نتنياهو مُهرّجٍ فاشلٍ ومُحرّضٍ بارعٍ يُعاني من وسواس إيران
حتى أشّد المُؤيّدين لرئيس الوزراء الإسرائيليّ وزعيم حزب (ليكود) الحاكم، من سياسيين، وإعلاميين، وخبراء ومُختّصين، يُجمعون على أنّ بنيامين نتنياهو على استعدادٍ كاملٍ لفعل أيّ شيءٍ، أوْ كلّ شيءٍ، من أجل الحفاظ على كرسيه ومنصبه، وطبعًا هذا الأمر ينسحب على سياسته الداخليّة والخارجيّة، على حدٍّ سواء، وبالتالي، فإنّ مُحاولاته المُتكررّة والممجوجة والتي باتت لا تنطلي على أحدٍ، لتصدير أزماته الداخليّة إلى الخارج تهدف بشكلٍ مُباشرٍ إلى صرف أنظار الإسرائيليين عن تورّطه في أربع قضايا رشاوى وفساد وخيانة الأمانة والاحتيال.
بعد انتهاء عرض التهريج والتحريض بقيادة المايسترو نتنياهو، الذي يُعاني بحسب المُحلّل الإسرائيليّ المُخضرم بن كاسبيت، من صحيفة (معاريف) العبريّة، من مُتلازمة إيران، أوْ وسواس طهران، أوْ تملّك الجمهوريّة الإسلاميّة، بدأ الإعلام العبريّ، وتحديدًا قنوات التلفزيون بحملةٍ من التهكّم والمسخرة والتندّر على المؤتمر الصحافيّ الذي عقده مساء الثلاثاء، وكشف فيه عن “وثائق سريّةٍ” تؤكّد، بحسب ادعائه تورّط إيران في مُواصلة برنامجها النوويّ، لافتًا إلى أنّها كذبت وتكذب على المُجتمع الدوليّ، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، بثت القناة العاشرة صورةً لنتنياهو من المؤتمر الصحافيّ وهو يستعرض الأحوال الجويّة، مُشيرًا بإصبعه على الخريطة أنّ التوقعّات تؤكّد ارتفاع درجات الحرارة. علاوةً على ذلك، عرضت القناة الثانية صورةً لنتنياهو وهو يلبس ملابس الأطفال ويتحدّث عن الخطر الإيرانيّ الداهم، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أنّ مؤتمره الصحافيّ، كان صبيانيًا، لا يُسمن ولا يُغني عن جوع.
المُحلّل كاسبيت شدّدّ في سياق تحليله، الذي استند إلى مصادر مطلعةٍ جدًا على ما يدور في الغرف المُغلقة، على أنّ تغيرًا كبيرًا حدث في الفترة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ مَنْ يُصغي في الفترة الأخيرة لنتنياهو يشعر بالذهول والاستغراب. وتابع قائلاً إنّ نتنياهو، الذي وصفه بالقائد الفّذ والمُتوازن والمسؤول، الذي يتملّص من المُخاطرة واتخاذ القرارات الصعبة والمصيريّة تحوّل وانقلب، وأصبح على إصرارٍ لما أسماه المُحلل اجتثاث الخطر الإيرانيّ الداهم على الحدود الشماليّة، أيْ مع سوريّة، وأنّه عاقد العزم على عدم السماح لطهران بتعظيم قدراتها العسكريّة بسوريّة، مهما كان الثمن. بالإضافة إلى ذلك، أوضح كاسبيت، بحسب مصادره، أنّ بلوغ الهدف المذكور بات مؤكّدًا حتى لو أدّى إلى نهاية حياته السياسيّة، كما قال نقلاً عن المصادر عينها، التي أضافت أيضًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بات جاهزًا وحاضرًا لهذه الخطوة، حتى ولو أدّت إلى مُواجهةٍ مع روسيا.
ورأى المُحلّل كاسبيت أنّ تغيّر نتنياهو يعود إلى سببين: الأوّل يتعلّق بالشؤون الداخليّة، إذْ أنّ الدولة العبريّة باتت قريبةً من الانتخابات العامّة، لافتًا إلى أنّه سيُوظّف العدوان على إيران من أجل زيادة حظوظه بالفوز مرّة أخرى بمنصب رئيس الوزراء، أمّا السبب الثاني، فهو بحسب كاسبيت، يعود إلى أنّ نتنياهو يسعى لدخول تاريخ الدولة العبريّة، فالرجل، أضاف المُحلّل، لم يصنع السلام ولم ينتصر في الحرب، وبالتالي من ناحيته، فإنّ وضع جميع البيض في السلّة الإيرانيّة، ستمنحه الفرصة لتسجيل اسمه في تاريخ إسرائيل، لأنّه بحاجةٍ لانتصارٍ، أضاف كاسبيت، مهما كلّف الأمر، على حدّ تعبيره.
مهما يكُن من أمرٍ، فقد أتقن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بصورةٍ لامعةٍ للغاية دور التهريج والتحريض ضدّ إيران، واستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام، علمًا أنّ الخطاب كان باللغة الإنجليزيّة، لأنّه مُوجّه للآذان الغربيّة، وليس للصهاينة أوْ عرب الردّة السياسيّة. لا نعرف تفاصيل هذا الـ”كشف” الذي زعم نتنياهو أنّه حصل عليه، وهل يمُتّ للحقيقة بصلةٍ! ولكن عرض الستاند-أب كوميديّ، الذي قدّمه يهدف إلى تحريض ترامب، والضغط عليه من فوق رأسه، لكي ينسحب من الاتفاق النوويّ مع إيران، وتحديدًا بعد زيارة ماكرون وميركيل إلى واشنطن، وهما يُعارضان إلغاء الاتفاق، وتواتر الأنباء عن أنّهما أثرّا جدًا على الرئيس الأمريكيّ، الذي بات مُتردّدًا جدًا في الانسحاب من الاتفاق النوويّ.
نتنياهو، أراد أيضًا، صرف الأنظار عن تورّطه في قضايا الرشاوى والفساد وخيانة الأمانة والاحتيال، التي تقُضّ مضاجعه وتؤرق زوجته، الحاكمة بأمر الله في “واحة الديمقراطيّة”، وهي أيضًا باتت ضيفةً دائمةً في مكاتب التحقيق في الشرطة الإسرائيليّة الأمر الذي يؤثّر سلبًا على عملها كأخصائيّة نفسيّة، وعملها بالمُناسبة يوظّف من قبل الإعلام العبريّ للتندّر على عائلة نتنياهو، وعلى “إدمان” “سيّدة تل أبيب الأولى” على احتساء الـ”فودكا” الفاخرة التي تتلقاها كـ”هدايا” من رجال الأعمال في كيان الاحتلال، فيما يحصل زوجها على السيجار الفاخر من الأثرياء اليهود في أصقاع العالم وفي تل أبيب أيضًا، كهدايا، وهذه القضيّة، المعروفة بالقضية رقم 2000، ستقوده وزوجته إلى المحاكم الجنائيّة بتهمة الحصول على رشاوى.
مُضافًا إلى ذلك، الخطاب والـ”كشف” عن البرنامج السريّ لإيران، على حدّ زعمه، هما محاولةٍ بائسةٍ ويائسةٍ لتبرير الأعمال العدوانيّة المنسوبة للكيان ضدّ أهدافٍ إيرانيّةٍ على الأراضي السوريّة، وبطبيعة الحال، التهويل لقدرة جهاز (الموساد) الإسرائيليّ بأنّه قادر على كلّ شيءٍ، مع أنّ العديد من الكتب الصهيونيّة نُشرت في الماضي والحاضر وتناولت بإسهابٍ إخفاقات الموساد على مرّ سبعين عامًا.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ نتنياهو، الذي أعلن مُسبقًا عن الخطاب، أدخل العالم في حالةٍ من الهستيريا، بمن فيهم الصهاينة، حيث دارت الشائعات والتكهنات، حول احتمال نشوب حربٍ، تصرّف كزعيم مافيا، لا أكثر ولا أقّل، لأنّه من أجل الحفاظ على كرسيه، بات على استعدادٍ لفعل أيّ شيءٍ وكلّ شيءٍ. وبالتالي لم يكُن مفاجئًا بالمرّة أنْ تقول النائبة شيلي يحيموفيتش (المُعسكر الصهيونيّ) للقناة العاشرة في ساعةٍ متأخرةٍ من ليلة الثلاثاء إنّه من غير المعقول أنْ يُدخل نتنياهو دولة كاملةً إلى الملاجئ لكي يحصل على نقاطٍ في الرأي العّام، مُشيرةً إلى أنّه كان من الصحيّ أنْ يُزوّد المعلومات الخطيرة بسريّةٍ إلى الدول المعنية، وفي مُقدّمتها أمريكا.
أخيرًا: بحسب المصادر الأجنبيّة، تمتلك إسرائيل مئات الرؤوس النوويّة، وأيضًا أسلحة الدمار الشامل من البيولوجيّ والكيميائيّ، فأين العالم الـ”حرّ”؟ لماذا لا يُطالب هذه الدولة المارقة بامتياز بنزع سلاحها النوويّ، أمْ أنّ النفاق والحفاظ على أمن إسرائيل، كانا وما زالا وسيبقيان سيّدا الموقف وشعار المرحلة؟ ربمّا نجح نتنياهو في كسب بعض النقاط في الرأي العّام لتعزيز شعبيته، ولكنّه مُني بهزيمةٍ نكراء، لأنّه مقولة المُستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركيل: إنّه يكذب، ويكذب ويكذب، هي بمثابة “شهادة فخرٍ واعتزازٍ” لنتنياهو المُتميّز في تجييش وتحشيد الإعلام العبريّ، المُتطوّع أصلاً لتسويق الروايات الكاذبة والمُزيفّة، التي يُخرجها ويُنتجها ويُقدّمها، بهدف تأليب الرأي العّام العالميّ والإسرائيليّ ضدّ الكابوس والوسواس الإيرانيّ، اللذين يُعاني منهما نتنياهو منذ أكثر من عشرين عامًا.