حِزبُ اللهِ وَمُعَادَلَاتِ الرُّعْبِ.. هَلْ تُدخِلُ إسرائيل نَفَقَ الْاِرْتِبَاكِ الاستراتيجي؟
"مُعادلتنا واضِحة، أيّ اعتداء على لبنان سيُقابَل بالردع المناسب، ولا أحد منا يُقدِّم ضمانات ولسنا في موقع تبادُل رسائل مع العدو الإسرائيلي ولسنا معنيين بتقديم أيّ جواب، ونحن لا نقدِّم ضمانات أمنية للعدو بل نقول له لا تعتدي".
هذا ما قاله الأمين العام لحزب الله السيِّد حسن نصرالله في مُقابلته مع قناة الميادين ضمن حوار العام. هذه المُعادلات التي وضَّحها ووضعها السيّد نصرالله، يبدو أن الكيان الإسرائيلي عاجِز عن الإتيان بمثلها، لجهة الردع وفرض قواعد اشتباك جديدة تُبقيه ضمن منظومات الردع والردع المُضاد. فالرايات الصفراء كسرت مِراراً أعراف الجيش الإسرائيلي، وباتت أية مواجهة مُقبلة ستكون وفق قواعد حزب الله.
أما المعارك الجانبية، فهي ضمن الأُطُر التي لا تعدو جسّ نبض منظومة الحزب وترسانته العسكرية، ليتم البناء عليها وتأسيس قواعد اشتباك رادِعة. ولا شك بأن مُغامَرة الكيان الإسرائيلي الأخيرة في الضاحية الجنوبية في لبنان، واستهداف كوادِر الحزب جنوب دمشق، لا تعدو عن سياق سياسي وعسكري يأتي حُكماً في طبيعة صراع المحاور بين محور المقاومة من جهة، وبين الكيان الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن من جهةٍ أخرى، حيث تحاول إسرائيل إحداث تغيّر جوهري في سياسة المواجهة مع محور المقاومة، خاصة وأن تراكُم المُنجزات العسكرية التي حقَّقها محور المقاومة ككل، تُشكِّل عاملَ ضغطٍ على الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي من المُمكن أن تُترجمه الاستهدافات المُتكرِّرة بُغية دَفْع واشنطن إلى تكثيف ضغوطها السياسية والعسكرية على أركان محور المقاومة.
لم يدمْ طويلاً الصمت الاستراتيجي للمقاومة الإسلامية، ليأتي الردّ الصاعِق وفق أبجديات حزب الله المُعتمِدة على الردّ الاستراتيجي مع تأطير أية محاولة إسرائيلية للردّ المُضاد.
كل هذا جاء ضمن جُزئيّة غاية في الأهمية تتمثَّل في الضغط النفسي الذي مارسته المقاومة الإسلامية على امتداد أيام. هذا الأمر يُفسِّره التخبّط في صفوف الجيش الصهيوني لجهة إخلاء المنطقة الحدودية مع لبنان، فضلاً عن حال الاستنفار القصوى التي عُمِّمت على كافة الوحدات القتالية في الجيش الصهيوني، وبالتالي لن تجرؤ إسرائيل على فتح جبهاتٍ عسكريةٍ جديدةٍ مع محور المقاومة، خاصة وأن التوازُنات التي فرضها حزب الله مع أركان المحور في الإقليم، نظمَّت خارطة القوى الحاكِمة والفاعِلة والمؤثِّرة في المنطقة، وعليه فإن نتنياهو يُدرِك جيداً أن أيّ تصعيدٍ في الحدود الشمالية من فلسطين المُحتلة، ستكون له تداعيات كارثية في وقتٍ يبحث فيه عن أيّ إنجازٍ يُترجمه نصراً سياسياً، فالردّ النوعي الذي نفَّذه حزب الله سيُلجِم به الكيان الإسرائيلي وقتاً طويلاً.
