داعش صناعة البيت الابيض
أصبح من المسلمات والمشهور في سلوكيات السياسة الامريكية انها لاتظهر مواقفها الحقيقية وخططها الاستراتيجية في التعامل مع بلدان العالم ، ولعل المخفي من هذه المواقف ما هو اعمق وأكبر من مجرد التدخل بشؤون هذه الدولة او تلك ، بل هو عبارة عن جيش متحرك يجوب العالم ، ويحقق الغايات والأهداف التي ترسها الدوائر المغلقة في البيت الابيض ، ولعل داعش احد هذه الادوات التي استطاعت من تغيير المعادلات في الشرق الاوسط ، ولكنها سقطت في مستنقع العراق وسوريا ، لتوقض امريكا من غفلتها ان الشعوب الحرة لايمكنها ان تخضع لأهواء او مزاجيات مراهقي السياسة ، وهواة رعاة البقر ( الكابوي ) .
الان ومع اقتراب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة القضاء نهائياً على داعش في آخر معاقلها في شرق الفرات بسوريا يأتي السؤال المهم :عن هوية العدو الجديد الذي ستطرحه واشنطن كلاعب في المنطقة ، كما يبدو ان الدوائر الغربية منشغلة تماماً بحفظ امن المنطقة وحماية مصالح الشعوب وحياتهم ، لهذا تسعى بشتى الطرق من تسخير كافة الامكانيات والترسانة العسكرية من أجل حماية الشعوب العربية والمسلمة ؟!!
الامر ليس بهذه الصورة التي يحاول الغرب تصويرها للحكام العرب ، والذين تعودوا على حياة النوم الهنيئة بوجود القواعد العسكرية يجنب كراسيهم ، بل ان الصورة الحقيقية تظهر من خلال السيطرة الكاملة على مقدرات الشعوب ، والتحكم بمصيرهم بذريعة حمايتهم كذباً وزوراً ، وأن ما تعطيه الولايات المتحدة بيدها اليمني تأخذه اليسرى ، لذلك فهناك عدة أطراف مرشحة لكي تكون قائمة العداء وأهمها إيران والتي بدأت واشنطن بتضييق الخناق عليها ، ومحاولة كسر التحالفات بينها وبين سوريا وحزب الله في لبنان ، الى جانب تقويض حركته في المنطقة ، وإعاقة أي نفوذ له هنا او هناك ، وأولها إلغاء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة ، الامر الذي يفضي الى فتح الباب على مصراعيه لعدة احتمالات اهمها المواجهة في الشرق الاوسط ، كما أن ترك داعش على الأرض في سوريا والعراق سيجعل التصادم مباشرا مع مقاتلي حزب الله اللبناني من جهة والحشد الشعبي في العراق من جهة أخرى لإنهاكهما وأشغالهما بهدف تأمين تموضع إسرائيل في المنطقة أكثر ورسم خطة تحفظ مصالح استراتيجية لأمريكا وحلفائها الغربيين في الشرق الأوسط ، ومن جانبه البيت الابيض يعلم جيداً مَن يُسهّل دخول المقاتلين إلى العراق وسوريا، ويعرف الذي يزوّد ساحات القتال بالسلاح، لكنه يغض الطرف ، كما ان وسائل أعلام مطلعة رصدت حالات تقديم السلاح والمال ليست بقليلة من قبل السلطات التركية لجماعات تكفيرية وداعش خاصة، نظرا لحدودها الواسعة مع العراق وسوريا .
التحالف الذي تقوده أمريكا ضد «داعش» كذبة سياسية كبيرة يعلمها القاصي والداني، والدول المشاركة تدرك هذا جيداً. لذلك، فإن داعش باقٍ ما بقي هذا التحالف الذي تقوده أمريكا التي تدّعي الحرب على الإرهاب وهي تمنعها، ولا شك في أن تحركات «داعش» في العراق لم تعد لغزاً. والحشد الشعبي الذي يضم مئات الآلاف من الشباب وأكثر من 42 من السرايا القتالية المهمة ، قادر على لجم داعش وسحقه، ولكن في العراق مَنْ لا يريد ذلك الآن، أو لم يؤذن له بعد وواشنطن تحاول اعادة تكرار تجربة «طالبان» التكفيرية في منطقة الشرق الأوسط، وتُطَبّق قاعدة ” نتركهم يتقاتلوا ونحن ننظر وبعدها نقرر” كما أن التنظيمات الإرهابية تبدَّل حالها اليوم. ومن المؤكد أنها صارت وسائل لتنفيذ مشاريع أمريكية وإسرائيلية في المنطقة .