علامَ يراهن نتنياهو في المعترك الانتخابي؟
بوادر المنافسة في انتخابات الكنيست الاسرائيلي، المزمع اجراؤها في أبريل/نيسان المقبل، تزداد ظهورا للعلن في وقت يسعى فيه رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتيناهو، للهروب من الملفات القضائية التي تلاحقه في قضايا فساد وتلقي رشاوى وممارسة إحتيالات وصفت بأنها "خيانة للأمانة".
لم يكن قرار النائب العام لكيان الإحتلال "أفيخاي مندلبليت" في ملاحقة "نتنياهو" بتهم الفساد يأتي من فراغ، فهو الذي إستلم العديد من الرشاوى وقام بإحتيالات والتفاف على القوانين، كان ابرزها استلامه رشوة بقيمة 200 ألف دولار تحت عنوان سجائر كوبيّة يهواها ويتمتع بنكهتها، فيما كانت حصة زوجته "سارة" من الرشاوى المماثلة الـ"شمبانيا الفرنسيّة" التي قال عنها المقربون منها انها تسرف في تناولها رغم خستها (إقتصاديا)... .
ورغم كل ذلك أطل "نتنياهو" المشارف على السبعينيات من العمر، على الناخبين من بني صهيون عبر شاشة احدى القنوات الإسرائيلية ليؤكد لمناصريه أن ما يحمله خصومه من شعارات ضده، كلها أوهام وأكاذيب، بل إنها "بيت من ورق تهدف للتأثير على الانتخابات" مؤكدا أنه "يعتزم تولي رئاسة الحكومة لفترة طويلة على الرغم من هذه المزاعم".
ويرى المراقبون أن مثل هذه الإتهامات لو كانت في غير كيان الإحتلال الإسرائيلي، لكان المتبجحون بالديمقراطية وما يسمى بـ"حقوق الإنسان"، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها إزاء ترشيح شخص بهذا الكم من الإتهامات والملاحقات القضائية للفوز برئاسة حزب، من المقرر ان يشكل حكومة تقود العباد والبلاد!!!... لكن للإزدواجية في التعامل والإنتقاء دور، خاصة اذا كان الحديث يدور في فلك يلتقي ومصالح القوى المهيمنة على العالم ومؤسساته ومقدراته.
وبعيدا عن أي تقييم خارجي، يكفي إلقاء نظرة على رؤية معارضي "نتنياهو" من الإسرائيليين أنفسهم إزاء وصوله ثانية للسلطة. فعلى سبيل المثال ولا الحصر يقول "ايلان غريلسامر" استاذ العلوم السياسية في جامعة تل ابيب "إن نتانياهو لن يستقيل لأن هناك ثقافة أسرية في الانتخابات الإسرائيلية، فحزب الليكود اليميني والقاعدة الانتخابية للحزب تعتبر نتانياهو عائلتها".
كما ان "غايل تالشير" استاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس ترى "بأن المخاطر التي اوجدها نتنياهو في المجتمع الاسرائيلي ستحتاج لسنوات كثيرة لإصلاحها، لانه أخذ كل الايجابيات في اسرائيل للتلاعب بها، في صراعه للبقاء في السلطة، وبعد كل ذلك مازال يريد البقاء في السلطة".
أما المعارض الرئيسي لـ"نتنياهو" الجنرال في الاحتياط، بيني غانتس،-المطلوب للعدالة في أوروبا لارتكابه جرائم ضدّ الفلسطينيين-، وحليفه يائير لبيد، يعتقدان أن "نتنياهو"، لن يتمكن من جذب الناس إلى وضع يكون فيه رئيس وزراء في نصف الوقت، ويؤكدان "دعونا نتخيل رئيس وزراء تهيمن انشغالاته القانونية على منصبه، ولن نجلس في حكومة يترأسها نتنياهو".
أما "نتنياهو" المعروف بعنصريته بإمتياز، تجاهل معارضيه يوم الخميس الماضي حيث رد على مسودة لائحة الإتهامات الموجهة ضده واعتبرها طبيعية، قبيل الدخول في المعترك الإنتخابي، وزاد من تبجحه بمعارضيه وراح يتهمهم بالتواطؤ مع عرب البرلمان ليشكلوا حكومة مع "العرب"، ويقصد بهم الفلسطينيين الذين إعتاد على تجاهلهم وعدم أي ذكر لهم في تصريحاته، إلا إذا كانت عن الأمن الإسرائيلي ومعاقبة الإرهابيين والمخربين، فيشير اليهم بهذه الصفة، ويقول انهم يعملون على إبادة الدولة العبرية.
يبقى أن نقول بأن القليل من الإسرائيليين يشككون في قدرات "نتنياهو" السياسية، لأنه تمكن من المكوث لثلاثة عشر عاما في السلطة ويرون انه اذا نجح في كسب الأصوات في الإنتخابات القادمة فإنه سيجتاز الفترة التي امضاها مؤسس كيان الإحتلال "ديفيد بن غوريون" الذي ظل في منصبه لأكثر من ثلاثة عشر عاما (1948-1963).
ومما يستعين به "نتنياهو" لكسب الأصوات، إعتزازه بالضربات العدوانية التي وجهها لأهداف في سوريا مؤخرا، زاعما بأنها أهداف عسكرية ايرانية، إضافة إلى نجاحه في تدمير بعض ما يسمى أنفاق حزب الله على حد زعمه، إلى جانب سياساته في تهويل الأخطار واتباع أساليب الترهيب وتخويف الإسرائيليين من أخطار وهمية تكاد تحيق بهم. كما فعله في تأجيل زيارته الأخيرة لموسكو قبل حوالي اسبوع، ليتأكد من تجميع أربع مجموعات يمينية متطرفة لتشكل "البيت اليهودي" وتدخل المعترك الأنتخابي بقوة وتكون كتلة مؤثرة في الكنيست القادم.
ويرى المراقبون بالرغم من أن "نتنياهو"، يعتبر اصغر مسؤول وصل لرئاسة الوزراء على مر تاريخ كيان الإحتلال، وانه تمكن من البقاء لفترة اطول من أقرانه السابقين في السلطة نتيجة سياساته المتشددة ضد العرب والفلسطينيين، إلا أن هبوب إعصار الإنتفاضات المتتالية في الداخل على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، وشيوع جرائمه التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني على مختلف وسائل التواصل الإجتماعي، قد لايسمحان له بالفوز في الانتخابات القادمة، ناهيك عن الملفات الداخلية والمنافسات التي قد تفرض رأيا غير متوقع بفعل القسم الصامت من الناخبين والذي يبقى رماديا حتى سويعات قبل إغلاق صناديق الإقتراع.
فهل سيتمكن "نتنياهو" من إجتياز كل هذه التحديات والتحالفات السياسية ضده، سؤال يبقى مطروحا على الطاولة حتى بعد إقامة الإنتخابات القادمة، ولا نريد التكهن به قبل مشاهدة الأمر الواقع.