العراق في عين العاصفة
المعروف عن العراقيين على مر التاريخ احترامهم الشديد للمرجعية الدينية، وان التاريخ العراقي القديم والحديث سجل للعراقيين امتثالهم لفتاوى وارشادات ونصائح المرجعية الدينية، يفوق اي امتثال لقانون وضعي مهما كانت الجهة التي سنته، وهذه الثقة التي لا تشوبها شائبة بين العراقيين ومرجعيتهم الدينية على مدى التاريح ، لم تأت من فراع ، فهي نابعة من تجربة تاريخية ناصعة للمرجعية الدينية، التي حفظت العراق واخرجته سالما في احلك الظروف التاريخية واصعبها، وكانت ومازالت في خندق واحد مع الشعب.
هذا الدور الهام للمرجعية الدينية المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني، برز وبشكل واضح بعد سقوط صنم بغداد عام 2003، حيث رفض سماحته المخطط الامريكي للعراق، واصر على كتابة الدستور واجراء انتخابات، كما انقذ العراقيين عندما حاولت عصابات الزرقاوي اشعال حرب اهلية بتفجيرها مرقدي الامامين العسكريين عليهما السلام، واخيرا رد كيد الكائدين الى نحورهم عندما ارادت جهات اقليمية تقسيم العراق وشرذمة شعبه بدفعها "الدواعش" لغزو العراق والوصول الى ابواب بغداد، عبر فتوى الجهاد الكفائي التي خرج من رحمها الحشد الشعبي الذي اسقط دولة الخرافة والى الابد.
اليوم وفي ظل التظاهرات التي يشهدها الشارع العراقي منذ فترة، احتجاجا على الاوضاع الاقتصادية المتردية وعلى الفساد الذي يضرب بعض مفاصل الدولة العراقية، وهي مطالب مشروعة كانت المرجعية الدينية طالبت بها من قبل واصرت عليها وحذرت الحكومات العراقية المتعاقبة من مخاطر التهاون في تنفيذها، برزت بعض الاصوات التي تدعو الى تجاهل توجيهات المرجعية، بل حتى اساءت الى المرجعية، وهي ظاهرة غريبة عن المجتمع العراقي، وكشفت عن وجود اياد خفية تعبث بالمشهد العراقي لغايات تتناقض بالمرة مع مطالب العراقيين المشروعة.
ففي الوقت الذي دعت المرجعية الدينية المتظاهرين الى الالتزام بالطابع السلمي للتظاهرات، كما دعت القوى الامنية الى حماية المتظاهرين، وهي دعوة وجدت اذانا صاغية من قبل العراقيين متظاهرين وقوى امنية، لكن الذي حدث ان التظاهرات بدات بتوزيع الورود من قبل المتظاهرين على القوى الامنية، الا انها انتهت بشلال من الدماء، الامر الذي يؤكد ان هناك مندسين بين المتظاهرين قاموا بحرف التظاهرات خلافا لما دعت اليه المرجعية وخلافا لاخلاق العراقيين المعروفة بالتزامهم بارشادات مرجعيتهم، وهؤلاء بالتاكيد هم من ايتام النظام الصدامي ومن مرتزقة السفارات و"الدواعش" الذين يتقاسمون الحقد فيما بينهم ضد كل ما هو خير في العراق ولا يقيمون وزنا لا لدين ولا لاخلاق ولا لانسانية.
فهل يعقل ان يقوم الشباب العراقي المؤمن والوطني، الذي خرج من اجل اصلاح الوضع الموجود، خلال ساعات فقط بحرق مكاتب عدد من فصائل الحشد الشعبي في الناصرية، وحرق مكاتب كل من منظمة بدر في الشطرة، ومنظمة بدر وكتائب حزب الله في الناصرية، ومقران لعصائب اهل الحق، ومقر كتائب سيد الشهداء في الناصرية، فضلاً عن مقر حزب الدعوة في الشطرة، وحركة 15 شعبان في الناصرية ومكتب حركة العراق الإسلامية ، وحرق مبنى المحافظة ومجلس المحافظة في الناصرية، أما في الديوانية فقد أحرقت مقرات حركة عصائب أهل الحق، سرايا الخراساني، منظمة بدر، وكتائب سيد الشهداء.
اظهرت وقائع يوم الجمعة الدامي ان ايتام صدام ومرتزقة السفارات والدولار النفطي القذر و"الدواعش" ، يكنون حقدا دفينا على من حارب التحالف الصدامي الداعشي ، وافشل مخططه الاجرامي ضد العراق والعراقيين، ترى من هم المتظاهرون العراقيون الذين خرجوا للقمة العيش ان يرتكبوا تلك الجريمة البشعة ضد القيادي الشجاع في الحشد الشعبي وسام جاسم العلياوي وشقيقه ، الذي أصيب برأسه اصابة خطيرة بعد هجوم لمندسين بالرمانات اليدوية على مقر حركة عصائب اهل الحق في مدينة العمارة، وبعد نقله الى مستشفى في محافظة البصرة دخل عليه مسلحون وقتلوه مع شقيقه داخل المستشفى.
المعروف ان العلياوي كان يحمل شهادة بكالوريوس في الهندسة وكان يعمل مهندسا أقدم في وزارة النفط لكنه فضل الالتحاق بالحشد الشعبي اثر صدور فتوى الجهاد الكفائي عام 2014 ، وشغل موقع آمر فوج العمارة في الحشد الشعبي، وشارك في جميع العمليات ضد "داعش"، وكان له دور مميز في تحرير الكرمة وآمرلي والحضر، فضلاً عن كونه مسؤول المحور الغربي خلال معارك تحرير نينوى، ومسؤول أحد المحاور الرئيسة في معارك تحرير بيجي.
بات بحكم المؤكد لدى العراقيين ، ان من يستهدف الحشد الشعبي ومقراته ويقتل من ضحى من اجلهم، هم اناس ليسوا منهم ، انهم صداميون دواعش ومن مرتزقة السفارات ، فهذه جريدة "الاخبار" اللبنانية كشفت عن وثيقة امنية تبين ان السفارة الامريكية تعمل على تأجيج الشارع العراقي وفق آلية، تتولاها "اللجنة العليا للتظاهرات" ، تؤدي دور التنسيق والإدارة والتوجيه الميداني، و"فريق العمليات النفسية" يعمل على إرسال التهديدات الإعلامية لإحداث التأثير النفسي وكسر معنويات الطاقم الحكومي وأفراد الجهاز الأمني، و "فريق توثيق الانتهاكات" وهو فريق مؤثر جداً يعمل على رصد الانتهاكات وفبركتها وتضخيم الأخطاء الأمنية، و "مجموعة الضغط الدولي" ، تهتم بتنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام السفارات والقنصليات العراقية في دول العالم، و "فريق الإغاثة" وهو فريق طبي، يهتم بإخلاء المصابين ومعالجتهم، وتقديم الإسعافات الأولية، وتوجيه المتظاهرين حول كيفية تفادي تكتيكات قوة فض الشغب، ويكون انتشاره في موقع التظاهرات ، و"فريق الدعم اللوجستي" ويهتم بتوفير بعض المتطلبات الأساسية مثل الطعام والشراب والإسعافات الأولية تحت عنوان مواطنون داعمون".
من الواضح ان العراق في عين العاصفة ، وكما اعلن احد السياسيين العراقيين ، انه بات الان اوضح من الشمس ان استقرار العراق في دائرة الاستهداف الدولي الإقليمي، وان ما يجري في العراق هو هدف "اسرائيلي بامتياز"، وعلى كل الشرفاء في العراق ان يعوا بان حجم المؤامرة ابعد من مطالبهم الحقة.