قلعة علاقات ايران والعراق اقوى من معاول واشنطن والرياض
يعيش العراق في الوقت الحاضر ظروفا سياسية وامنية وتعاونية مع محيطه الإقليمي هي الافضل منذ عقود، خاصة بعد ان استطاع تحويل نفسه الى نقطة التقاء وليس ساحة للصراع او تصفية الحسابات.
وتؤهل استعادة العراق لدوره الإقليمي بعد غياب او تغييب طويلين، ان تقوم بغداد بدور تهدئة واحتواء ازمات في منطقة ملتهبة قابلة للاحتراق بفعل تحالف اميركي اسرائيلي مع دول عربية يريد محاصرة النموذج الإيراني في تقديم الدولة المستقلة والداعمة للقضية الفلسطينية والمناصرة لطموحات الشعوب في مكافحة التطبيع مع الاحتلال ومحاربة الارهاب وخروج القوات الاميركية من المنطقة لما تمثله هذه القوات من عناصر اشتعال سياسي وامني يؤمن مصالح اميركية ضيقة وامن كيان الاحتلال الإسرائيلي.
و رغم الهدوء الذي يعم المستوى الاول من القيادات السياسية العراقية متمثلة بالرئاسات الثلاثة وما بينهما من تناغم وتفاهم وتوزيع ادوار متفق عليه، فان هناك في مستويات اخرى، تدافع او تضارب تصريحات يبقي الساحة السياسية عرضة لخطر التوتر او الانقسامات وهو ما تعول عليه اطراف إقليمية او دولية للنفوذ من خلاله وتعكير صفو الوحدة الوطنية تحقيقا لأهداف ترومها تلك الأطراف ضمن معركة المحاور التي تشهدها المنطقة بشكل واضح وملحوظ.
العراق والعراقيون اليوم ومن خلال قوتهم الجديدة والمتنامية كانوا اقوياء واضحين في رفضهم لما تحاول واشنطن املاءه عليهم ضمن معركتها المدارة بنزق ترامب وخبث نتنياهو وباموال واعلام السعودية والامارات. وقالها العراقيون وعلى لسان اعلى مرجعياتهم الدينية والسياسية وفعالياتهم الشعبية، انهم لن يكونوا جزءا من الحظر الاميركي على إيران ولن يسمحوا ان تستغل أراضيهم ضد اي بلد آخر. ولم يكتف العراقيون بذلك بل يطالبون بخروج كافة القوات الاميركية من بلادهم وهناك حراك نيابي قد يفعل هذا المطالبة في قانون ملزم.
وما نظمه العراقيون مؤخرا من فعاليات، تعبر عن تقديرهم وتكريمهم لعوائل شهداء مستشارين ومتطوعين ايرانيين لمقاتلة الإرهاب الداعشي حين قضم بشكل مفاجئ ثلث الاراضي العراقية واصبح على مشارف بغداد والمدن المقدسة واربيل، انما تجدد التأكيد على موقف داعم وناصر وممتن للجمهورية الاسلامية وشعبها الايراني خاصة وان هذه الفعاليات تضمنتها دعوات بصوت عال وواضح بضرورة خروج كل القوات الاجنبية والمقصود هو الأميركية، وهو موقف يتخلص بقول شكرا للايرانيين وما قدموه لنا ولا للأميركيين وما يخططون له ضد بلادنا ويجب ان يخرجوا.
من جهة اخرى، يعول السعوديون كثيرا على إيجاد فاصلة بين العراق وايران وان كان عبر تقديم امتيازات او تنازلات تختلف مع قناعاتهم وقناعات مؤسستهم الدينية النافذة من العراق الجديد، لكنهم انخرطوا في اللعبة الأميركية الإسرائيلية لمحاربة ايران ومحاولة محاصرتها او عزلها بكل الوسائل والسبل.
ورغم ما يطبل له الاعلام السعودي ومن يموله في وسائل التواصل الاجتماعي لما حققته السعودية من اختراقات في الوضع العراقي بالاشارة الى زيارة وفد وزاري سعودي كبير الى بغداد ومن ثم زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الى الرياض، الا ان الحقيقة ان العراقیین استطاعوا احتواء السعودية وامتصاص عدائها السياسي والمذهبي ضدهم دون تقديم اية تنازلات على حساب علاقاتهم مع جارتهم الشرقية الكبرى ايران.
لذلك، فان ما يقوم به العراق، مدعوما بمرجعية دينية واعية ونخب سياسية متفهمة وقواعد شعبية داعمة، يقطع الطريق على الاميركيين وعلى السعوديين من محاولة تعكير صفو العلاقات والتعاون بين بغداد وطهران خاصة وان هناك ما ابعد من العلاقات السياسية وهو التلاحم الشعبي بين البلدين، فكما هب الايرانيون لنصرة العراقيين في محاربة "داعش" والارهاب والاحتلال الأجنبي، كذلك هرع العراقيون الى نصرة إخوانهم الإيرانيين في رفض الحظر الاميركي ورفض اي محاولة للاعتداء على ايران وكذلك قدموا المساعدة والاغاثة لضحايا السيول والفيضانات التي ضرب الجنوب الإيراني.
العلاقات الايرانية العراقية اليوم هي اعمق بكثير من علاقات دبلوماسية صرفة بل هي علاقات شعبية واسعة ومتجذرة اختلطت فيها دماء الشعبين واشتركت فيها الجبهات ضد الارهاب ولن تفرقها لا مليارات السعودية وتنازلاتها، ولا املاءات ادارة ترامب وتهديداتها.