أميركا تخذلُ زبائنها في أفغانستان!
الرئيس الأفغاني يشعر بالقلق هذه الأيام. في آخر تصريحاته، قال أشرف غني إن "الانسحاب الأميركي المفاجئ هو سبب التدهور الأمني الحاصل في البلد". ترجمة هذه التصريحات هي: أرجوكم لا تنسحبوا! ولكن هيهات، فأميركا حين تقرّر أمراً تمليه عليها مصالحها وحساباتها، فلن تأبه لعتب فلانٍ أو غضب علانٍ من أتباعها الصغار.
صحيحٌ أنَّ أشرف غني يحمل لقب "رئيس" لبلدٍ حليف، إلا أنه، في نظر أميركا، يبقى مجرد زبونٍ لها، أتت به ووضعته في هذا المنصب ليؤدي دوراً مرسوماً ومحدداً في خدمتها، فهو موظف فقط، وليس صانع سياسات، وعليه أن يلزم حدوده، فمن هو أشرف غني؟ وما علاقته بأميركا؟
القصة تعود إلى العام 2001. عندما قرَّر جورج بوش الابن غزو أفغانستان، لجأ إلى "ذخيرة" استراتيجية موجودة لدى أميركا وجاهزة للاستعمال الفوري: طبقة من الأفغان أصلاً، المتأمركين روحاً وقلباً، والعاملين في مؤسساتها البحثية والأكاديمية وأجهزتها البرلمانية والحكومية. هؤلاء الأفغان المتأمركون كانوا أكبر عونٍ في مشروع الاحتلال الأميركي لأفغانستان، منذ مرحلة التفكير والتخطيط، إلى مرحلة التنفيذ والهجوم، وصولاً إلى مرحلة النظام العميل ما بعد الاحتلال.
ومن أبرز وجوه تلك المجموعة كان أشرف غني الذي أصبح لاحقاً رئيساً لأفغانستان، وكذلك زلماي خليل زاد الذي ساهم بفعالية منقطعة النظير في مشروع غزو بلده الأم، والذي سيصبح حاكماً لأفغانستان بعد الاحتلال (تحت مُسمى سفير) ومسؤولاً عن الملف الأفغاني بالكامل.
وُلد أشرف غني في ولاية لوغر في العام 1949 لعائلةٍ باشتونية (الأغلبية في أفغانستان)، وأكمل تعليمه الثانوي في كابول، ومن ثم توجه إلى لبنان، حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وبقي فيها إلى العام 1973، حين حصل على البكالوريوس في علوم الإنسان (أنثروبولوجي). عاد بعدها إلى بلده لبضع سنين إلى العام 1977، حين حصل على منحة دراسية، فسافر إلى أميركا، والتحق بجامعة كولومبيا، وحصل منها في العام 1983 على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الثقافية.
عمل بعدها مدرساً في جامعة "جون هوبكنز" لغاية العام 1991. ويبدو أنه كان على علاقة وظيفية قديمة (غير معلنة) مع المخابرات الأميركية (CIA)، وأمارة ذلك هي قيامه في العام 1985 بقضاء سنة كاملة تحت غطاء "برنامج فولبرايت" الثقافي (المشبوه) لدراسة المدارس الإسلامية في باكستان ميدانياً.
التحق في العام 1991 بالبنك الدولي، وبقي فيه لغاية العام 2001، إلى أن عاد إلى بلده الأصلي أفغانستان في أعقاب الغزو الأميركي، بعد غيبة 24 عاماً. عيّنه صديقُ شبابهِ وزميله القديم في الجامعة الأميركية في بيروت زلماي خليل زاد (الذي أصبح الحاكم الفعلي لأفغانستان تحت مسمى السفير الأميركي) وزيراً في حكومة حامد قرضاي التي نُصّبت في أعقاب الاحتلال.
وبحكم كونه من عرقية البشتون، صار مرشّحاً طبيعياً لخلافة قرضاي في منصب الرئاسة. حصل ذلك في العام 2014، في أعقاب انتخابات كانت مهزلة بكلّ معنى الكلمة (أعلنت نتائجها الرسمية بعد أشهر من إجرائها، وعن طريق اتفاقية "تقاسم سلطة" بين أشرف غني ومنافسه الطاجيكي عبد الله عبد الله).
لا تكتمل صورة أشرف غني من دون الحديث عن نصفه الآخر: زوجته. أثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، تعرف إلى زميلته المسيحية المارونية رولا سعادة. لم يكن اختلاف الديانة بينهما عائقاً أمام إتمام مراسم الزواج. وسرعان ما انتقل الزوجان إلى أميركا، حيث حصلت رولا على درجة الدكتوراه في الإعلام من جامعة كولومبيا أيضاً.
تميّزت رولا بشخصيتها القوية المهيمنة، ورافقت زوجها في رحلته نحو الرئاسة في أفغانستان، وربما كانت القوة الدافعة له. احتفظت سعادة بهويتها المسيحية، ولم تتحوّل إلى الإسلام، رغم أنها صارت "السيدة الأولى" في بلد إسلامي محافظ (هذا اللقب جديد تماماً في أفغانستان).
أصبحت "رولا غني" تظهر إعلامياً، وبقوّة، في كابول، وتروّج لفكرة استقلالية المرأة، داعيةً الرجال الأفغان إلى "احترامها". هذا النشاط والتصريحات لم يروقا للكثيرين في البلاد، فاتهمها البعض بتبنّي أجندات غربية مشبوهة، وذهب آخرون إلى اتهامها بالتبشير المسيحي، وبأنها تسعى لتنصير المرأة الأفغانية.
وفي إشارة إلى أسلوبها ونمط حياتها الغربي، قال عطا محمد نور، حاكم إقليم بلخ الشمالي، إن طارق ومريم، أبناء غني، ليسا أفغانيين! هذه الانتقادات التي طالت رولا غني دفعتها إلى تخفيف نبرتها. وبعد أن كانت تدعو المرأة الأفغانية إلى "التحلي بالشجاعة لرفض واقعها"، صارت في تصريحاتها الأخيرة تقول إن "هدفها هو تحسين ظروف النساء، وليس تثوير المرأة ضد الهيكل الاجتماعي القائم".
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، التقى في الجامعة الأميركية في بيروت 4 طلاب، شابان أفغانيان بشتونيان، هما أشرف غني وزلماي خليل زاد، وشابتان، إحداهما مسيحية لبنانية هي رولا سعادة، والأخرى يهودية نمساوية اسمها شيريل بينارد. جمعت الأربعة صداقة قوية قامت على أساس الحلم بأميركا والولاء لها.
هاجر الشابان الأفغانيان وزوجتاهما معاً إلى أميركا. ومن هناك، بدأوا رحلة العودة إلى وطنهم الأم بعد عقود، لا ليخدموه ويعمروه، ولكن على ظهر دبابات الغزاة الذين اعتقدوا أن المستقبل لهم وبهم، ولكن اعتقادهم كان وهماً، وها هو أشرف غني يطلب الآن من صديقه القديم زلماي خليل زاد بأن يقنع الأسياد في واشنطن بأن يبقوا جيشهم في بلاد الأفغان.. بلا جدوى.
تبخّر الحلم الأميركي في أفغانستان يا أشرف ورولا، ولا عزاء لكما!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً