جمهورية اليمن العُظمى؟!
بقيَ القول إن كل نفط وغاز وثروات السعودية لا تساوي بالنسبة إلينا نقطة دم يمنية واحدة وعاشت جمهورية اليمن العُظمى.
لا أُبالِغ إنْ قلت بأن اليمن التي ظنَّ آل سعود حينما شنّوا الحرب عليها قبل خمس سنوات، بدعمٍ أميركي- إسرائيلي غربي- رَجعي -عربي، بأنها ستكون لقمةً سائِغة لهم، بخيراتها وموانئها ومضيقها الاستراتيجي، باب المندب، لم تهزم السعودية والإمارات فقط وإنما هزمت عالَماً بأسره.
فالحرب التي شُنَّت على اليمن كانت حرباً عالمية مُماثِلة لتلك الحرب العالمية التي شُنَّت على سوريا وكان الهدف منها النَهْب والسيطرة وتدمير الدولة وتفكيك الجيش العربي وخدمة "إسرائيل" في المقام الأول وليس تثببت شرعية مزعومة لعبد ربه منصور هادي وغير ذلك من الأكاذيب.
وكما في الحرب على سوريا فإنه في الحرب على اليمن اصطفَّت كل قوى العدوان والهمينة والنَهْب في العالم إلى جانب المُعتدين وناصَرَتهم، فيما وقف أحرار العالم في مختلف القارات إلى جانب أحرار اليمن.
وإذا ما تحدَّثنا بلغة المصالح الطبقيّة والتي هي المدخل الأساس لفَهْمِ التحالفات والاصطفافات السياسية، يُمكن القول بأن تلك المصالح، هي التي حدَّدت مواقف الدول والأحزاب والأفراد من الأزمتين السورية واليمنية وليس أيّ اعتبار آخر .
ولذلك فإن الثوريين والمُعادين للمحور الامبريالي وقفوا إلى جانب مظلومية الشعب اليمني، فيما وقف المُترَفون والأغنياء والرجعيون والمُرتزقة إلى جانب البترودلار السعودي المُلطَّخ بالدم.
وحتى لا أُتَّهم بالتجنّي على أحدٍ، فإنه على مدارِ سنوات الحرب على اليمن وما تخلَّلها من قَتْلٍ للأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير للبنى التحتية وانتشار للأوبئة والأمراض الفتَّاكة مثل الكوليرا وغيرها، لم نسمع صوتَ إدانة واحداً من كل أولئك الذين يدَّعون صباح مساء بأن رسالتهم في الحياة هي الدفاع عن حقوق الإنسان وفي مُقدّمها حقّه في الحياة، ويستخدمون ذلك حسب المصلحة كشمَّاعةٍ وذريعةٍ من أجل إسقاط الأنظمة التقدمية عن طريق تنظيم الانقلابات العسكرية، أو شنّ الحروب العدوانية فيما يَصمّون آذانهم عن انتهاكها في الدول العميلة لهم.
واللافِت في هذا الصَدَد أنه عندما كان المُعتدون على اليمن في ظلّ الاختلال السابق في ميزان القوى يقتلون ويذبحون باليمنيين دونما رحمة، فإن ذلك لم يؤثّر قَيْدَ أنملة على ضمائرهم الميتة.
أما عندما انقلب السِحر على الساحِر فتمكَّن الحوثيون من خلال الصواريخ الباليستية والمُجنَّحة والطائرات المُسيَّرة التي طوّروها تحت القصف بإمكاناتهم الذاتية، ووجَّهوا بواسطتها ضَرَبات عنيفة للمواقع والمطارات ومُنشآت النفط السعودية وآخرها منشأة أرامكو التي أدّى ضربها وتدمير معظمها بهذا الشكل العنيف والمُنظَّم والمُهين رغم كل أنظمة الحماية الالكترونية والأقمار الصناعية وصواريخ الباتريوت، إلى تراجُع إنتاج النفط والغاز في السعودية إلى أكثر من النصف، فقد فَقَدَ حُماة السعودية صوابهم لأن فقراء اليمن بهدلوا سمعة سلاحهم أولاً، ولأنهم ثانياً هم الذين باتوا يتحكَّمون بالطاقة المُهمّة لهم إنتاجاً وتوزيعاً وتسويقاً.
ولذلك فإنهم هربوا من هذه الإهانة التي وجِّهت إليهم ولكبريائهم الاستعماري بقَلْبِ الحقائق من خلال الادّعاء بأن الطائرات المُسيَّرة التي استهدفت أرامكو هي إيرانية، وانطلقت من إيران لتدمير الاقتصاد السعودي وتهديد أمن الطاقة العالمية.
كما تعالت الأصوات المشبوهة إياها في واشنطن ولندن مُطالِبة بتوجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران أو على الأقل لمواقع نفطية إيرانية ردّاً على العدوان الإيراني المزعوم على السعودية.
إيران بدورها أعادت التأكيد على ما سبق لها أن أكَّدته سابقاً وهو أن ردَّها على أيّ عدوانٍ أميركي مُحتَمَل سيكون فورياً وصاعِقاً وشامِلاً من كل محور المقاومة، الأمر الذي دفع بنائب الرئيس الأميركي بشكلٍ واضحٍ إلى التأكيد على ما أكَّده ترامب بأن بلاده لن تُهاجم إيران ردّاً على قصف أرامكو.
إذن فإن جُل ما قد تفعله إدارة ترامب خلال الأيام القادمة هو إدارة أزمة للمزيد من حَلْبِ الأموال السعودية مقابل وعود بالحماية، فيما ستبحث عن قنوات اتصال مع "أنصار الله" ومع إيران لأن واشنطن تخشى الأقوياء وتهابهم ولا ترضخ إلا لهم.
بقيَ القول إن كل نفط وغاز وثروات السعودية لا تساوي بالنسبة إلينا نقطة دم يمنية واحدة وعاشت جمهورية اليمن العُظمى.