ردّ حزب الله جاء مُتماهياً مع جُملة الظروف السياسية والعسكرية في المنطقة، ولعلّ البيانات التي راكَمها حزب الله قُبيل العملية، وفي إطار البحث والتدقيق عن ردٍّ يكون صاعِقاً في نتائجه على كيان الاحتلال، وبذات التوقيت يمنع ردَّاً انتقامياً منه.
وبين الردّ وتأطيره في بقعته الجغرافية، اتُّخذ القرار بالردّ، لكن الأهمية الاستراتيجية التي تناغَمت جُملة وتفصيلاً مع حجم الردّ وتداعياته على الداخل الإسرائيلي، فضلاً عن فرض معادلات رُعبٍ جديدة، قد تأخذ وقتاً طويلاً من الكيان وجيشه وأجهزة استخباراته، لتحليل مُعطيات الردّ ومكانه وزمانه. ولتفكيك هذه المُعادلة التي هَنْدَسها حزب الله، نكون أمام مُعطيات ثلاثة:
الأول – في الزمان، لم تُفلِح إسرائيل في جَذْبِ حزب الله إلى منظومة توقيتها للردّ، والواضح أنه بعد خطابيّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله " المهرجان الجماهيري سياج الوطن في بلدة العين البقاعية لمناسبة الذكرى الثانية لتحرير الجرود من الإرهابيين، وإحياء الليلة الأولى من عاشوراء"، مارست إسرائيل عمليات استفزازية كثيرة في الجنوب اللبناني، لكن الصمت الاستراتيجي الذي خطَّ أبجديات جديدة للردع، قد أثمر تخبُّطاً في صفوف الجيش الإسرائيلي، خاصة وأن الأوراق الحربية التي يمتلكها حزب الله، تؤكِّد بأن بنك الأهداف التي وضعها الحزب على خارطته العسكرية، ستكون ضمن مرمى صواريخه وعملياته النوعية، لا سيما أن الكيان يُدرِك بأن القدرة التدميرية لصواريخ الحزب ودقّتها، تحمل معها نتائج أبعد من قُدرتها التدميرية اللحظية، هذا الأمر أجبر الكيان الإسرائيلي وساسته وعسكريّيه على السير على حبلٍ رفيعٍ طيلة أيام الصمت الاستراتيجي لحزب الله، وهذا بدوره سيكون رادِعاً لأية مغامرة إسرائيلية جديدة.
الثاني – في المكان، الهواجِس الإسرائيلية المُرتكزة على طبيعة ردّ حزب الله وماهيته، أجبرت الجيش الإسرائيلي على إخلاء مواقعه على طول الحدود مع لبنان، والعمل على أساليب تمويه النقاط العسكرية، لاسيما أن القلق والخوف دفعا بوحدات جيش الكيان إلى الدخول في عُمق الأراضي المحتلة بعمُق 7 كيلومترات، وهذا يُصنَّف نصراً استراتيجياً، فالتخلّي عن المواقع لهذا العُمق يطرح تساؤلات عديدة لجهة فشل التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية، وقراءة المُعطيات والبيانات العسكرية، خاصة وأن حزب الله بات قادِراً على تخطّي كافة المنظومات الالكترونية التي زرعها الكيان على طول الحدود مع لبنان، وبالتالي فإن أيّ موقع يكون هدفاً للحزب، يشي بأن كل فلسطين المحتلة هي ضمن مرمى الأهداف العسكرية لحزب الله.
هذا يقودنا إلى نتيجةٍ مُفادها، بأن قوّة وإرادة الكيان الإسرائيلي باتت محل تشكيك وبحث، لأن كل الإجراءات الاحترازية التي اتّخذها جيش الكيان الإسرائيلي لم تُفلِح في ردع حزب الله، فالموقع المُستهدَف في ثكنة أفيفيم شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة على الحدود مع لبنان، سيُعيد كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى حجمه وبقواعد اشتباك جديدة، ووفق المقاييس الاستراتيجية كافة، فإن المقاومة الإسلامية تؤكِّد مُجدَّدا قُدرتها على اختراق كافة التدابير الأمنية التي اتخذها الكيان، لا سيما المنظومات الإلكترونية المُتطوِّرة، وهذا ردع يصبّ مباشرة في معادلات الرُعب التي فرضها حزب الله.
