مآزق "إسرائيل"
لا يبدو أنَّ السّلوك العدواني الإسرائيلي في استهداف سوريا، من خلال العمليات العدوانية دون الحربية، وضمن تكتيك استهداف للجغرافيا السورية وللنقاط العسكرية السورية والمشتركة لقوات محور المقاومة، غير مقصود - كما تتذرّع "إسرائيل" - ولا سيَّما أنَّ تهديدات مسؤوليها، كرئيس الحكومة ووزير دفاعها، باستهداف تواجد القوات المقاومة، ورد في أكثر من مناسبة وزمان ومكان.
نتنياهو يؤزّم وضعه
لعلَّ العنوان الذي تصدَّر صحيفة "المونيتور" منذ أيام بأن "نتنياهو يقف وحيداً"، يمثل الوضع الحقيقي والمتأزم لرئيس الحكومة الإسرائيلي، فالعدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا في 20 تموز/يوليو، لم يختلف عما سبقه من مبررات وذرائع، ولكن هناك دوافع مثَّلت تحدياً لرئيس الحكومة الإسرائيلية للإقدام على هذا العدوان في الوقت الحالي، وهي تتمثّل بشقّين:
-الأوّل داخلي، في ظل تنامي حجم التظاهرات والاحتجاجات من قبل المستوطنين الإسرائيليين المطالبين باستقالة نتنياهو، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن تداعيات وباء كورونا الذي تفشّى بشكل مرعب، وتحميل نتنياهو مسؤولية ما آلت إليه الأمور، فضلاً عن أنَّ نتنياهو أُجبر تحت الضغط الأميركي على تجميد قرار إعلان ضم الضفة الغربية، رغم أنَّ الخطوات الواقعية والميدانية تعكس حقيقة هذا التجميد.
-أما من الناحية الإقليميَّة، فيبدو أنَّ نتنياهو أراد اختبار المنظومات الدفاعية السورية بعد توقيع الاتفاق العسكري المشترك بين إيران وسوريا، ومعرفة هل تم تطبيق بنوده، وبصورة خاصة تفعيل المنظومات الدفاعية الحديثة "خرداد"؟ وهل تم وضع ما تم الاتفاق عليه حيز التنفيذ ميدانياً؟
ما لم يتوقّعه نتنياهو قد يحصل فعلاً، فرغبته في تصدير أزماته الداخلية نحو الخارج قد تعود عليه بالضرر، وقد تزيد من تأزم وضعه الحكومي، ففي ظل استمرار خلافه مع شريكه الحكومي بيني غانتس، وعدم رغبة واشنطن في الدخول في حرب عسكرية مع إيران قبل الانتخابات، وعدم تحقيق نتائج ملموسة من الهجمات السيبرانية الأخيرة في الداخل الإيراني، ها هو اليوم يواجه خطر الرد من قبل المقاومة اللبنانية التي كرست معادلة الرد والانتقام لأيّ عنصر يرتقي في صفوفها نتيجة العبث الإسرائيلي.... و"أفيفيم" ما زالت ذكراها القريبة حاضرة، وقد يشكّل الردّ مزيداً من تأزم الوضع لنتنياهو، إن لم يشكل فرصة للحزب بأن يوسّع رده لكسر الحصار المفروض عليه.
قلق إسرائيليّ
بطبيعة الحال، المتابع والمراقب للداخل الإسرائيلي، وطلب رئيس الحكومة نتنياهو من وزرائه عدم الحديث عن العدوان الأخير على سوريا مع بداية الأسبوع في منتصف شهر تموز/يوليو، رغم تصريحاته التي تؤكد مسؤولية جيش كيانه وزيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية الخاطفة لتل أبيب، وقيام الأمم المتحدة بإبلاغ حزب الله برسالة إسرائيلية تتعلَّق باستشهاد علي كامل محسن، وعدم تقصّدها استهدافه، والاستنفار الأمني والعسكري لجيش الاحتلال في الشمال من الأراضي الفلسطينية، وإغلاق المجال الجوي لإيقاف مناورات تدريبية، جميعها مؤشرات توحي بحالة القلق هذه، إن لم نقل حالة الخشية من الرد وتأثيراته.
وأبرز حالات القلق تظهر في النقاط التالية:
1-صحيح أنَّ المقاومة لم تصدر سوى بيان تزفّ به شهيدها الذي سقط في سوريا، ولكن هذا البيان كان بمثابة رسالة ضمنية للجانب الإسرائيلي بتمسّك المقاومة بقواعد الاشتباك التي حدّدتها منذ "أفيفيم"، ولا حاجة لبيان يؤكّد تثبيت هذه القاعدة، فعدم الرد سيمنح "إسرائيل" الجرأة للقيام بالمزيد من عمليات عدوانية.
2-حالة التخبط وتراجع القدرات الأمنية والاستخباراتية للأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في معرفة أي جبهة سيكون منها الرد وشكله، هل هو بري أو صاروخي أو جوي؟ وهل سيكون هذا الرد من لبنان أو الجولان أو في العراق؟ وهل سيكون حزب الله هو الطرف الوحيد في الرد أو أن المحور سيكون كله مشاركاً؟
هذه الأسئلة وغيرها أظهرت حالة تراجع الإمكانيات والقدرات الاستخباراتية الإسرائيلية بشكل واضح.
3-رغم أنَّ حكومة الاحتلال الإسرائيلية لم تطلب من مستوطني الشمال اتخاذ إجراءات الوقاية والحذر واللجوء إلى الملاجئ، فإنّ حالة الامتعاض من قبل المستوطنين في حالة اتساع، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن كورونا، وبالتالي الطلب منهم اتخاذ خطوات الحذر، يعني زيادة النقمة على حكومة الاحتلال التي فشلت في الآونة الأخيرة، وباعتراف مراكز دراسات إسرائيلية، بتقوية الجبهة الداخلية، إذ تشير آخر الاستطلاعات إلى أن 65% من المستوطنين يعتقدون أن جبهتهم غير جاهزة للتصدي.
4-يبدو أن المقاومة لم تتعجل بالرد في ظل ما يصيب الداخل الإسرائيلي من حالة القلق، فالحرب النفسية تأتي بنتائج لا يقل تأثيرها عن العمل العسكري في بعض الأحيان.
5-مسارعة الإعلام العبري إلى نشر خبر وصول حاملة الطائرات النوويةUSS Dwight D. Eisenhower و12 سفينة حربية أخرى إلى البحر الأبيض المتوسط، تأتي لرفع الحالة المعنوية، وتوظيف ذلك لردع المقاومة عن الرد، وخصوصاً أن نبأ وصولها جاء بعد زيارة خاطفة وغير معلنة لرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مارك ميلي إلى تل أبيب... علماً أنَّ حاملة الطائرات والسفن المراقبة دخلت المتوسط لإجراء تدريبات مشتركة مع القوات البحرية اليونانية، من دون أن نهمل احتمال قيامها بجمع المعلومات الاستخباراتية عن المنطقة واستعراض العضلات، للحفاظ على مصالح واشنطن في المنطقة، في ظل الصراع المتنامي بين دول الناتو على توسيع النفوذ والسيطرة على استخراج الغاز.
الإجماع الإسرائيليّ على الحرب والاختلاف حولها
من خلال الوقوف عند التصريحات الإسرائيلية خلال الفترة الماضية، يمكن التأكيد أنّ هناك إجماعاً من قبل النخب والقيادات الأمنية والسياسية والعسكرية على التمسك بمحدد الحروب والاعتداءات المستمرة، ولكن ضمن سياق أو مسارين، فهناك توجهان أو تياران في الداخل الإسرائيلي؛ الأول يترأسه نتنياهو، ونستطيع أن نطلق على أفراده مسمى أصحاب "الرؤوس الحامية"، الذين يبحثون عن حرب في المنطقة تكون أميركا طرفاً فيها. لذلك، يلجأون نحو عمليات استفزازية أو عدوانية غير حربية، ويحاولون في الوقت ذاته من خلال هذه السلوكيات تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج، ويعتقدون أن دخول أميركا بهذا التوقيت في حرب، سيخدم عودة ترامب رئيساً لولاية ثانية.
أما التيار الثاني، الَّذي تمثّله القيادات العسكرية والأمنية السابقة، بمن فيها وزير الأمن الحالي بيني غانتس، وكذلك مراكز الدراسات الإسرائيلية والخبراء السياسيون والدبلوماسيون، فإنَّه يحذّر من مغبة أي مواجهة مع محور المقاومة من دون الاستعداد لها بشكل جيد، لأنَّ الكارثة الكبرى ستتحمّلها "إسرائيل"، ولو كانت أميركا طرفاً مباشراً فيها، ولن يستطيع الداخل الإسرائيلي تحمل عواقب سقوط أكثر من 300 ألف صاروخ يومياً، فضلاً عن الحرب السيبرانية التي قد تشن عليه وتعطل كل مرافق الحياة، فهذه الحرب، إن لم تكن واشنطن وتل أبيب مستعدتين لها، وفق رؤية هذا التيار، فإنَّ الأولى ستضطر إلى الإسراع في إخراج قواتها على حساب توسع النفوذ الروسي الذي سيقيم جسراً جوياً بين موسكو ودمشق، وسيحدّ من الدور الإسرائيلي في المنطقة ويحجم من تأثيره.
حتى اللحظة، يمثل صمت حزب الله عامل قلق لـ"إسرائيل"، ويمثّل في الوقت نفسه جزءاً من الحرب النفسية، أثبت الحزب قدرته على إدارتها منذ تموز/يوليو 2016، ولكن يجب التوقف عند طبيعة الرد والسيناريوهات المتوقعة أيضاً.
وضمن هذا المسار، هناك عدة احتمالات:
-أن تتخلّل هذه المرحلة محاولة إغراءات أميركية برفع جزء من العقوبات عن الحزب، لعدم القيام برد.
-أن يقوم الحزب بالرد، وأن تبتلع "إسرائيل" عملية الانتقام.
-أن يكون هناك رد ورد مضاد، ما قد يدحرج المنطقة نحو حرب إقليمية.
المرجح أنَّ السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً، مع تعزيزه أن يكون الرد حاسماً ورادعاً وحازماً، وأن يظهر قدرات المقاومة، سواء من حيث الهدف أو التوقيت أو نوعية السلاح.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً