عندما يموت 'اتفاق جدة' قبل أن يولد !!
كل الملامح تشير الى أن "اتفاق جده" المنتظر بخصوص حل الصراع القائم في جنوب اليمن بين فصائل قوى تحالف العدوان في طريقه الى الفشل والتعثر قبل أن يكون واقعاً على الأرض..
هكذا تبدو المعطيات حتى وإن بدأت بعض بنود هذا الاتفاق تُترجم عملياً، ومنها تولي القوات السعودية السيطرة على مدينة عدن وانتشارها في مبنى المطار وبعض القواعد العسكرية والمقرات المهمة ومواقع في لحج وحضرموت لتحل محل القوات الإماراتية، وهي الخطوة التي تمثل احدى نقاط التفاهمات في حوار جده بين حكومة عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية وبين المجلس الانتقالي الموالي للإمارات.
مصادر متطابقة كشفت ان مسودة الاتفاق الذي من المقرر أن يطلق عليه "اتفاق جده" تهدف لاستيعاب جميع الجوانب الخلافية بين فصيلي الصراع على جميع الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية مع وجود ضمانات للتنفيذ تشرف عليها لجنة مشتركة تقودها السعودية، على أن تتمثل الآليات في تشكيل حكومة جديدة مشتركة، وأيضاً تشكيل لجنة خاصة مناصفة بعضوية المجلس الانتقالي والتحالف لمراقبة أداء الحكومة والإشراف عليها، وإعادة هيكلة الوظائف الدبلوماسية والوكلاء في الوزارات الحكومية، وأن تودع إيرادات الدولة في البنك المركزي بعدن، الى جانب إعادة تشكيل وهيكلة الملف الأمني والعسكري.
هكذا على الورق، لكن برأي المراقبين للمشهد فإنه من الصعوبة أن تجد مثل هذه الآليات المناخ المناسب للتطبيق العملي في ظل حالة الصراع القائم وتباين الاهداف بين السعودية والامارات اولاً، وثانياً نتيجة خلافات شديدة بين مكونات الحوار المستمر في مدينة جده السعودية على عديد من البنود والآليات التي تضمنتها مسودة الاتفاق، حسب التسريبات من أروقه المحادثات هناك، والتي كشفت ان الاتفاق ما زال يُقابل برفض ما تسمى ب"الحكومة الشرعية" نتيجة تهميشها وعدم وضعها في الصورة والاتفاق على تقاسم النفوذ في عدن ومناطق الجنوب دون ان تُحاط هذه الحكومة بتفاصيل الاتفاق ولا أن يأخذ رأيها وموافقتها عليه رغم ان السعودية وتحالفها يقولون إن حربهم على اليمن في سبيل إعادتها الى السلطة.
ومما يقود أيضاً الى أن هذا الاتفاق قد يموت قبل أن يولد هي حالة رفض العديد من القوى السياسية والاوساط الشعبية الجنوبية التي رأت أن الأمر لا يتعدى إعادة تبادل الأدوار بين الرياض وأبوظبي، وأن محاولات قوى الاحتلال السعودي والإماراتي تعمل على انتهاك وسلب إرادة ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية من خلال فرض من يمثلهم بقوة السلاح، وانهم لن يعترفوا بأي اتفاقات سواء في جدة او غيرها يتم إبرامها بين اي أطراف تحت سلطة الاحتلال السعودي الإماراتي، وأنه ليس من حق الفصائل الموقعة على اتفاق جده تمثيل أبناء المحافظات الجنوبية، فيما توعدت قوى جنوبية اخرى بمواجهة مثل هذه التحركات وعدم القبول بها ورفضهم كما يقولون لأي محاولات احتلال اجنبي والهدف منها تقوية نفوذ السعودية والإمارات في جنوب اليمن عبر ما أسموها بخطة إعادة التموضع علناً، وفي باطنها تقاسم للثروات والجغرافيا.
ومما يُعقِّد ايضاً من نجاح هذه التفاهمات على الأرض هو تغييب نقاط مهمة مادام الأمر يتعلق بالملف الجنوبي، ومن ذلك تجاهل ما تعرف بالقضية الجنوبية وقياداتها الفعليين وعدم الحديث عن الضمانات الخاصة بالحفاظ على الوحدة اليمنية، مما يعزز من التخوفات ان يمهد حوار جده لمشروع تحالف العدوان الساعي نحو تجزئة وتقسيم اليمن او فك ارتباط جنوب البلاد عن شمالها.
وعلى كلٍ، فإن منعطفاً جديداً اذن تأخذه التطورات في جنوب اليمن يرى البعض أنه لن يضيف أي حل فعلي للأزمة القائمة منذ قرابة خمس سنوات كونه يؤسس لمرحلة جديدة من الفوضى والممارسات العبثية، ولن يغير من الواقع شيئاً، إذ لا فرق بين سيطرة قوات سعودية أو إمارتية، لكن ما تريده الرياض - بحسب مختصين سياسيين - من خلال رعاية هذا الاتفاق هو ترتيب أوراق التحالف الذي تقوده والذي يعيش حالة من الارتباك خلال الآونة الأخيرة مع توالي الهزائم ميدانياً وفشله في ادارة الملف السياسي، اضافة الى محاولة إظهار أنها من يقوم بدور المصلح ومن يقود مساعي السلام والواقع هو عكس ذلك، في لعبة بدت مكشوفة للجميع مع وضوح خيوطها الأولى.