الثالث – الأخطاء الاستراتيجية التقديرية للكيان الإسرائيلي، فالواضح أن الفشل الإسرائيلي لم يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل كان للجانب الاستخباراتي النصيب الأكبر من الفشل، فالقراءات والدراسات الخاطِئة للناحية المُتعلّقة بنتائج حرب تموز 2006، وكذا تجربة حزب الله في الحرب على سوريا، كلها مُعطيات لم تستطع إسرائيل ومنظومتها الاستخباراتية المُعتمِدة على المخابرات الأميركية، أن تُحدِّد درجة الكفاءة والفعالية التي وصل إليها حزب الله ومقاتلوه، حتى أن الجانب العسكري لحزب الله وترسانته الصاروخية، بقيت شيفرة من الاستحالة اختراقها أو تفكيك بياناتها. فعلى سبيل المِثال لا الحَصْر، ماذا عن صواريخ ياخونت ذات المدى الذي يصل إلى 300 كلم، ويمكنها إغلاق كامل شواطئ فلسطين المحتلة وإصابة أيّ هدف بحري ثابِت أو مُتحرِّك؟
وماذا عن الصواريخ التي تطال حيفا وما بعد حيفا؟، وماذا عن مُعادلة الأمونيا التي أعلنها السيّد نصرالله كردٍّ على نظرية محو الضاحية الجنوبية؟. والأهم من ذلك، ماذا عن المُعادلات التي لم يكشفها الحزب بعد، واعتدنا أن نشاهدها في الميدان؟
كلها قراءات ستُدخِل الكيان الإسرائيلي في سراديب البحث عن قُدراتٍ خارِقةٍ يُمكن من خلالها الغَوْص عميقاً في ترسانات حزب الله العسكرية والقتالية والاستخباراتية، بُغية وضع القراءة الصحيحة لكيفية مواجهة حزب الله وما في جُعبته من مُفاجآت.
نتنياهو حاول اللعب عسكرياً في بازارٍ سياسي فاشلٍ، فادّعاءاته بأنه يُحاول منع تعاظُم قوَّة حزب الله العسكرية، قد تجاوز في أبعاد ادّعاءاته الاستراتيجية مُجرَّد محاولة مَنْع وصول أسلحة نوعية وكاسِرة للتوازُن إلى حزب الله، وهذه الادّعاءات باتت معروفة الأبعاد والنوايا، لأن بنيامين نتنياهو ومَن سبقوه في رئاسة الوزراء ومَن سيأتون بعده، ستكون لديهم نفس الادّعاءات، فكلهم يُدرِكون بأنه عاجِلاً أمْ آجِلاً ستكون هناك مواجهة عسكرية مع حزب الله، لكن ضمن توقيت مجهول قد لا توفّره المُعطيات السياسية والعسكرية الحالية.
من هنا بات واضحاً أن مُعادلات الرُعب التي فرضها حزب الله على الكيان الإسرائيلي، وتحاول بذات التوقيت أن تفرضها إسرائيل، قد لا ينجح الكيان الإسرائيلي بهَنْدَسة مُعادلات رُعب تردع حزب الله خاصة ومحور المقاومة عموماً، لذلك على الكيان الصهيوني أن يدعو الله وحزبه بالاكتفاء بهذا الردّ، وعلى الساسة الإسرائيليين تحليل الوقائع والمُعطيات التي فرضها حزب الله ضمن قواعد الاشتباك الجديدة ومُعادلات الرُعب، أما نتنياهو البائِس فعليه أن يمتنع عن الحسابات الإستراتيجية الخاطِئة التي قد يتدهور في إطارها من هجومٍ تكتيكي إلى ورطةٍ استراتيجية تُطيح كيانه.