لبنان أمام مفترق طرق
في ظلّ التطورات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي كان الملف اللبناني يعيشها، شهد لبنان في 4 آب/أغسطس كارثة إنسانية تمثّلت في انفجار مرفأ العاصمة، وساهمت في تغيّر المشهد بأكمله، وغيَّرت مسار الأولويات.
أسباب الانفجار
يوجد سيناريوهان يحتمل أن يكونا سبباً للانفجار:
- الأول يكمن في أن يكون سبب الانفجار طبيعياً، نتيجة الإهمال والفساد، رغم أنَّ هذا الانفجار يتزامن مع تطوّرات حسّاسة تكمن في أنه سبق قرار الاتهام للمحكمة الدوليّة الخاصّة باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بأربعة أيام، وفي فترة توتر بين حزب الله و"إسرائيل"، نتيجة توعّد الحزب بالرد على مقتل أحد عناصره بعدوان إسرائيلي في دمشق في منتصف شهر تموز/يوليو الماضي، وتزامناً مع التداعيات الكارثية لفيروس كورونا، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، علماً أنَّ هناك إجماعاً على عدم وجود أيّ تفسير علميّ مقنع للانفجار الذاتي من دون تدخّل عنصر بشريّ أو خطأ بشريّ.
- الثاني أن يكون التفجير غير طبيعي. وهنا، سنكون أمام 3 احتمالات:
أن يكون نتيجة وجود عملاء في الداخل قاموا بوضع قنبلة أو ساهموا في تهيئة الأجواء لهذا الانفجار. ويجري استبعاد فرضية توجيه صاروخ إلى مخزن المستودعات، فرغم شدة الانفجار، سيتم العثور على بقاياه، وسترصده الرادارات، ويجري استبعاد إلقاء قنبلة، لأن واضعها سيتم التوصل إليه من خلال تحقيق دقيق، وسيتم الوصول إلى الجهة التي تقف وراءه.
هذا الأمر يقودنا إلى الاحتمال الثالث، والمتمثل في فرضية قيام طائرة من دون طيار بتوجيه ليزر أو ذبذبات لتفعيل المتفجّرات وانفجارها، فمنذ العام 2010، طور عدد من الدول، ومنها "إسرائيل" وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين، نوعاً من الليزر قادراً على رصد المتفجرات وإبطال مفعولها أو تفجيرها.
أسباب زيارة الرئيس الفرنسي لبيروت
هناك سبب داخلي فرنسي يتمثّل في الدرجة الأولى بأنَّ ماكرون يريد التمهيد للانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة في العام 2022، من خلال تخفيف وطأة تظاهرات أصحاب السترات الصفراء، وتخفيف الضغوط الناجمة عن كورونا، عبر مراعاة مصالح فرنسا الخارجية ورجال الأعمال، إذ إن فرنسا ورجال أعمالها ينظرون إلى لبنان على أنه امتداد حيوي لنفوذهم ومصالحهم في الشرق الأوسط، كما أن للبنانيين في فرنسا، وخصوصاً رجال الأعمال المجنّسين، وكذلك للمغتربين اللبنانيين في أفريقيا، وخصوصاً المستعمرات الفرنسية، دوراً في تحديد هُوية الرئيس.
وتكمن الأسباب الخارجية في حرص فرنسا على أداء دور خارجي ضمن مقاربة إعادة النفوذ الفرنسي الدولي، وعدم السماح لتركيا أو إيران في اكتساب الفرصة لتوسيع نفوذهما في لبنان، وخصوصاً في ظل التنافس والتوتر الفرنسي التركي في الشمال الشرقي من سوريا وليبيا والبحر المتوسط، ورغبة فرنسا في تشكيل حكومة لبنانية تكون مقرَّبة منها، وهو ما يفسّر مضمون الاتصال الهاتفي بين الرئيسين ماكرون وترامب، إذ ركّز الأول على أنَّ الحصار لن يضرّ حزب الله، ما سيتيح لإيران وتركيا توسيع نفوذهما في لبنان، وهو ما تشترك فيه الجهات والتقديرات الأمنية الإسرائيلية التي عبَّرت عن خشيتها من أن يؤدي الانفجار إلى توسيع النفوذ الإيراني. في المقابل، تخشى أميركا من أن يؤدي الانفجار إلى توسع النفوذين الصيني والإيراني.
مضمون زيارة ماكرون والمطالب
1. الدخول في حوار داخلي لبناني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإرجاء الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
2. إدخال إصلاحات اقتصادية، ولا سيما الإصلاحات النقدية والمالية.
3. إدارة الملف اللبناني في الخارج، وضمان الانفتاح على المحيط العربي والأوروبي.
