زيارة روحاني تقلب الموازين
ما أن حطت طائرة الرئيس الإيراني على أرض مطار بغداد الدولي ، حتى ثارت ثائرة البيت الأبيض ، وشوهد الدخان يخرج من قبته ، وبدأت التصريحات النارية ضد الحكومة العراقية ، والتي أتهمتها بمحاولة إقامة وتقوية العلاقات مع طهران في تحدي واضح للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الأخيرة،وبدأت طبول الحرب تقرع على فتح المجال أمام هذه الزيارة، وكأن العراق أحدى الولايات الأمريكية ، وأن على بغداد أن تعود إلى البيت الأبيض في أي اتفاق أو زيارة تقوم بها الدول الإقليمية ، وعدم إقامة أي علاقة مع أي دولة إلا بعد أخذ الموافقة من واشنطن، وهو شعور بالتبعية لحكم الولايات المتحدة الأمريكية ، وما على بغداد سوى القبول بهذه الأوامر وتنفيذ أي توجيه يأتي لها من الإدارة الأمريكية وبخلافه فإنها ستكون في دائرة الاتهام وتدخل من القائمة السوداء التي أعدها قادة الولايات المتحدة على مر حكمهم والتي تضم الدول التي تختلف مع واشنطن في الرؤى والتوجيهات،وما أن بدأت زيارة الرئيس الإيراني تأخذ صداها حتى توالت التصريحات الأمريكية المنددة بهذه الزيارة ، والتي اتصفت بالتهديد ، حيث أصدرت الخارجية الأمريكية تقريراً يعنى بحقوق الإنسان اتهمت فيه القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي بقتل المدنيين أبان عمليات تحرير المدن من سطوة عصابات داعش الإرهابية، والقيام بعمليات خطف وتهجير بحق المدنيين .
الولايات المتحدة دائماً ما تتهم طهران بمحاولتها السيطرة على دول المنطقة من خلال العراق،وجعله ممراً نحو الهيمنة على المنطقة عموماً،وجعله مبرراً شرعياً لأي تدخل أمريكي في المنطقة وإيقاف هذا الزحف،ويبقى العراق هو الممول الوحيد لطهران في دعم اقتصاده ودعم بناه التحتية في مؤسسات الدولة،والتي أضرها كثيراً الحصار الذي فرضته واشنطن وجعلته يسبح في تضخم عملته وعجزه عن التحكم في سوقه الاقتصادي،ولكن في الوقت أثبتت إيران قدرتها الفائقة على الوقوف بوجه التحديات وأهمها التهديدات الأمريكية،وقدرتها على إقامة أفضل العلاقات مع جيرانها،وما زيارة روحاني إلا أقوى دليل عل السياسة المهمة التي تمتلكها القيادة الإيرانية وقدرتها على التحكم بالملفات،وفي نفس الوقت تشير التقارير أن هناك تقارب في الموقف بين طهران والرياض، وربما ستثمر عن زيارات متبادلة يقوم بها الجانبان في فتح آفاق المباحثات، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العالقة بينهما .
الموقف العراقي كان موقفاً شجاعاً متمثلاً بالمرجعية الدينية العليا ، وتعاطيها العالي جداً مع الزيارة ، وخطابها الوحدوي ضد الهيمنة الأميركية ، إلى جانب الموقف الوطني الرسمي في الوقوف بوجه الخطابات والمطالب الأميركية التي تحاول النيل من سيادة العراق وشعبه ، وجعله تبعاً لها في سياساته ومخططاته الرامية إلى تقسيم المنطقة وزعزعة أمنها ، كما أن الحكومة العراقية وقفت أمام المطالب الأميركية بعين الاستقلال لا بعين التبع لها أو لأي قوة إقليمية أو دولية ، ويعلم الجميع أن العراق بمرجعيته الدينية ، وشعبه سيقف أمام أي مخطط يرمي إلى زعزعة استقراره ، وسيقف أمام المخططات الرامية إلى جعله ممراً لسياسة الهيمنة التي تنتهجا واشنطن ضد المنطقة عموماً.