تغنى بحرب العاشر من رمضان، والجميع شارك ولو بموقف او قرار سيادي وحتى عسكري، وخير مثال على ذلك العراق التي ارسلت قواتها لتدافع عن الاراضي السورية، وليبيا التي شاركت بالطيران الحربي وغيرها من الدول العربية.
لو شاهدنا احداث المنطقة الان لن تكون افضل حالا من عام 67 اي الوضع قبل حرب التحرير، وخصوصا على الصعيد العربي والانقسام الكبير والتدخلات العربية العربية والتطبيع وغيرها من الامور، وهنا نستطيع ان نراهن على الانكسار العربي الذي سيولد انفجارا رهيبا كما ولد ذلك اكثر من مرة عبر تاريخنا، ونستطيع ايضا ان نراهن على الجيش السوري الذي لايختلف اثنان على انه انهك في الحرب الارهابية المفروضة عليه، ولكنه لا يزال يخبأ الكثير والكثير، وهنا ايضا يحضرني نقل قول احد اهم الجنرالات السوريين، الذي اكد لي ان سوريا تمتلك خطط واسلحة ستفاجئ اسرائيل ان اقدمت على اي عمل متهور.
وما اخذ بالقوة لن يسترد الا بالقوة، ونراهن على الشارع العربي اولا واخيرا.