قبل 4 سنە
ليلى نقولا
413 قراءة

هل يقوم ترامب بتوجيه أميركا نحو الديكتاتورية؟

سيستمرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتطويع السياسة الخارجية الأميركية لخدمة مصالحه الانتخابيّة، شأنه في ذلك شأن مسؤولي دول العالم الثالث، فهل يقوم الأميركيون بالانتفاض على هذا التحوّل؟

 
يُجمِع مفكّرو الدّراسات الاستراتيجية على وجود مبادئ توجيهية أساسيّة تحكم "الاستراتيجية الكبرى" الأميركية، منذ انخراط الأميركيين في شؤون العالم في القرن العشرين ولغاية اليوم. 

ويشير تاريخ السياسة الخارجية الأميركية إلى أنَّ مُعظم الرؤساء الأميركيين التزموا هذه المبادئ التوجيهية من أجل خدمة أهداف الولايات المتحدة الأميركية ومحاولة هيمنتها على العالم أو تكريسها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

مع وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، لم تتبدَّل المبادئ التوجيهية المُعتمَدة كثيراً، وبقي أحد الأهداف الرئيسة بالنسبة إلى صانعي الاستراتيجيات الأميركية في العالم هو إعادة تكريس الهيمنة، لكنَّ ترامب بشخصيّته النرجسيّة، أعاد توجيه صُنع السياسات بشكلٍ شبيهٍ بالدول الديكتاتورية، فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث، أقلّه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، نجد توجّهاً أميركياً غريباً عن المُتعارَف، إذ تُصاغ الاستراتيجية الكبرى الخارجية لخدمة شخص الحاكِم بدلاً من خدمة الأهداف الكبرى للدولة. 

في الداخل الأميركي، من المؤكَّد أن الولايات المتحدة ما زالت دولة مؤسَّسات ديموقراطية تحترم التعدديّة والتنوّع وحقوق الإنسان. وبغضّ النظر عن مسار محاولة عزل ترامب ومدى نجاحها، فإنَّ الولايات المتحدة، بلا شكّ، هي دولة حكم القانون بوجود قضاء فاعِل يُحاسب ويُسائل المواطنين والمسؤولين وصولاً إلى الرئيس. 

إنَّ ما نُشير إليه هو توجيه أهداف السياسة الخارجية بما يخدم مصالح الرئيس ترامب وإعادة انتخابه، وذلك كما يلي:

1- كان الهدف الرئيس الدائم للولايات المتحدة في استراتيجيتها الكبرى، ليس منع الآخرين من الاقتراب أو محاولة مدّ نفوذهم إلى الحيِّز الأميركيّ فحسب، بل أيضاً محاولة مدّ نفوذها إلى مناطق الآخرين ومنافستهم في حيّزهم الجغرافي، لضمان حرية الوصول والحركة في تلك المنطقة الحيوية، ولو كانت بعيدة جغرافياً عن الولايات المتحدة. ومن أهم هذه المناطق الحيوية، أوروبا أولاً، وشرق آسيا، والشرق الأوسط.

بالنسبة إلى الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، نجد أنَّ ترامب استخدم تلك الاستراتيجية لمصالح شخصية، فاغتيال قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني الذي عدَّه ترامب إنجازاً شخصياً له، أضرَّ بالهدف الحيويّ الاستراتيجيّ المذكور أعلاه إلى حدٍ بعيد. 

واقعياً، كان الأميركيون مُستفيدين من المشاهد الدموية في تظاهرات العراق ومحاولات إلصاق تهمة قتل المُتظاهرين بالحشد الشعبي، ومن قيام بعض المُتظاهرين بحرق القنصلية الإيرانية في بغداد لتوجيه الرأي العام إلى أنّ التظاهُرات تهدف إلى التصدّي للنفوذ الإيراني، لكن اغتيال سليماني لأهدافٍ خاصّة بترامب نفسه، ولمحاولة تعويم نفسه للانتخابات القادمة، جعل من مسألة بقاء الأميركيين في العراق وسوريا مسألة صعبة إذا أصرّ الإيرانيون وحلفاؤهم على إخراجهم بالقوّة.

بالنسبة إلى "إسرائيل" فقد بالغ ترامب في انتهاك القانون الدولي في ما خصّ القدس والجولان المحتلتين والمستوطنات وسواها، تحقيقاً لأهدافٍ انتخابية عبر إرضاء قاعدته اليمينية الإنجيلية، وتأميناً لدعم اللوبي اليهودي له.

2- من الأهداف الاستراتيجيّة الأخرى المهمَّة، ممارسة "الشرطة" في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وتطبيقاً لتلك السّياسة، تدخَّلت الولايات المتحدة بذريعة الديموقراطية في كلٍّ من الدومينيكان في العام 1965، وغرينادا في العام 1982، وباناما في العام 1989، كما التدخّل العسكري الذي قام به الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون في هايتي في العام 1994 وإرسال 20 ألف جندي أميركي، والسبب المُعلَن هو استعادة الديموقراطية، عِلماً بأنَّ العديد من الباحثين يعزون السبب إلى منع تدفّق اللاجئين من هايتي إلى الولايات المتحدة.

خلال فترة رئاسة ترامب، برز عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على التدخّل العسكري وممارسة دور "الشرطة" في أميركا اللاتينية، فعلى الرغم من كلِّ تهديدات ترامب بتدخلٍ عسكري في فنزويلا للإطاحة بمادورو إظهاراً لتفوّقه وقدرته على الإنجاز، أظهر التراجُع الأميركيّ عن ذلك التدخّل تحت وطأة عدم القدرة على الفعل والكلفة العالية لهذا التدخّل، تراجع قدرة الولايات المتحدة بشكل عام.

في المُحصّلة، خلال سعيه إلى إعادة انتخابه، سيستمرّ ترامب بتطويع السياسة الخارجية الأميركية لخدمة مصالحه الانتخابيّة، شأنه في ذلك شأن مسؤولي دول العالم الثالث الذين يختزلون الدولة ومؤسَّساتها وسياساتها بشخصهم ويطوّعونها تكريساً لزعامتهم، فهل يقوم الأميركيون بالانتفاض على هذا التحوّل عبر عدم التجديد له وإسقاطه في الانتخابات أو سيُعاد انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ما سيؤدّي إلى مزيدٍ من تدهور صورة الولايات المتحدة الأميركية عالمياً؟

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP