الجيش السّوري يحرق آخر الأوراق التركيَّة
ما زالت الحِكمة تُجافي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو يُصرّ على التمسّك بورقته الأخيرة، على الرغم من أنها أضحت ورقة محترقة، لأن أيّ متابعٍ واقعي يرى أن معركة تحرير الشمال السوري من الإرهاب المدعوم تركياً هي معركة لا رجوع عنها، في ظِلّ نضوج معظم أسباب النجاح على المستويات كافة، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وعلى مستوى الداخل التركي نفسه أيضاً.
سورياً، بقيادةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ متمسّكة بتطهير سوريا من الإرهاب وداعميه، وبدعمٍ قويٍّ ومستمرٍ من الأصدقاء والحلفاء، يخوض الجيش السوري هذه المعركة بشكلٍ مباشرٍ مع الجيش التركي الَّذي يُعتبر من أقوى جيوش المنطقة.
عربياً، نجح إردوغان من حيث لا يدري ولا يتمنّى في تأليب كلّ الدول العربية، ما عدا قطر، ضدّ سياساته في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، ما جعل هذه الدول تعمل على تشكيل جدارٍ لكبح الجموح التركيّ.
من هنا رأينا الزيارة الأخيرة التي قام بها الوفد الليبيّ إلى دمشق، واستقباله من قبل الرئيس الأسد. وبغضِّ النظر عن نتائج هذه الزيارة الإيجابية، فإن أهميتها تكمن في أنها لم تكن لِتتم لولا الدعم المصري والمباركة السعودية.
أميركياً، في لحظة الحقيقة، وجد إردوغان نفسه وحيداً بلا سندٍ، ولم يُقدّم له الأميركي سوى القليل من الدعم المعنوي الذي لا يُغني ولا يُسمن، لأنَّ القرار الأميركي الذي لم يفهمه إردوغان هو أنَّ الأميركي سيخوض معاركه على أرضٍ غير أرضه وبجنود غير جنوده.
كذلك، لم يفهم إردوغان أن الذخيرة الأميركية الموعودة ليست معدة لدعمه، بل لإطالة أمد هذه المعركة، وللمزيد من القتل والتدمير، لأن الأميركي يدرك أن معركة الجيش السوري القادمة ستكون لإخراجه من كل الجغرافيا السورية.
أوروبياً، يظهر التخلّي الأوروبي عن إردوغان بشكلٍ واضحٍ، فحدود الدول الأوروبية المشتركة مع تركيا، والتي تجعل مكافحتها الهجرة وعبور الإرهاب أكثر صعوبةً، تُبقي الدول الأوروبية تحت ضغط الابتزاز الإردوغاني.
لهذا السّبب، يتمنّى الأوروبيون بديلاً أقل تدخّلاً في الشَّأن الأوروبيّ، يتعاون معهم في شؤون الهجرة غير الشرعية والنشاط الإسلاميّ المتشدّد داخل المجتمع الأوروبيّ.
أما الروسي الذي بقي لعدّة سنوات يُراقب سلوك إردوغان المخادع، ريثما تتوفر الظروف المناسبة للتغيير المؤثر في الحرب السورية، فقد أحسن اصطياد اللحظة للتخلي العالمي عن إردوغان، فدخل المعركة بقوة ساهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في دعم الجيش السوري، مُؤكداً ثبات هذا الموقف حتى إنجاز سوريا نصرها النهائي، تاركاً لإردوغان نصف سلّمٍ للنزول، وذلك بقبول الرئيس الروسي مقابلته بعد طول انتظار، ليقوم الروسي بفرض شروطه التي تأتي في مقدمتها وحدة الأراضي السورية وسلامتها.
تركياً، ما زالت الأحلام الإردوغانية في تراجعٍ مستمرٍ، منذ أن بدأ حلم الهيمنة التركية على كامل الجغرافيا السورية، وتراجع إلى اقتطاع جزء من هذه الجغرافيا وضمّها، وصولاً إلى الحلم الحالي الذي بدأ يراه صعب المنال، وذلك بأن يكون له الكثير من النفوذ في مستقبل سوريا، من خلال بقاء بعض قواته في مدينة إدلب، الأمر الَّذي سيُمكّنه من التدخّل في الشأن السوريّ بشكل دائم. وللدفاع عن هذا الحلم، أقدم على الدخول بشكل مباشر في الحرب، ولكن النتائج كانت كارثية لجيشه.
ما من شكٍ في أنّ وَقْعَ هذا الإخفاق سيكون مؤلماً له في الداخل التركيّ، وخصوصاً بعد فشله في تحقيق أيّ إنجازٍ عسكريٍ، وبعد رؤية الجنود الأتراك يعودون إلى بلدهم بالصناديق الخشبية، الأمر الذي شجّع الأحزاب المعارضة على رفع صوتها، بل أكثر من صوتها. وقد رأى العالم ما حدث في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب التركي من عراك واشتباك.
وجاء أخيراً لقاء القمّة الذي جمع الرئيس الروسي ونظيره التركي، والذي ذهب الأخير لحضوره وهو لا يحمل أيّ إنجازٍ يضعه على طاولة التفاوض، بل على العكس، لم يستطع ترجمة كلّ التصعيد والتهديد الذي أطلقه ضد الجيش السوري على أرض الميدان، ليتحوّل ذلك إلى نقاط ضعف يستثمرها بوتين بصلابةٍ وبراعةٍ.
وهنا نستطيع القول إنَّ ما أُعلن في هذه القمّة من مُقررات يُمثّل نصف هزيمةٍ علنيّةٍ لإردوغان، وقد يكون في المُقرارات التي بقيت طيّ الكتمان النصف الآخر للهزيمة.
وفي كلّ الأحوال، إنَّ القرار السوري المدعوم من الحلفاء، وخصوصاً روسيا، هو أنَّ الشمال السوري سيكون مُحرّراً بالكامل، فهل يستطيع إردوغان تنفيذ ما وعد به أو أن الفترة القادمة لن تكون إلّا استراحة مُحارب؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً