احكام كبيرة بالمغرب.. "حراك الريف" في الزنزانة ومخاوف من قادم الايام
تم النطق بالحكم في قضية معتقلي حراك الريف، وفي الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون البراءة، او على الأقل أحكاما مخففة، يفاجئ الجميع بأحكام قاسية وصلت إلى 20 سنة سجنا نافذا لأربعة من قادة الحراك، فقد أدانت محكمة الدار البيضاء قائد حراك الريف “ناصر الزفزافي”، وحكمت عليه بالسجن 20 عامًا كما قضت بإدانة قادة آخرين لحراك الريف بنفس الحكم، ويتعلق الأمر بكل من “سمير ايغيد”، و”نبيل احمجيق” و”وسيم البوستاتي”، كما قضت المحكمة على عدد آخر من الموقوفين وعددهم بـ53 معتقلا، بأحكام تراوحت ما بين 15 سنة إلى سنتين سجنا نافذا
والجدير بالذكر، أن صدور هذه الأحكام تم بغياب قادة الحراك الذين رفضوا الحضور لجلسة المحاكمة… وقد تم اعتقالهم منذ سنة ويتابعون بتهمة “المس بالسلامة الداخلية للمملكة
ومباشرة بعد صدور الأحكام شهدت العديد من المدن المغربية، وخاصة بالدار البيضاء ومدن وقرى الريف، احتجاجات منددة بهذه الأحكام، وتناسلت موجة من الاحتجاجات لدى رواد وسائط التواصل الاجتماعي، مشبهين الأحكام، بما يحدث في “مصر السيسي”.. ودعت العديد من صفحات “الفايسبوك” إلى وقفات احتجاجية ومنها صفحة “الحراك الشعبي بالرباط”، التي دعت إلى وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بهذه “الأحكام القاسية
والغريب في الأمر أن هذه الأحكام، تصدر في وقت تشهد فيه البلاد حراكا شعبيا واسعا، و جدلا غير مسبوق بفعل حملة المقاطعة لبعض المنتجات الأساسية، وحملة مقاطعة مهرجان موازين، والتفاعل الشعبي مع دعوات المقاطعة، التي أثبتت نجاحها و فعاليتها، و من دلائل هذا النجاح المنصات شبه الفارغة بمهرجان موازين، ومهرجان فاس للموسيقى الروحية، وتقنية “البث المباشر بالصوت والصورة” تؤكد هذا النجاح، وحضور الرئيس المدير العام ل “شركة سونطرال الدولية”، إلى المغرب ودخوله للعديد من بيوت المغاربة للحوار والاستماع لجمهور المقاطعين، دليل أخر على نجاح المقاطعة، فمدراء الشركات يحركهم رقم المعاملات لا الشعارات
كما أن هذه الاحكام تأتي في ظل احتجاجات شعبية تشهدها مدينة جرادة، ويقودها تجار المدينة للمطالبة بالإفراج عن المتعقلين والتنديد بالأحكام الصادرة بحق بعضهم
إن الوضع العام بالمغرب لا يبشر بخير، ولا نعلم على وجه التحديد كيف تفكر القيادة السياسية والأمنية في البلاد، ولما الإصرار على إشعال نيران الفتنة والإضرار بأمن واستقرار المغرب.. وعلينا أن نؤكد في هذا السياق أن أمن واستقرار المغرب ليس نتاج للفعالية الأمنية ونجاح السياسيات التنموية، بل هو نتاج لحكمة الشعب المغربي، الذي يحاول تجنيب البلاد الانحدار للهاوية، وأسلوب المقاطعة الشعبية هو رد فعل على حالة القمع والاعتقال والشطط في استعمال السلطة الذي جوبه به الاحتجاجات السلمية في الريف وجرادة وباقي المدن المغربية
إن الاحتجاجات الشعبية في المغرب لا تهدد أمن البلاد وسلامتها، فالشعب هو حامي وحدة البلاد وأمنها واستقرارها ، فالاحتجاجات التي شهدها الريف كانت حضارية وسلمية وذلك بشهادة العالم، والمطالب التي تم رفعها مطالب مشروعة
…من يهدد استقرار البلاد وأمنها هم مسؤولوا هذا البلد، الذين نهبوا الثروات وهربوها إلى الخارج ، ووثائق باناما وتسريبات ويكيليكس، وتهريب الذهب إلى دبي أمثلة على ذلك وما خفي أعظم ، هؤلاء هم الذين ينبغي محاكمتهم ووضعهم رهن الاعتقال، وليس هؤلاء الذين طالبوا بالجامعة لاستكمال دراستهم الجامعية، والمستشفى لعلاج مرضاهم، والمصانع لتشغيل شبابهم، هؤلاء يريدون نماء البلاد وتقدمها واستقرارها فمن غير الجائز اعتقالهم وسجنهم
من يستحق المحاسبة هم من نهبوا ثروات البلاد، بدل أن توظف لبناء تنمية حقيقية ومتوازنة، بدل أن يستفيد عموم الشعب المغربي من ثروات بلاده والتي هي هبة من الله لجميع عباد الله بأرضه ، والتي فاقت بكثير ثروات بلدان نفطية كالسعودية والإمارات
المغرب ليس فقير وفيه من الثروات والخيرات ما يكفي عموم المغاربة، ويضمن للجميع العيش الكريم دون الحاجة إلى الاحتجاجات او الهجرة إلى المجهول، ودون الحاجة إلى تهديد بالهجرة الجماعية إلى الجزائر وواقعة شاطئ “السعدية” مثال حي على ذلك
ثروات المغرب المعدنية و في مقدمتها الفوسفات و ثرواته البحرية، وغيرها كفيلة بجعل البلاد في مصاف الدول المتقدمة، لكن البلاد للأسف أصيبت بسرطان الفساد و الوفرة في المفسدين وناهبي أموال الشعب …فثروات البلاد تستفيد منها أقلية تحتكر السلطة والثروة، و تحاول إسكات صوت كل من عارض سياساتها و احتكارها لثروات البلاد والعباد…
لكن من الصعب إسكات صوت جمهور متعلم وواعي ومنفتح على ما يحدث، لا سيما في ظل إنفجار معلوماتي غير مسبوق، و لنا في سنوات الرصاص وفترة حكم الراحل “الحسن الثاني” ووزراءه الأقوياء “أوفقير” و”ادريس البصري” خير درس، فهؤلاء سجنوا وقتلوا وهجروا وأرهبوا واعتقلوا المعارضين في تازمامرت، وغيرها من السجون، فماهي النتيجة؟
فبعد نحو 3 عقود من سياسة الحديد والنار، وتكميم الأفواه، وتوظيف القضاء لإرهاب المعارضين، انتهى نظام الحسن الثاني، بقبول رأي أغلبية الشعب والخضوع لحركة التاريخ ، فالأنظمة المعادية لإرادة الشعوب والمنتهكة لحقوق الانسان وللقيم الكونية ، من المستحيل أن تنمي وطنا أو تحقق أمنا ، فكان صعود حكومة يتزعمها المعارض “عبد الرحمان اليوسفي” وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وتعويض بعضهم عن معاناة سنوات الرصاص غير جواب عن فشل سياسة القمع
للأسف المغرب في السنوات الأخيرة وخاصة بعد 2011، يتجه نحو ترسيخ نفس ممارسات سنوات الرصاص، لكن الفرق أن نظام الحسن الثاني وجد أحزاب تحظى بمصداقية شعبية، مكنت المغرب من الخروج من السكتة القلبية بسلام، لكن الآن الأمور تغيرت، لاسيما وأن النظام السياسي الحالي أطلق وعودا منذ 1999 وبعد احتجاجات 2011 وما واكبها من إصلاح دستوري وسياسي تبين أنها لم تكن إلا ذر للرماد في العيون، ومناورة سياسية لامتصاص غضب الشارع المغربي
وهذه المناورة كانت خاطئة وضيقة الأفق السياسي، فامتصاص غضب الشارع يتحقق بمحاسبة فعلية للمفسدين، واسترداد الأموال المنهوبة، وإحداث تغيير سياسي جذري يجعل للشعب الكلمة العليا في إختيار السياسات العمومية ومن ينفذها … امتصاص غضب الشارع يتحقق بتوسيع نطاق حرية التعبير والاحتجاج السلمي، والغريب في الأمر فإن الدولة المغربية لا تحترم دستورها و قوانينها
الدخول في صدام مع الشعب لن يقود إلا للمزيد من الانحدار، لا بديل عن الحكم الديمقراطي، ولا حكم ديموقراطي بدون وثيقة دستورية وعقد اجتماعي، تضعه هيئة تأسيسية منتخبة، ولا تحول ديموقراطي بدون استرداد الأموال المنهوبة، ومحاكمة المسؤولين عن ما آلت إليه البلاد… وإلى ذلك الحين الذي إقتربت ساعته، بفعل محدودية أفق السياسات المتبعة، و تغليب منطق القوة الصلبة بدل الإجراءات الناعمة.. فإن البلاد في مفترق طرق خطير ، ومن يدعي غير ذلك فليفتح الحدود في وجه أوروبا، لنرى كم من المغاربة سيقبلون البقاء بهذا الوطن العزيز على قلوبنا لكن ساسته يكرهونه، لأنهم لو يحبونه كما أحبه المحتجين والمقاطعين، لما نهبوا ثرواته ولما اعتقلوا خيرة شبابه، ولما عملوا على حماية المفسدين وفي مقدمتهم المسؤولين عن طحن الشهيد “محسن فكري” وعن الشطط في استعمال السلطة الذي صاحب مواجهة الاحتجاجات الشعبية بالبلاد منذ حادثة “الطحن”… والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون