واشنطن والتصعيد القادم
سيطرت في الآونة الأخيرة تصريحات أميركية متصاعدة تجاه الساحة السورية مع تحركات عدوانية لافتة، قبل أيام قليلة من تقديم المبعوث الدولي، المستقيل، إلى سورية ستيفان دي ميستورا أفادته حول تشكيل اللجنة الدستورية في جلسة لمجلس الأمن .
ومن المرجح وفق كل المعطيات والتصريحات أن دي ميستورا سيبقى حتى اللحظة الأخيرة يتماهى مع سياسة واشنطن وما يسمى المجموعة المصغرة حول سورية بتحميل مسؤولية عرقلة تشكيل هذه اللجنة والمماطلة بها للمحور السوري ــ الروسي، رغم أن المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية وبعد انتهاء محادثات «أستانا11» أشار إلى أن الاتفاق على الثلث الثالث من قائمة ما يسمى المجتمع المحلي عرقلته تركيا .
يلاحظ في هذا الصعيد التماهي مابين المبعوث الدولي مع عراب السياسة الخارجية في سوريا ، جيمس جيفري، حول تحقيق الأهداف التالية:
1- احتواء مساري سوتشي وأستانا ثم تقويضهما عبر دك أسافين الخلاف بين أطرافها تمهيداً لاستهدافهما بشكل كامل قبل تولي المبعوث الدولي الجديد إلى سورية، غير بيدرسون، مهامه لفرض أمر واقع عليه بالتعاطي مع جنيف بعد إخفاق دي ميستورا من تشكيل اللجنة الدستورية وفق رؤيته من جانب، وفي الجانب الآخر القدرة التأثيرية الواسعة التي تمتلكها واشنطن على هذا الاستحقاق الدولي والتي تفتقر إليها في أستانا باعتبارها عضواً مراقباً لا تستطيع فرض إملاءات وأجندات ومسارات لعدم فاعلية المبعوث الدولي في هذا الاستحقاق وعدم حصر المعارضة بوفد هيئة التفاوض .
2- إعادة دور الأمم المتحدة لإدارة العملية السياسية وضمن هذا السياق من المؤكد أن دي ميستورا وممثلي المجموعة المصغرة حول سورية، ستقدم على تصعيد دبلوماسي كبير خلال جلسة مجلس الأمن القادمة لتحميل موسكو ودمشق المسؤولية الكاملة عن تأخر تشكيل اللجنة وستطالبهما بالعودة إلى محادثات جنيف .
3- الحفاظ على تهدئة إدلب قائمة كما هي إلى أجل غير مسمى بما يتيح لواشنطن ترتيب أوراقها في الشمال الشرقي وكسب الوقت لاحتواء تركيا واستعادتها ضمن ما بدأ يسمى اليوم التوصل لحلول بديلة أو وسيطة بين العملية العسكرية الواسعة والاكتفاء بالمراقبة على طاولة التفاوض التركية الأميركية. وهي حلول يرد بعضها على لسان أنقرة، وبعضها الآخر على لسان واشنطن، بحيث يمكنها تسكين الهواجس التركية ولو جزئياً، ومن الحلول الوسط: سيطرة القوات التركية على بعض المناطق والبلدات الحدودية، بما يؤمن الداخل التركي ويحميه من أي عمليات أو هجمات مفترضة، ولذلك ترد أسماء بعض البلدات تحديداً في خطابات أردوغان والقيادات التركية في مرحلة «ما بعد منبج»، مثل تل أبيض وعين العرب وغيرهما.
ومنها مثلاً إخراج «قوات سورية الديمقراطية – قسد» من بعض المدن والبلدات ذات الأغلبية العربية، وتأمين إدارتها وحمايتها عبر مجالس محلية منتخبة برعاية أميركية تركية، على غرار منبج مثلاً، حيث يردد الساسة الأتراك، وبعض المسؤولين الأميركيين أحياناً، أن تكرار «سيناريو منبج» في مناطق أخرى موضوع نصب أعينهم .
ومنها كذلك «تخفيف» أغلبية «وحدات الحماية» في «قسد» وسيطرتها عليها، من خلال رفدها بعناصر من غيرها، إما عربية وتركمانية كما حصل سابقاً، لكن هذه المرة بنسب أكبر، وإما بمكونات كوردية سورية أخرى غير محسوبة على حزب الاتحاد. ولعل في لقاء المبعوث الأميركي الخاص لسورية السفير جيمس جيفري، خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، مع المجلس الوطني الكردي، في غازي عنتاب التركية، رسالة ذات دلالة في هذا السياق .
فما حدث في حلب من إطلاق غازات سامة بعد وصول خبراء فرنسيين لتعديل هذه الأسلحة ثم العدوان الإسرائيلي في بداية الشهر الجاري والكثافة النارية التي استخدمتها قوات الاحتلال بهدف معرفة مواقع نشر صواريخ «إس 300» كمرحلة متقدمة لاستهدافها، وما تلا ذلك من عدوان أميركي على قوات للجيش العربي السوري في أقل من 32 ساعة بمنطقة قريبة من السخنة في قلب البادية السورية، يشير إلى مزاوجة الأميركي مابين التصعيد العسكري والتهديدات التي أطلقها عراب السياسة الأميركية في سورية، جيمس جيفري، عقب اجتماع الدول المصغرة في واشنطن، باللجوء نحو خيارات عسكرية متعددة بما فيها النموذج الذي طبق في العراق، وزيارته للأردن وتركيا تأتي ترجمة لهذا السياق .
هذا يضعنا بين جملة تساؤلات، لعل أهمها: ما الإستراتيجية التي قصدها جيفري في تصعيده؟ هل هي إستراتيجية جورج بوش الابن المتمثلة بإنشاء تحالف عسكري على غرار الغزو العراقي عام 2003؟ أم إستراتيجية بوش الأب «عاصفة الصحراء»؟ أم إنها مجرد بالونات إعلامية لاستعراض العضلات واستعادة استقطاب الحلفاء والضغط السياسي على خصوم واشنطن؟ .
انطلاقا من المنطق الذي تفرضه الواقعية السياسية فإن واشنطن باتت في هذه المرحلة عاجزة عن القيام بأعمال عدوانية لتحقيق سياساتها الخارجية وبخاصة في سورية، نتيجة اعتبارات متعددة أهمها: امتلاك الجيش السوري لقدرات ردعية مؤثرة وثبات حلفائها بالوقوف معها وتغير موازين القوى في النظام العالمي بعودة الفاعل الروسي للعب دور بالأزمات الدولية والخشية من انتشار الفوضى داخل الدول الأوروبية بعد اتساع رقعة جغرافية الاحتجاجات، ولكن، وهنا اعتقد يجب وضع ألف خط أحمر على هذه الاعتراضية، في ظل ضيق خيارات واشنطن وطبيعة صراع الدائر بين إدارة ترامب ومؤسسات الدولة العميقة وسباق كل منهما لإخضاع الآخر وتأثير تل أبيب على تحديد معالم السياسة الخارجية الأميركية وتأزم الوضع الداخلي الإسرائيلي، قد يدفع الأميركي لتوسيع دائرة عدوانه على سورية، فهي بطبيعة الحال تستهدف البنى التحتية وتقتل الأبرياء وترتكب جرائم حرب بكل أشكالها تطبيقاً لإستراتيجية بوش الأب .
بناء على ذلك فإن مؤشرات العدوان قائمة واقتراب موعد الإحاطة الـ«دي ميستورية» في مجلس الأمن والتي من المؤكد أنها ستتحول إلى جولة كباش سياسية جديدة وربما تصل لمرحلة استعصاء دبلوماسية قد تمهد مجدداً لارتفاع وتيرة وسخونة الجبهات للعودة إلى طاولة المباحثات تحت ضغط حاجة الضرورة والاشتباك، وسورية كما مثلت نموذجاً فريداً في طبيعة الصراع الدولي قد تمثل نموذجاً فريداً في إيجاد الحلول بما في ذلك الحاجة للجوء إلى القوة لدفع العملية السياسية، فالحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى .
A.K