رياح التغيير بين ضفّتي الخليج
منذ أن نشر رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الأسبق، حمد بن جاسم، سلسلة تغريدات في حسابه في منصة "تويتر"، دعا فيها دول الخليج إلى التحاور مع إيران قبل فوات الأوان، تزايد الحديث عن إمكانية التحاور، وربما تحقيق تحسن نسبي في العلاقات بين إيران والسعودية.
وبعدها بأيام، أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن عن استعداد قطري للتوسط في حوار بين الدول العربية في الخليج وإيران، وأيضاً بين الأخيرة وواشنطن.
وفي بواكير المواقف الأولية، تظاهر الطرفان السعودي والإيراني باللامبالاة، وأحياناً بالنفي، إلا أنَّ الرسائل والمعطيات الحالية تؤكّد أنهما وبقية الشركاء الإقليميين يدركون أن رياح التغيير قادمة بعد أن تستفيق الولايات المتحدة من غزوة الكابيتول.
طهران: المطلوب علاقة استراتيجية ودافئة مع العرب
حتى الآن، بدت ردود الأفعال الإيرانية مرحّبة بطروحات الحوار، وإن أرفقت مواقفها ببعض الشروط، إلا أنها حرصت على إظهار الاستعداد لتبديد المخاوف والوساوس، الواقعية منها والمفتعلة والمتصورة لدى القادة والمسؤولين السعوديين.
وفي تحوّل تشهده طهران، أظهرت التيارات السياسية الإيرانية الرئيسية، الإصلاحية والأصولية، إجماعها على تبني استراتيجية جديدة لتعزيز العلاقات مع دول الخليج، من دون التوقف عند الموقف السعودي، في حال أصرت الرياض على البقاء على التل.
وكان من اللافت أنَّ صحيفة "كيهان" التي تعبّر عن وجهة نظر التيار الأصولي نشرت مقالاً مطولاً دعت فيه إلى تبنّي استراتيجية علاقات إيجابية مع الدول العربية، ولا سيما الخليجية، بما فيها السعودية.
وورد في المقال "أن على الطاقم الدبلوماسي المقبل إقامة علاقة دافئة ومتعدّدة الأوجه مع الدول العربية، تنفي الشكوك لدى البعض بأن إيران تشكل تهديداً للدول العربية الشقيقة، وبالتالي فإن العلاقات بين الطرفين بحاجة إلى تغيير". كما أشار المقال المنشور في العمود الرئيسيّ للصحيفة إلى إمكانيّة أن تقوم إيران بدور الوساطة لمعالجة المخاوف حيال "الإخوان المسلمين" من قبل بعض الدول العربية الخليجية!
سعودياً، جاءت المواقف حذرةً من قبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان، وهي تنطوي على محاولة لاختبار وتفحّص جدية الموقف الإيراني، غير أنَّ الصورة في أروقة الدبلوماسية الإقليمية لا تبدو كذلك، إذ أكّدت مصادر دبلوماسية أنَّ الاتصالات الهادفة إلى الإعداد للحوار بين السعودية وإيران انطلقت قبل انعقاد قمة "العلا" الخليجية، وأن الجانب الكويتي هو الذي اضطلع بالمهمة، وأنه تلقّى إشارات إيجابية بهذا الشأن.
وكشفت المصادر أنَّ الدوحة والكويت نجحتا في لعبة تبادل الأدوار للدفع باتجاه الحوار، وذلك بعد حصولهما على إجماع من معظم الأطراف على ضرورته، لكن المصادر الدبلوماسية أكدت أن خلافاً يدور حول توقيت وموعد انطلاق الحوارات مع إيران، لأسباب تتعلق بانشغالات بعض الدول، وأيضاً لترقب مسارات السياسة الأميركية في عهد الرئيس بايدن.
وتحدثت المصادر عن انشغال الكويت بإكمال المصالحة بين قطر والرباعي العربي، كما أنَّ قطر ما تزال قلقة، لكونها لم تحصل من المصالحة إلا على فتح المعبر الحدودي. ولذلك، تقرر أن يعاود الثنائي الكويتي القطري طرح مبادرة الحوار المتعدّد المسارات بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/يونيو المقبل.
واقعيّة ومبررات الحوار الإيراني الخليجي والسعودي
إنَّ إيران الخارجة للتوّ من معركة صعبة مع إدارة ترامب انتهت بهزيمة الأخيرة، تشعر بنشوة الانتصار، وباتت ترفع صوتها عالياً بالقول إنّها هزمت الرئيس الأميركي السابع، وإنّ الرؤساء السبعة لطالما هدّدوا بإسقاط النظام الإسلامي وإعادة إيران إلى العصر الحجري.
يأتي هذا الشّعور بالنصر متزامناً مع نجاح المؤسّسة العسكرية الإيرانية في تطوير تكنولوجيا الصواريخ. وقد باتت تملك القدرة والحرفية في توجيه الصواريخ، وهو ما أثبتته المناورات الأخيرة، ليعلن أكثر من قائد عسكري إيراني عن "ولادة قوة جديدة في المنطقة".
ويعتقد الجانب الإيراني بأنه حقَّق الثبات لنظامه السياسي، ورسّخ وجوده كقوة إقليمية باعتراف الأعداء والأصدقاء، وبالتالي صار من حقّ الجمهورية الإسلامية أن تكون جزءاً من معادلة القوة، وينبغي إشراكها في أي ترتيبات لإيجاد مظلة إقليمية أمنية تؤمن الاستقرار في المنطقة.
أما الجانب السعودي، وبعد سنوات من الاتكاء على الترامبيّة، فقد استفاق اليوم ليجد نفسه بلا حليف بعد أن ناصب العداء للأشقاء والأصدقاء والجيران. ويسود اعتقاد بأنَّ إدارة البيت الأبيض الجديدة بصدد فتح ملفات حسّاسة في إطار ما بات يُعرف بنهج محاسبة السعودية، وذلك بعد رحيل ترامب، الذي صرح متفاخراً في أكثر من مناسبة بأنه الطرف الذي وفر الحماية لولي العهد محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
أيضاً، تترقّب الرياض أن تعاود إدارة بايدن طرح مبادرة جون كيري لإنهاء الصراع في اليمن، والتي أعلنها في نهاية آب/أغسطس 2016، ولكن لم يتوفر له الوقت لمتابعتها بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات. ووفق آراء أميركيّة وأمميّة، فإنّ أيّ مبادرة حقيقيّة لإنهاء الحرب في اليمن يتعيَّن تحقيق توافق ثنائي إيراني سعودي حولها، وذلك لتأمين مخرج لوليّ العهد محمد بن سلمان الَّذي أكلت الحرب على اليمن الكثير من رصيده.
وفي هذا الصّدد، توضح المصادر الدبلوماسيّة طبيعة التداخلات في الملفّات، وتؤكّد أن السعوديين لهم مصلحة في الحوار لتفكيك العقد الصعبة، وأن إيران أيضاً بحاجة إلى تبريد وتهدئة المسارات مع الضفة الثانية من الخليج، وذلك استعداداً لاستيعاب وامتصاص أي صدمة أو ضغوطات أميركية تُفرض عليها في الموضوع النووي، فضلاً عن احتمالات مضي الولايات المتحدة في مشروع الانسحاب من الشرق الأوسط، وهو ما يستدعي دوراً إيرانياً في إعداد ترتيبات وضع المنطقة الجديد.
وبناءً على هذه المصلحة المشتركة، فإنَّ الثنائي الإيراني السعودي، وأيضاً بقية الشركاء الإقليميين، لهم مصلحة في تطوير رسائل الدّعوة للحوار والتفاهم ونقلها إلى أرض الواقع. وفي حال توافقت طهران والرياض على ذلك، فهذا يعني أنهما توصّلتا إلى واقعية الحوار. ولا شكَّ في أنه ينطوي على مهارة في القدرة على القراءة المبكرة للتحولات المرتقبة، بغضّ النظر عن أسباب ودوافع كلٍّ من الرياض وطهران في إبداء الاستعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات، والكلام للمصادر الدبلوماسية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً