العدوان الإسرائيلي على غزة.. أي مدد زمنية أُعطيت للاحتلال؟
الاشراق | متابعة.
تكاد الحرب التي يشنّها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، والتي تتميز برغبة جامحة في القتل والتدمير وحرق الأخضر واليابس في أرض القطاع المحاصر والمنكوب، تتشابه إلى حد بعيد مع ما حدث قبل 17 عاماً تقريباً في لبنان العزيز.
شنّ الاحتلال حينها عدواناً همجياً ودموياً استهدف في الأساس الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وصولاً إلى العديد من المناطق الأخرى في طول البلاد وعرضها، محاولاً استعادة هيبته التي داس عليها أبطال المقاومة الإسلامية اللبنانية في عملية "الوعد الصادق".
في تلك الحرب الفارقة والمؤثرة التي أرست معادلة ردع استراتيجية تركت تداعياتها على شكل المواجهة في المنطقة، حاولت الولايات المتحدة الأميركية تمديد مدة الحرب لأطول فترة ممكنة كي يتمكّن الكيان الصهيوني من تحقيق أهداف عمليته العدوانية، وفي المقدمة منها إطلاق سراح الجنديين المختطفين، وتدمير قدرات حزب الله العسكرية وبنيته التنظيمية، والوصول إلى مشارف نهر الليطاني بذريعة منعه من إطلاق الصواريخ.
لجأت أميركا في ذلك الوقت إلى تعطيل تصويت مجلس الأمن على قرار يدعو لوقف إطلاق النار مرات عديدة، وضغطت على الكثير من الدول الإقليمية والعالمية لكبح جماح اندفاعتها الساعية لعودة الهدوء من جديد، وقدّمت دعماً معنوياً وسياسياً وعسكرياً هائلاً لـ"دولة" الاحتلال، في محاولة مكشوفة لتمكين "إسرائيل" من إنجاز مهامها العملياتة وخططها القتالية التي لاقت صعوبات كبيرة وفشلاً مستمراً وإخفاقاً مدوّياً.
استمر التسويف الأميركي حتى اليوم الثالث والثلاثين من تلك الحرب القاسية والمدمرة، إلى أن أيقن حينها أنَّ العدو الصهيوني المدجج بكل أشكال القوة، والمحمي سياسياً وقانونياً بغطاء أقوى دولة في العالم، لن يستطيع تحقيق ما هو مطلوب منه، وأن ما لقيه من فشل خلال أيام الحرب الطويلة سيستمر ما دام مستمراً في عدوانه، بل ربما تذهب الأمور نحو الأسوأ في ظل ظهور إمكانيات نوعية لدى حزب الله، على غرار الصواريخ المضادة للسفن التي أصابت البارجة "ساعر 5" قبالة شواطئ مدينة بيروت.
في اليوم الرابع والثلاثين للحرب، تم إصدار القرار 1701 الذي شكل نهاية تلك الحرب الضروس التي تلقت فيها "إسرائيل" صفعات مؤلمة وضربات مذهلة أدت إلى استقالة وزير الأمن عمير بيرتس، ورئيس الأركان دان حالوتس، وانتهاء الحياة السياسية لرئيس الوزراء إيهود أولمرت بعد ذلك بسنتين.
كل ما جرى خلال عدوان تموز 2006 يكاد يتكرر بحذافيره خلال أيامنا هذه التي تشن فيها "إسرائيل" حرباً همجية ضد المواطنين الفلسطينيين العزل، مستخدمة في ذلك أسلحة محرمة دولية تهدم البيوت الآمنة على رؤوس ساكنيها، وتقطع أشلاء الأطفال والنساء وكبار السن حتى تختفي كل معالمهم.
في حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" ضد المدنيين الأبرياء من سكان القطاع المنكوب، تمارس أميركا الدور نفسه بالمنطق نفسه والأسلوب نفسه، بل ربما زادت حجم تدخّلها من خلال إرسال حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط وفتح مخازن أسلحتها الفتاكة أمام "الجيش" الإسرائيلي ليأخذ منها ما يشاء من دون أن يخشى الفاقة أو العجز.
وهنا، يمكن لنا في ظل هذه السردية أن نطرح سؤالاً من شقين يكاد كل المتابعين لهذا المسلسل الدموي يطرحونه، وينتظرون أن يجيبهم عنه أحد: متى توقف "إسرائيل" حربها المجنونة؟ وكم من الزمن تحتاج إلى ذلك؟
للإجابة عن الشق الأول من السؤال، يجب أن نعرف ما الذي تريده "إسرائيل" من وراء هذه الحرب، وما الأهداف التي تسعى لتحقيقها على المستويين العسكري والسياسي.
بالرجوع إلى التصريحات الإسرائيلية العديدة في هذا الشأن، نجد أن لدى "إسرائيل" مجموعة من الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وهي ذاهبة، كما يبدو، باتجاه استخدام كل ما تملك من وسائل عسكرية للوصول إلى ذلك.
يأتي القضاء على فصائل المقاومة في قطاع غزة وإسقاط حكم حركة حماس التي شكلت رأس حربة عملية "طوفان الأقصى" الكاسحة في مقدمة الأهداف الصهيونية، وذلك يشمل تدمير القدرات الصاروخية للفصائل، والقضاء على التهديد الذي تمثله الأنفاق، إضافة إلى قتل أو اعتقال كل من له علاقة بما جرى صبيحة يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي.
ثاني الأهداف هو الوصول إلى أماكن احتجاز الأسرى الإسرائيليين وإطلاق سراحهم، ومنع المقاومة من استخدامهم ورقة ضغط من أجل القيام بعملية تبادل أسرى يتم من خلالها تبييض السجون الإسرائيلية التي تحوي أكثر من 5 آلاف أسير فلسطيني.
ثالث الأهداف هو إخراج قطاع غزة من معادلة قوة الردع التي فرضها محور المقاومة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وتجريد المحور من إحدى أهم جبهاته المؤثرة والفعّالة.
هذه الأهداف على صعوبتها، وربما على استحالتها، تحتاج إلى امتلاك العدو مروحة واسعة من الخيارات التكتيكية والعملياتية وكميات هائلة من السلاح النوعي، إضافة إلى مدة زمنية طويلة تسمح بتنفيذ الخطط القتالية.
وبما أنَّ العدو لا يعاني أي عجز يُذكر في البندين الأول والثاني، فإنه بحاجة إلى توافر البند الثالث المتعلق بالمدة الزمنية الكافية لتنفيذ خططه وتحقيق أهدافه، وهنا مربط الفرس.
نتيجة وجود الكثير من العراقيل التي تعترض طريق مغامرته القتالية، من قبيل القوة التي تملكها فصائل المقاومة والحاضنة الشعبية التي تحظى بها، إضافة إلى تحالفها القوي والوثيق مع باقي أطراف محور المقاومة في المنطقة، فإنه بحاجة ماسة إلى فترة زمنية طويلة نسبياً، ولا سيما في حال رغب في الإقدام على خطوة التوغل البري في أرض القطاع، الأمر الذي يمكن أن يعقّد العملية أكثر فأكثر، وهو ما يجعل عامل الوقت مهماً وحيوياً وحاسماً.
وهنا يأتي الدور الأميركي الذي لا بد منه، والذي لا يستطيع أحد القيام به سواه، نظراً إلى الهيمنة التي يفرضها على باقي الفرقاء في العالم، سواء كانوا المتحالفين معه أو المعادين له. وفي اعتقادي، هذا الأمر بدأ العمل به منذ اليوم الثاني للحرب، من خلال جولة وزير الخارجية الأميركي اليهودي أنتوني بلينكن، كما وصف نفسه، على بعض العواصم العربية و"دولة" الكيان، في إشارة واضحة إلى رفع العم سام البطاقة الحمراء في وجه كل دول المنطقة وتحذيرها من مغبة التدخل فيما يجري في قطاع غزة أو حتى إبداء التعاطف مع الشعب الفلسطيني.
يضاف هذا إلى ما يمكن أن تقوم به البعثات الأميركية في المؤسسات الدولية، ولا سيما في مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستقوم دون أدنى شك باستخدام حق النقض الفيتو لإسقاط أي قرار يدعو الى وقف إطلاق النار ووقف العدوان.
وهنا، نحن بحاجة إلى الإجابة عن الشق الثاني من السؤال، المتعلق بالمدة الزمنية التي يحتاجها العدو لتحقيق أهدافه، بصرف النظر عن تمكنه في النهاية من النجاح في ذلك أم لا.
بحسب المعطيات القائمة بعد 11 يوماً من العدوان، وقياساً على حجم التطورات التي شهدها الميدان خلال هذه الفترة، والتي لم تشهد تحقيق العدو أي إنجاز يُذكر باستثناء قتل المدنيين وهدم البيوت وتخريب البنية التحتية، فيبدو أننا أمام عملية عسكرية طويلة المدى قد تتجاوز كل سابقاتها بمسافة كبيرة، إلا في حال وقع تطور دراماتيكي معين يقلب الأمور رأساً على عقب ويأخذ بزمام المبادرة في اتجاهات أخرى غير التي يريدها المحتل.
وحتى نكون أكثر وضوحاً، فنحن نعتقد أن هذه الحرب يمكن أن تستمر لمدة لا تقل عن 20 أو 30 يوماً كحد أدنى، ومن 30 إلى 50 يوماً كحد أعلى، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هذه المدد التي نتوقعها تحتمل الصواب أو الخطأ، نتيجة بعض المتغيرات المتوقعة أو التطورات المحتملة.
وبالتالي، تتلخص مهمة الجانب الأميركي في تأمين هذه الفترة الزمنية، وعدم تحويل عامل الوقت إلى أداة ضغط تحدّ من خيارات العدو وتقلّص مناوراته القتالية.
في الختام، بصرف النظر عن المدة الزمنية التي ستستغرقها هذه الحرب العدوانية التي تُشن على قطاع غزة، والتي ستترك دون أدنى شك ندوباً عميقة في الجسد الفلسطيني المُثقل بالجراح، والمُتعب من طول المسير، والمُحبط من تخلي معظم الحكومات العربية والإسلامية عنه، وبعيداً من الدور الأميركي في هذا الشأن، فإننا سنكون أمام انتصار فلسطيني مُبهر لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني – الصهيوني؛ انتصار سيضمّد الجراح الغائرة، ويبلسم القلوب المحرومة، ويعيد البسمة إلى شفاه الأطفال والأمهات، وينزع ما علق بها من ألم وحزن وهم وانكسار.
هذا الانتصار سيقول لكل العالم إن الشعب الفلسطيني تمكن من هزيمة الوحش بالضربة القاضية، واستطاع أن يسجل انتصاره بكثير من الحب والأمل، على الرغم من كثير من الحزن والألم.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة