قمم مكة الثلاث.. ما لها وما عليها
لا شك بأن التطورات الإقليمية المتسارعة قد فرضت إيقاعاً سياسياً تُحدد بموجبه معالم المشهد القادم في الشرق الأوسط، من سوريا إلى اليمن و العراق و لبنان وصولاً إلى إيران، كلها دول عانت و لا تزال من المؤامرات الأمريكية الخليجية، الرامية لشرذمة هذه الدول و تقسيمها، و بالتالي فإن أي تفاصيل هنا أو هناك تدخل مباشرة في إطار الشماعة التي ستُعلق عليها خيبات هذه الأمة و انكساراتها، و بالتالي ما معنى أن تستهدف مصافي النفط في السعودية من قبل الحوثيين، و ما معنى أن يتم استهداف ميناء الفجيرة في الإمارات، في ظل إجرام و إرهاب سعودي أماراتي و برعاية أمريكية في سوريا و اليمن و العراق و لبنان، و هل حُرم على هذه الدول أن تقاوم المخططات الأمريكية في المنطقة، و لماذا حين تُستهدف السعودية تقوم امم الأرض لنُصرتها،
في وقت يُقتل فيه يومياً مئات اليمينين، و بطائرات أمريكية و طيارين سعوديين و إماراتيين، هنا تبدو الإجابة واضحة، حيث أن واشنطن و أدواتها الإقليمية تبحث دائما عن مسوغ يسمح لها بالاعتداء على من تريد، و التهم جاهزة من قبيل التمدد و التدخل و التوسع، و إيران على رأس أعداء واشنطن، قاومت المخططات الأمريكية في المنطقة، و دعمت حركات المقاومة، لذلك وجب ادانتها أمريكياً سعودياً اماراتياً، من هنا تأتي قمم مكة الثلاث استكمالا لعمليات الضغط على إيران، من أجل حشد الدول العربية و لسلامية ضدها و تحت ذريعة التمدد الشيعي، إضافة إلى وضع صفقة القرن المزمعة في إطار سياسي يُراد منه حرف الأنظار عن مجريات الوقائع في اليمن الجريح و سوريا، و يضاف إلى ذلك تصفية القضية الفلسطينية.
بغض النظر عن وقع التطورات الإقليمية، فقد عقدت قمم مكة تحت شعار: قمة مكة: يداً بيد نحو المستقبل، و لعل المتابع يتبادر إلى ذهنه و بشكل مباشر، عن أي مستقبل يتحدثون في ظل انبطاح عربي و هيمنة امريكية على قرارات الأمتين العربية و الإسلامية، و ما حملته عناوين قمم مكة هو ترجمة فعلية للرغبات الأمريكية، حيث ايران و لعدوان على اليمن و صفقة القرن، هي مرتكزات هذه القمم ذات الطابع الأمريكي، لكن في المقابل فإن العرب سواء أكانوا مع إيران أو ضدها، باتوا على قناعة تامة أن هذه القمم لا فائدة منها، لأن الوجدان العربي لا زال معلقاً بفلسطين و قضيتها، كما أن أي مخرجات قمة عربية تُسوق شعارات حول التمسك بالقرارات الأممية و بأن القدس عاصمة فلسطين، لم تعد تنطلي على العرب، ما يعني أن أي قمة عربية أو إسلامية لا تحمل قرارات جريئة بإدانة اسرائيل و الارهاب الأمريكي و الوقوف صفاً واحداً في وجه الأخطار المحدقة بالأمة العربية و الإسلامية، لم تعد ذات أهمية، فالضمير العربي و إن صحى متأخراً، إلا أنه بات يدرك بأن إيران الدولة الإسلامية و رغم كل الحصار عليها، لا تزال تتخذ من فلسطين و القدس بوصلة للعمل السياسي و العسكري، و استمرار تقديم الدعم لحركات المقاومة، و عليه فإن قمم مكة الثلاث كما سابقاتها من القمم، بلا فائدة و لا قرارات جوهرية تُعيد الحق المسلوب إلى أصحابه و تحديدا في فلسطين و اليمن.
ما تسعى إليه واشنطن اليوم من خلال هذه القمم هو رفع الصوت السعودي ضد طهران عبر بوابة منظمة التعاون والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بغية إرهاب طهران، لكنّ الأخيرة التي لم تأبه في يوم من الأيام بالتهديدات الأمريكية، ولن تعير قرار قمّة مكة المرتقبة أي اهتمام، لاسيما أن السعودية اعتادت على مهاجمة طهران عبر بيانات الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، و لعل اختيار مدينة مكة ليس بالمصادفة، حيث تسعى السعودية و انطلاقا من الرمزية الإسلامية لهذه المدينة أن تحشد الرأي العام العربي و الإسلامي ضد إيران، و القول أن أطهر بقاع الأرض يُعتدى عليها من قبل إيران، و هذا ما تُريده واشنطن و اسرائيل، لكن الحيّل السعودية لم تعد مبررة، فالشارع العربي و الإسلامي و بغض النظر عن مواقفه من إيران، لكنه يُدرك بأن السعودية متورّطة بقتل الآلاف من اليمنيين وتشريد الملايين، وربّما غاب عنها أنها لم تراع حرمة الأشهر الحرم، وغاب عنها أنها تدفع من أموال المسلمين التي يحجون بها إلى مكة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشراء السلاح وإعادة استخدامه في قتل المسلمين أنفسهم.
في النتيجة، يمكننا القول بأن قمم مكة الثلاث هي قمم فارغة من أي محتوى سياسي، و لن يُبنى عليها أي مسار أو تطور في القادم من الأيام، و هذه القمم التي عُقدت في أطهر الأراضي الإسلامية تصبّ بشكل رئيس في مصلحة الإسرائيليين والأمريكيين، لكن لو أن قمم مكة حملت شعارات حقيقية لجهة التصدي لأمريكيا و مخططاتها، و بناء حلف اسلامي عربي مشترك مع ايران، و وقف العدوان على اليمن، و نصرة الشعب الفلسطيني، لكانت حقاً و فعلاً قمم يُبنى عليها لمشهد عظيم قد يؤسس لمستقبل مشرق لهذه الأمة التي عانت و لا تزال من إرهاب امريكي سعودي اماراتي.