الاغلاق الحكومي الاميركي وقصة الطفل العنيد
يقال ان شخصا سأل آخر كان يشدق بالعلم عن حكم الصلاة على الحصير ، فأجابه بأنه حرام ، وحين طالبه بالدليل قال : ألم تسمع قوله تعالى" وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا"!؟.
هذا لمن يحاول التشدق بالعلم والمعرفة وهو بعيد عنها بعد المشرق عن المغرب . ولكن هناك من لا يمكن وصفه بالغباء وقد يكون خبيرا في مجال ما ولكن يتصف بصفة تعرف بالعناد . البعض يراها مشكلة تربوية ويعرفا كالتالي : الامتناع والاحتجاجِ تجاه التعليمات والإرشادات مع التشبث والإصرار على الرفض، دون إبداء أيّ مبرر أو مسوغٍ مقنع .
واما العجب والكذب وسائر الصفات السلبية الاخرى فكما يؤكد الجميع، هي من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيراً من الناس، بسبب الزهو بالنفس واستعظام الأعمال والركون إليها وما الى ذلك . هذه المقدمة قد تكون وصفا دقيقا لما يقوم به رئيس يرى نفسه اليوم زعيما لقوة عظمى جبل على العناد والاستبداد والزهو بالنفس والكذب .
قد يتهمنا البعض بالتمادي في ما قلنا او عدم مصداقيته ، وحين ذاك سيكون ردنا أن ما قلناه مبني على قاعدتين وجدانيتين لا يخالفها عاقل وهي : "من فمك أدينك" و " وشهد شاهد من اهلها ". فهلم معنا لنلقي نظرة عابرة على مصداقية اتهاماتنا لسمسار الادارة الاميركية خلال الفترة الاخيرة فقط .
بداية تعهد ترامب بانه لن يُمرر أي مشروع لقرار التمويل الحكومي ما لم تتضمن الموازنة بند الإنفاق على الجدار الذي يريد بناءه على الحدود مع المكسيك وتُقدر تكلفته بنحو 5.7 مليار دولار، والذي تعهد بتشييده أثناء حملته الانتخابية، ليبدا اغلاقا حكوميا هو الاطول في تاريخ استمر حوالى 35 يوما . ولكن إثر تعرّضه لضغوط شديدة ،أجبر في النهاية على التراجع في اختبار القوّة القائم بينه وبين الديموقراطيّين ، فوافق على الخروج من المأزق في الموازنة قبل استئناف أيّ تفاوض حول الجدار الذي يريد بناءه.
وجاء التوصل إلى الاتفاق اثر تزايد الآثار السلبية للإغلاق الحكومي الذي أثر على 800 ألف موظف عام لم يتلقوا رواتبهم ما دفع الكثير منهم للحصول على عطلات ما أدى إلى الإخلال بعدد من أهم المهام في الخدمات العامة مثل أمن المطارات والمراقبة الجوية. فضلا عن استطلاعات الرأي التي كشفت أنّ غالبيّة الأميركيّين تُحمّل ترامب والجمهوريّين مسؤوليّة عواقب الإغلاق الذي ساهم في زيادة الضبابية تجاه وضع الاقتصاد الأمريكي، مع توقف عدد من الهيئات الحكومية عن بياناتها الاقتصادية بسبب توقفها عن العمل، وهو ما زاد من القلق حيال تباطؤ النمو الاقتصادي. جميع الامور السابقة تصنف في خانة الولد العنيد الذي يحاول فرض رايه على والديه ولكنه حين يواجه برد صارم يتراجع ويرضخ للامر الواقع .
اما صفة الكذب عند هذا الرئيس ، فحدث ولا حرج . فقد كشف تحليل صحفي أمريكي، أن ترامب، أدلى بآلاف التصريحات الكاذبة خلال عام 2018، بمعدل يصل إلى 15 كذبة في اليوم. ووفقا للتحليل الذي أجرته صحيفة "واشنطن بوست"، بحسب قاعدة بياناتها "فاكت تشيكر"، فقد أدلى ترامب بـ1989 تصريحا كاذبا في بداية العام الجاري. وبحلول نهاية العام، تراكمت أكاذيبه إلى أكثر من 7 آلاف و600 كذبة، بمتوسط أكثر من 15 كذبة في اليوم، وبما يقرب من ثلاثة أضعاف المعدل مقارنة بالعام الماضي.
واما عن الزهو والغرور فقد كشفت البيانات أبضا عن أنه يبالغ بشكل روتيني في إنجازاته، مثل الادعاء بأنه تجاوز أكبر خفض ضريبي على الإطلاق، وأنه حقق أفضل اقتصاد في التاريخ، وأنه استطاع أن يصل لمعدل عال من الوظائف بفضل الصفقات الخارجية، وأخيرا حل أزمة كوريا الشمالية النووية، وهي مزاعم لا يمكنه اثباتها بأي شكل من الاشكال .
ختاما، نريد القيام بمقارنة بسيطة وهي ، ان ترامب واثر تعرضه لضغوط من مجموعة داخلية ، لم تتجاوز مدتها 35 يوما أرغم على التراجع وان مؤقتا عن مطالبه أو بالاحرى مبادئه، لكن ايران ورغم المؤامرات التي تعرضت لها منذ انتصار ثورتها من فرض الحروب والمقاطعة عليها والمخططات الرامية الى اسقاط نظامها لازالت صامدة على مبادئها ولم تتراجع قيد أنملة . فمن أين يأتي ذلك التراجع وهذا الصمود. لاشك ان الجواب هو واحد لا يقبل النقاش، القاعدة الشعبية للنظام والسلام .