تاريخ الأسلحة البيولوجية.. تعالوا ندقّق بما يحصل
من المعروف أنّ السلاح البيولوجي هو أحد أهمّ الأسلحة تاريخياً وأقذرها، إذ إنّه يعتمد على نشر الأمراض الفتّاكة والمُعدية في صفوف القوات المعادية، للمساعدة في حسم الحروب العسكريّة بأسرع وقتٍ، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح الآلاف من الأبرياء.
هذا السلاح ليس وليد العصر الحديث، فقد تمّ استخدامه منذ العام 400 قبل الميلاد، عندما كان الرماة السكوثيون يغمسون سهامهم في الجثث العفنة قبل إطلاقها على الأعداء.
أمّا في العصر الحديث، فقد استَخدمت عدة دول، كألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأميركية، طيفاً واسعاً من الجراثيم والفيروسات كسلاحٍ بيولوجي.
ربّما نكون بعيدين عن الواقعيّة لو نظرنا إلى كورونا على أنّه وباءٌ طبيعيٌّ نشأ وانتشر بعيداً من المُسبّب البشري. وهنا لن نستطيع أن نجزم من هو صانع هذا الفيروس، في ظِلّ تبادل الاتهامات التي تكاد تكون محصورةً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، التي رجّحت أن جنوداً أميركيين قاموا بنشر الفيروس في مقاطعة ووهان، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية، في ردٍ على التصريحات الأميركية التي اتّهمت الصين بتعمّد نشر الفيروس.
ولو وضعنا تاريخ الدولتين ومصلحتهما كمعيارين رئيسيين، سنجد في المعيار الأول، أنّ تاريخ الصين مع الأسلحة البيولوجية يُبعدها عن هذا الاتهام، بينما نجد أنّ التاريخ الأميركي حافلٌ باستخدام كلّ أسلحة الإبادة البشريّة، منذ جرائم القتل ضدّ الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر)، والتي ترافقت مع نشر الكثير من الأوبئة، كالطاعون والدفتيريا والجدري، ومن ثم استخدامها القنابل النوويّة التي أسقطتها على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في العام 1945، إلى الحرب الكورية عندما لجأت إلى حقن الحيوانات الصغيرة بالفيروسات والجراثيم المُعدية، مثل الكوليرا والطاعون، وصولاً إلى استخدام اليورانيوم المُخصّب في حربها على العراق في العام 2003.
هذه الأحداث التاريخية تنعكس على الحاضر في طريقة التعاطي التي تنتهجها كلٌّ من الدولتين في وجه الوباء المستجد، فالولايات المتحدة الأميركية لم تتراجع، ولو بشكلٍ مؤقتٍ، عن العقوبات التي كانت قد فرضتها على بعض الدول التي يجتاحها فيروس كورونا، الأمر الذي تسبّب بإضعاف قدرة تلك الدول على التصدي له، كذلك سعيها لشراء اللقاح الذي توصّلت إليه شركة "cur vac" الألمانيّة، والذي ربّما يكون العقار الأول لمعالجة هذا الوباء، ليس من أجل احتكاره لمصلحةٍ ماديةٍ فحسب، بل لتتحكّم بمصير دول العالم، فتُعطي اللقاح لمن تشاء وتمنعه عمّن تشاء، بخلاف الصين التي أبدت استعدادها لمساعدة كل الدول التي اجتاحها الوباء، من خلال تقديم خبرات وأجهزةٍ ومواد طبيةٍ.
هذا الاختلاف في سلوك الدولتين قد يكون عاملاً مهماً للتأثير في اتجاه بوصلة التحالفات، وخصوصاً الأوروبيّة، بدليل موقف الرئيس الصربي، الذي أبدى تودّداً كبيراً نحو الصين، بينما انتقد سلوك التحالف الأوروبي، ووصفه بأنه "قصّةٌ خرافيةٌ على الورق". كذلك جاء تصريح أحد المسؤولين الإيطاليين الذي قال إن علاقة إيطاليا والصين بعد فيروس كورونا لن تكون كما قبله.
أما المعيار الثاني، فهو تحديد صاحب المصلحة بمثل هذه الحروب. وهنا، نلاحظ أن الصين تسير بشكلٍ مدروسٍ ومُنضبطٍ لتكون القوّة الاقتصاديّة الأولى عالمياً مع بداية العقد القادم، فيما يبدو الاقتصاد الأميركي متأرجحاً ومأزوماً. ولا بد من أن نأخذ بالاعتبار أن الولايات المتحدة مَدينةٌ للصين بـ1,2 تريليون دولار، إضافة إلى الاستثمارات الصينية الضخّمة في العقارات الأميركية.
هذان الجانبان سيؤديان إلى إضعاف الاقتصاد الأميركي لو تمّ استخدامهما. ولذلك، نرى أن أولى الأولويات الأميركية محاربة الصين اقتصادياً، لعرقلة مسيرتها التي قد توصلها إلى زعامة العالم، كما أن إضعاف الصين هو إضعافٌ لكلّ دول المحور المناوئ للهيمنة الأميركية.
وبطبيعة الحال، تأتي كلٌّ من روسيا وإيران في المقدمة، مع الأخذ بعين الاعتبار امتعاض أميركا من وقوف الصين القوي والمُتكرر في مجلس الأمن الدولي ضدّ السياسات والمشاريع الأميركية.
ولو لم تُحسن الصين التصدي لهذا الوباء لكانت النتائج كارثيّةً عليها أولاً، وعلى معظم دول العالم ثانياً. وهنا قد يقول قائلٌ إن الولايات المتحدة تُعاني أيضاً من هذا الفيروس. هذا صحيح، لأنّ الحروب البيولوجيّة تختلف عن بقيّة الحروب، فقد يخرج الفيروس عن سيطرة الدولة المُصنّعة بسبب عدة عوامل، منها العامل الجوي، أو الخطأ البشري، أو تغير صيغة الفيروس نفسه.
ولن يجد المسيطرون على القرار الأميركي، بعقليتهم الرأسمالية والاستعمارية، أيّ مشكلةٍ في حال قضى الآلاف من شعبهم مقابل إنتاج عقارٍ يُحقق لهم مردوداً ماديّاً كبيراً، كما أنّهم مُستعدون لإفناء مئات الآلاف من الأوروبيّين مُقابل تعزيز قبضتهم على القرار الأوروبي.
وفي الختام، لا شكّ في أنّ نتائج الحرب على هذا الوباء ستكون بمثابة نتائج حربٍ عالميّةٍ. وفي نهاية الحروب العالمية، تتغيّر الجغرافيا السياسيّة للعالم. ولذلك، بتنا نلاحظ بداية تفكّك الاتحاد الأوروبي، وانزياح مُعظم الدول الأوروبيّة بعيداً من الولايات المتحدة الأميركية.
بالتأكيد، سيكون العالم قادماً على الكثير من المتغيرات التي بدأت بتراجع الاهتمام العالمي بالدور الأميركي أمام تقدم الدور الصيني، وهذا الأمر يمثّل سابقةً بغاية الأهميّة في مدلولاتها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً