رسائل الجولان التصعيدية: لمَن؟
تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقع تصعيد مستمر منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خروجه من الاتفاق النووي، وفرضه عقوبات أميركية إضافية على إيران. وتجاوباً مع هذا التصعيد وملاقاته، تزايدت التهديدات الخليجية العسكرية وبات أمن الخليح على صفيح ساخن، يُخشى أن ينزلق في أية لحظة إلى تصعيد عسكري.
استغل الإسرائيليون التوتر في الخليج، لتحريض السعودية والإمارات للردّ على ما أسموه "الاستفزازات" الإيرانية، وأعلن الموساد عن تزويد الإدارة الأميركية بـ"معلومات استخبارية" حول نيّة إيران القيام باستهداف المصالح الأميركية في المنطقة. وفي خضمّ هذا التوتّر، أعلن الأميركيون أنه بعد عيد الفطر سيتم الإعلان عن "صفقة القرن" التي ستصفّي القضية الفلسطينية بأكملها.
وفي خضمّ هذه التطوّرات، أتت الصواريخ التي أطلقت من سوريا على الجولان المحتل لترسل إشارات قوية في اتجاهات عدّة أهمها:
أولاً: للقول للإسرائيليين أن اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ليس النهاية، بل هو سيكون البداية... بداية تنظيم مقاومة ستحرّر الجولان وستطرد الإسرائيلي المحتل. إن عصر الهدوء على تلك الجبهة انتهى، وما اعتبره الإسرائيليون مكسباً سيتحول إلى قلق دائم لن ينتهي إلا بتحرير الجولان واستعادته.
علماً أن القول بأن القصف والرد الإسرائيلي المضاد سوف يستفيد منه نتنياهو المأزوم داخلياً، كان يمكن أن يكون صحيحاً لو أننا على أعتاب الانتخابات الإسرائيلية، ولكن بما أننا على بعد أشهر من تلك الانتخابات فاستغلال نتنياهو لحادثة إطلاق الصواريخ ستكون صعبة.
ثانياً: لا شكّ أن الصواريخ والتصعيد في الجولان المحتل يرسل رسائل قوية وصارمة لما يمكن أن يتوهّم به الإسرائيليون بأنهم من خلال عدوانهم المستمر، أو من خلال الضغط على القوى الكبرى في المنطقة سيتم إخراج الإيرانيين من سوريا... وتأتي هذه الصواريخ لتقول إن الدولة السورية صاحبة السيادة تقرّر بنفسها تواجد القوى على أرضها، ولن يستطيع الأميركي ولا الإسرائيلي فرض شروط أو إملاء ما عليها فعله.
ثالثاً: تزامنت الصواريخ مع كشف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو عن قمّة أمنية إسرائيلية أميركية روسيّة مشتركة، في مدينة القدس المحتلة، وذلك بناءً على عرض قدّمه نتنياهو لتشكيل لجنة إسرائيلية أميركية روسية مشتركة، تجتمع في إسرائيل، لبحث التحديات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، أي قضايا إيران وسوريا والقضية الفلسطينية، كما ذكر الإعلام الإسرائيلي.
وبالفعل أعلن البيت الأبيض أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، سيبحثون في اللقاء الثلاثي قضايا إقليمية على نطاق شامل.
وهكذا تكون صواريخ الجولان المحتل، رسالة واضحة إلى نتنياهو وإلى مَن يعنيهم الأمر، بأن عقد القمم والبيانات لا يعني شيئاً على أرض الواقع، وأن الميدان السوري معقّد ولا يستطيع أيّ طرف أن يحتكر القرار فيه، وإن أية تسوية أو "صفقة" لا تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات وتشابكات الوضع الاقليمي ومصالح الأطراف المختلفة لن تمر.
وهكذا، تكون النتيجة أنه بالرغم من الردّ الإسرائيلي العسكري على الصواريخ التي أُطلقت على الجولان السوري المحتل، والذي راح ضحيته شهداء وجرحى وخسائر مادية، إلا أن الرسائل السورية كانت واضحة وقوية للقول أن أيّ وَهْم بإخراج إيران من سوريا، أو تمرير صفقة القرن، أو فرض واقع غير قانوني في الجولان المحتل لن يمر مرور الكرام، وإن محور المقاومة يمتلك الكثير من أدوات القوة القادرة على قلب المعادلات الاقليمية حين يحين الأوان.
ملاحظة/ المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة يعبر عن رأي المؤسسة.