ملاحظات خلال زيارة ماكرون
1. قبل الزيارة وأثناءها، تمت الدعوة إلى إجراء تحقيقات خارجية، وهو ما يعيدنا إلى تفجير العام 2005، وخصوصاً من قبل رئيس الحزب التقدم الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيسي حزبي القوات والكتائب، ومن ثم بيان تيار المستقبل، وهو ما يهدف إلى نزع الشرعية عن السلطة الحالية.
2. محاولة الحفاظ على إضعاف مؤسَّسات الدولة، وربط البعض في الداخل والخارج للمساعدات بالمشروطية السياسية.
3. الاستثمار السياسي الخارجي للتفجير، ولا سيما من قبل تركيا، التي تسعى من خلال زيارة نائب رئيسها للبنان إلى توسيع نفوذها في المتوسط، لتكون طرفاً قوياً في أيّ صفقة حول غاز المتوسط. لذلك، عرضت استعدادها لبناء المرفأ، وشهدنا التصعيد الواضح في الاحتجاجات التي حصلت يومي السبت والأحد، ومن المتوقع أن تتفاقم مع الذكرى الأسبوعية للانفجار.
وتشير التقديرات إلى أنَّ متظاهري طرابلس والمقربين من اللواء أشرف ريفي، إضافة إلى اللاجئين السوريين هناك، ومؤيدي بهاء الحريري، هم من قاموا بالتصعيد بالتزامن مع محاولة إحداث فراغ سياسي عبر استقالات في مجلسي الوزراء والنواب.
وما أثار الريبة هو السيطرة على بعض الوزارات، وخصوصاً وزارة الخارجية، والدعوة إلى التدخل الخارجي، وتحضير شعارات بشكل مسبق تم رفعها على مبنى الخارجية، ومنها "مقر الثورة" و"بيروت مدينة منزوعة السلاح"، ومحاولات الاستفزاز التي أقدم عليها البعض، وخصوصاً تجاه بيئة المقاومة، بتعليق مجسمات للأمين العام لحزب الله على منصّات الإعدام.
4. يبدو أنَّ فرنسا حاولت التهدئة مع حزب الله، وهو ما تمثل في لقاء ماكرون ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، ومقولة الأمين العام لحزب الله بأننا نرحّب بأي زيارة من شأنها تقديم المساعدة ولمّ الشمل، وهو ما يوحي بموافقة الحزب على حوار داخلي ترعاه فرنسا من دون المساس بملفّ السلاح.
5. يمكن وصف مؤتمر المانحين الذي عقد بجهود فرنسية ومباركة أميركية بأنه أقل من مؤتمر اقتصادي، لأنه لم يقدم سوى مساعدات متواضعة، وهو أقرب إلى مؤتمر سياسي يتضمن تدوير الزاوية التي من شأنها تخفيف حدة الصراعات المتفجرة، وهو ربما ما يمكن استنباطه من مشاركة الرئيس الأميركي بشكل شخصي فيه، وإشارة ماكرون إلى أن تفجير بيروت قد يكون مدخلاً لتهدئة المنطقة.
الاحتمالات والسيناريوهات القادمة
- نجاح فرنسا في خرق المشهد عبر التفاهم مع أميركا، وهو ما سيؤدي إلى إجماع أميركي فرنسي سعودي على دعم حكومة وحدة وطنية لن تمانع إيران حصولها، ولا حتى حزب الله، على أن تتولى هذه الحكومة التحضير لانتخابات برلمانية لن تكون مبكرة، ولكنها ستعيد النظر في قانون الانتخابات، وتجري إصلاحات اقتصادية من شأنها رفع الحصار الجزئي أو الكلي والانفتاح على الخليج، وخصوصاً أن فرنسا وأميركا قد تكونان بحاجة إلى ذلك، نتيجة ظروف داخلية وخارجية في آن معاً، وهو ما سيؤدي إلى إعفاء لبنان من قانون قيصر بشكل جزئي، وفتح الحدود مع سوريا، للاستفادة من معبر نصيب والمعابر مع العراق للتصدير والاستيراد، فضلاً عن موانئ طرطوس واللاذقية.
- انسداد الأفق نحو الحل السياسي، وغياب التوافق الدولي والإقليمي، واستثمار بعض القوى الداخلية والخارجية لذلك، وخصوصاً تركيا و"إسرائيل" وقطر، وهو ما سيؤدي إلى التهديد بالمواجهة الداخلية، وجر البلاد نحو حرب أهلية، وخصوصاً مع استمرار الاحتجاجات والاستقالات، الأمر الذي قد يؤدي إلى فراغ سياسي وفوضى أمنية.
- من المحتمل أن نشهد صراعاً وتنافساً صينياً فرنسياً تركياً في مسألة بناء المرفأ، لن تكون أميركا أو إيران طرفين مباشرين فيه، بل ستصطفّ أميركا خلف التوجه الفرنسي، وإيران خلف الصين، مع احتمال الدعم الروسي لتركيا.
- في السيناريو الثاني، قد تزداد احتمالات المواجهة بين الحزب و"إسرائيل".
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً