منعطفات خطرة.. السعودية وتركيا
كثيرة هي المتغيرات التي افرزتها الحرب المفروضة على سوريا، فمن كان بالأمس القريب حليفا، بات اليوم منافسا بل و بات مهددا للمصالح الاستراتيجية، و هنا يمكننا ان نذكر الكثير من الامثلة التي تَرد في سياق المصالح و الاهداف و الاستراتيجيات، و تحديدا لجهة محور العدوان على سوريا، لكن اليوم و مع انتصارات الدولة السورية التي ساهمت في ضعضعة التحالفات، بات من الواضح ان الشرخ الحاصل يزداد اتساعا بين اعداء الدولة السورية، و هذه تركيا و السعودية يجسدان اليوم الواقع المذري لما وصل اليه من كان يريد اسقاط الدولة السورية، و ابعادها عن محورها المقاوم، فضلا عن اقصاء الدولة السورية من موقعها الاقليمي المؤثر.
تتوالى و تتسع بقعة الخلافات بين السعودية و تركيا، مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي اعلن بأن “أنقرة لن تلتزم الصمت بشأن الحصار الجائر الذي تفرضه السعودية على اليمن والذي تسبب بحدوث أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم حالياً”، وقال “أوغلو” في كلمته التي ألقاها أمام البرلمان التركي: “لا أعتقد بأن سياسات السعودية والإمارات وحصارهما للشعب اليمني أمر سليم وعلى حق وذلك لأن الكثير من اليمنيين يموتون بسبب الجوع والمرض، ولهذا فإننا لن نلتزم الصمت حيال ذلك”، صحيح أن ما صرح به أوغلو بات مطلبا دوليا، لكن ان يقوم مسؤول تركي بارز بالتصريح ضد السعودية و حربها على اليمن، فهذا يدل صراحة على أن هناك تصدعات كثيرة تشي بانفجار بين البلدين، و لاشك بأن زعامة العالم الاسلامي هدفا للرياض و انقرة، بالإضافة إلى تنظيم امور الحج الذي تنفرد به السعودية، كل هذا يؤكد صراحة، بأن الساحة الاقليمية لم تعد تحت تأثير آل سعود، بل ان هناك مضاربين و اصحاب مصالح يريدون اقصاء السعودية عن دورها التخريبي في المنطقة، لكن في المقابل، لا يخلو الدور التركي من سياسات مشابهة لممارسات آل سعود، فـ تركيا دعمت الارهاب في سوريا، و قامت بتسهيل مرورهم عبر أراضيها الى سوريا، فضلا عن دعم مباشر من المخابرات التركية لتنظيم داعش و جبهة النصرة، و بإشراف مباشر من أردوغان، و هنا لا شك بأن القاسم المشترك بين الرياض و انقرة هو دعم الجماعات التكفيرية الارهابية، لتنفيذ اجنداتهم في التوسع و السيطرة و فرض النفوذ، و لا ننسى بأن واشنطن قد اعطت بدورها الضوء الاخضر لإطلاق موجات الارهابيين من السعودية و تركيا لتدمير الدولة السورية، لكن اجنداتهم و سياساتهم ذهبت أدراج الرياح، فـ هاهي الدولة السورية تنفض غبار الحرب عنها، و تنتصر و تدمر الادوات الارهابية التركية و السعودية و الامريكية.
إن المتابع لمشهد الشرق الاوسط، يدرك بأن التوترات التي شهدتها العلاقات بين الرياض و انقرة ازدادت لا سيما بعد مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” داخل القنصلية السعودية في “اسطنبول”، و عليه كان التصريح اللافت لـ وزير الخارجية التركي الذي أكد بأن تركيا لن تلتزم الصمت بشأن الحصار الذي يفرضه السعوديون على الشعب اليمني، و بالربط بين قضية مقتل خاشقجي، ستقوم تركيا بفتح ملف المحاسبة لنظام آل سعود ضمن ملفي خاشقجي و حرب الابادة في اليمن، ويبدو أن فتح الجانب التركي لهاتين القضيتين في الوقت الذي زاد فيه اهتمام المجتمع الدولي بشأن الجرائم السعودية التي تقوم بها في اليمن، سوف يزيد من توتر العلاقات بين “أنقرة” و”الرياض” وأنها خلال الأيام والأسابيع القادمة سوف تبلغ ذروتها وسوف تتفاقم هذه التوترات بين هذين البلدين اللذين لديهما الكثير من الخلافات القديمة.
بين السعودية و تركيا تاريخ طويل من دعم الارهاب و نشره، فبينما تقوم السعودية بنشر الارهاب الوهابي، تقوم تركيا بإنشاء جيش كامل من الارهابيين، فضلا عن دعم تنظيمات ارهابية في سوريا، تركيا التي تدافع عن “الإسلام” المعتدل المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين الارهابية، في حين أن السعودية تروّج للأفكار المتشددة للإسلام، المسماة الوهابية التي هي الآن تعتبر المرادف الأمثل للإرهاب، و بذلك فإن تركيا و السعودية تتنافسان بدعم الارهاب، ما يشي بأن جملة التطورات التي افرزتها قضية مقتل الصحفي السعودي في تركيا، سيتم استثمارها تُركياً لسحب البساط من تحت أقدام السعودية وتعزيز موقفها ومكانتها في قيادة العالم السني، و بالتالي هذا الامر سيزيد من الخلافات و التناقضات بين انقرة و الرياض، و عليه قد نشهد في قادم الايام مواجهات عسكرية بين هذين البلدين، فالعلاقة بين الرياض و انقرة دخلت منعطفات خطرة، و ستؤدي بلا ريب إلى تصادم سياسي و ربما عسكري، و هذا ما ستكشفه الايام القادمة.