عن الضاحية الجنوبية لبيروت ومقتل لقمان سليم.. وحرية الفكر في لبنان.
يصدمنا ما تتعرض له الضاحية الجنوبية واهلها من حملة كراهية وعنصرية ومحاولة ازدراء لسكانها، ونعتهم بالجهل ووالظلامية والقتل، على خلفية مقتل الكاتب” لقمان سليم” ابن الضاحية واحد اكبر المعارضين لحزب الله، ولنهج المقاومة عموما في لبنان وغيرها.
واذ كان يبدو”لقمان سليم” مختلفا عن البيئة الحاضنة للمقاومة في مشروعه القائم على التعاون مع السفارة الامريكية “وهذا ليس اتهام انما واقع الحال” وهو ما دفع السفيرة الامريكية لحضور جنازته في قلب الضاحية ، وقبلها نعيه عبر فيديو في يوم مقتله، فان انصار السفارة الامريكية في لبنان واصحاب مشروع شيطنة حزب الله، تجاوزوا في تعاطفهم مع “لقمان سليم” الحزن الشخصي واستنكار الحادثة التي نجمع على ادانتها بوصفها جريمة، الى حالة من التوظيف السياسي لخدمة مشروعهم .
وهي ذات الحملة والماكينة التي انطلقت عقب انفجار مرافا بيروت بتحميل حزب الله من اللحظة الاولى المسؤولية واطلاق سيل من الاتهامات والتحريض تبين ان لا اساس لها لاحقا . ولا نستغرب هذه الحملات باعتبار اننا نتابع منذ اكثر من عام تركيزا مكثفا لمراكز الابحاث الامريكية على بيئة وجمهور المقاومة في لبنان . وضرورة فصله عن حزب الله ، وتحريضه لفك احتضانه للمقاومة وباشكال مختلفة .
لكن هذه المرة وعلى خلفية مقتل “سليم ” تناولت الحملة ، بيئة اجتماعية بكاملها وليس حزبا سياسيا او فكرا ايدولوجيا .
واذا كانت بيئة الضاحية لم تستجب لمشروع “لقمان سليم “، ولم تتجاوب مع طروحاته ، فان هذا لا يعني ان البيئة ترفض العصرنة والحداثة والتنوير بمفهوم مشروع من يعمل لديهم لقمان . انما لان مفهوم الحداثة والتنوير لدى اهل ونخب والضاحية يختلف عن المفاهيم الامريكية وقواعدها القائمة على التسليم لسطوة اسرائيل في منطقتنا ، وحفظ امنها ، وتحول المجتمعات العربية الى حملان في حظيرة الراعي الاسرائيلي الهمجي والقاتل والسارق للارض والمغتصب للحقوق.
اما عن حرية الفكر وحق ابداء الراي الحر ، فهو امريجب ان يكون مقدسا من واجبنا الدفاع عنه وتعميم ثقافته في مجتمعاتنا العربية . ولكن نتسائل باستغراب عن الصورة التي تسوق لحرية الفكر في لبنان وتجاه بيئة المقاومة والحاضنة الشعبية لفكر المقاومة عموما وليس حزب الله بالخصوص. لماذا تصوير كل من يوالي امريكا و الغرب عموما ويدعو للتطبيع مع اسرائيل انه حداثي وصاحب فكر حر وتنويري؟ ، وكل من له راي مخالف ويقف ضد السياسات الامريكية ويدافع عن قوى المقاومة انه متحجر ومنغلق وغير متحضر… الخ؟ … صورة نمطية تتجاهل نخب على مستوى رفيع من الثقافة والاسهام الفكري ليس في لبنان وحسب بل في كل انحاء العالم . صورة نمطية اريد لها ان تترسخ بجبروت الة الاعلام والتمويل ، وينخدع بها بكل اسف طيف من المثقفين العتق او الشباب الناشيء.
وفي مسالة حرية الفكر والراي الحر في لبنان نتسائل لماذا التيارات والشخصيات وبعض النخب الاعلامية التي تنادي به في وجه حزب الله او بيئة المقاومة غالبا ما تكون على تحالف و في علاقة مديح وعمل مع انظمة مشهود دوليا لها بمصادرة حرية الفكر والتعبير وسجن الناشطين.. كيف يمكن فهم هذه الازدواجية داخل الحياة السياسية والاعلامية في لبنان.
و في حرية الفكر… الدارج في لبنان تحميل الخطاب السياسي لنخب جمهور المقاومة وارائهم وتصريحات حزبية مسؤولية الازمة الاقتصادية في البلاد، ووقف بعض الدول المساعدات للبنان الا يعتبر الاصل في ان تكون البلاد بحالة اكتفاء ذاتي وان لا تساوم الاراء السياسية للافراد والكيانات بالمساعدات؟ الا يعتبر هذا مصادرة لحرية التعبير مقابل اتجاه وخطاب واحد ينافق اصحاب الاموال التي تمنح للبنان.
في مسالة حرية الفكر وشجاعة الموقف عادة وفي معيار الامم عبر تاريخها اسمى فكر حر هو الذي يقف امام القوى الغاشمة المتسلطة الظالمة ، وان يقوم افراد او تيارات من اي مكان ومهما كان انتماؤهم الايدلوجي بممارسة مواجهة فكر كالفكرة الصهوينة وفكر الهيمنية الامريكية المسيطر على العالم.. وصاحب القوة والنفوذ والتي تخضع له انظمة اقليمية كبيرة بامها وابيها فهذا قمة الدفاع عن الانسانية وقمة الفكر الحر الشجاع، خاصة ان اصحاب هذا الفكر يدفعون الثمن شلال دماء ، وضنك العيش . والاتهام الزائف بالارهاب . ” رحم الله شاعرنا الكبير نزار قباني و قصيدته الشهيرة “انا مع الارهاب”.
وعندما نتحدث عن الضاحية الجنوبية في بيروت.. فنحن نتحدث عن بقعة جغرافية صغيرة مثلت خيارات واحلام امة كبيرة ولا نتحدث عن هوية طائفية او انتماء مناطقي اوحزبي فللضاحية تاريخ اعمق و اوسع واشمل من هذه المفاهيم الضيقة. والا بماذا سنختلف عن ذاك المنطق واللغة التي تباع على بعض الشاشات اللبنانية والعربية باعتبرها فكرا حرا. وهي لغة تقطر تحريضا وطائفية وحقدا وكراهية وتمييزا ضد مجتمع باكمله بسبب خيارته السياسية والوطنية الموجهة اساسا ضد من احتل ارضه وهدم بيوته وسفك دمه في مجازر ادانها العالم كله، وما زال من خلف الحدود يهدد ويتوعد.
نتحدث عن الضاحية التي انحازت لمشروع عبد الناصر الوحودي النهضوي مطلع الخمسينات الضاحية التي احتضنت الثورة الفلسطينية وانخرطت فيها واتحدت معها من اجل حلم تحرير فلسطين والقدس في مطلع السبعينات، ولاحقا دافعت عنها وعن المشروع الوطني العربي في لبنان امام قوى الانعزال المتحالفة مع اسرائيل.
الضاحية التي ما بخلت بدم ابنائها لصد الاجتياح عن بيروت وما تبعه من انجاز طرد الاحتلال واسقاط مشاريعه . الضاحية التي احتضنت المقاومة الاسلامية التي حررت الجنوب الضاحية التي دمرتها الة الحقد والاجرام الاسرائيلي بيتا بيتا وحجرا وحجرا واحالتها الى ركام وعمرها ابناؤها اجمل مما كانت. وخلال السنوات العشر الماضية كانت الضاحية ضحية الارهاب والفكر الظلامي والتطرف الاعمي الذي ارسل لها السيارات المفخخة والانتحاريين التكفريين لتدفع فاتورة الدم من اشلاء ابنائها واطفالها.
ننحاز دوما لحرية الفكر والتعبير مهما اختلفنا، ونقف ضد العنصرية وخطاب الكراهية والطائفية المقيتة، واللغة المتعالية العفنة ضد مجتمعات بسبب خياراتها الحرة، كما نقف وسنبقى ضد مشاريع اخضاع مجتمعاتنا للهيمنة وشرعة القوة، ونعتبر فكر التحرر من الاحتلال ومقاومة غطرسته اسمى انواع شجاعة الفكر الحر، هذا ما دابت عليه الشعوب عبر تاريخها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً