قبل 6 سنە
زهير أندراوس
489 قراءة

حذارٍ من تهويل قدرة الموساد!

الشبل الفلسطينيّ محمّد عوّاد ارتقى شهيدًا بعد أنْ قنصه أحد مُجرمي جيش الاحتلال الإسرائيليّ على السياج الحدوديّ. محمّد، ابن الـ14، أراد أنْ يؤكّد للصهاينة أنّ مقولتهم بأنّ الكبار سيموتون والصغار سينسون، هي كاذبة، فخرج للمُواجهة متسلحًا بإيمانه العميق بعدالة قضيته، ولكنّ العدّو أرداه قتيلاً، لينضّم بذلك إلى قافلة شهداء فلسطين، الذين عطرّ دمهم الزكيّ تُراب الوطن المسلوب والمنهوب.

بعد عدّة ساعات على ارتقاء محمّد، وعلى بعد 7600 كم من موطني، كان للعالِم الفلسطينيّ، فادي البطش، 35 عامًا، موعدًا مع قتلةٍ سفلةٍ وجبناء، أطلقوا النار عليه من مسافة صفر فخرّ شهيدًا، هذه تقاليدهم، وهذه عاداتهم، يقتلون، ينهبون ويغتصبون  الأرض والعرض، الشجر والحجر، ويُطالبون العالم الـ”حر” باعتبارهم الضحيّة.
مع ذلك، وبعيدًا عن العواطف الجياشّة والألم الشديد، علينا، نحن أبناء الشعب العربيّ الفلسطينيّ، استيعاب الحدث، وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، إذا جاز التعبير، مع أنّه من المؤسف حقًّا أنْ تبحث عن الصدق في عصر الخيانة. نسوق هذه الكلمات على وقع التهويل لقوّة جهاز (الموساد) الإسرائيليّ، في عددٍ لا بأس به من وسائل الإعلام على مختلف مشاربها، وبشكلٍ خاصٍّ، العربيّة منها، التي من حيثُ تدري أوْ لا تدري، تُساهِم في صنع هالةٍ من الوقار حول قدرة المُخابرات الصهيونيّة، وتمكّنها من النيل من القادة الفلسطينيين والعرب والإيرانيين في جميع أصقاع العالم، وهذا التصرّف، كان مقصودًا أوْ عفويًا، يُحبِط الأمّة، ويضعها في خانة المأزومة، المهزومة والمهزوزة، مقارنةً مع إسرائيل.
بناءً على ما تقدّم، وَجَبَ تذكير مَنْ يُعانون من الذاكرة القصيرة أوْ الانتقائيّة، أوْ الاثنتين معًا، بأنّ المُخابرات الإسرائيليّة، تعمل، وباعترافٍ من الخبراء والمُختّصين في تل أبيب، مع عشرات وكالات المخابرات في العالم، بتعاونٍ كاملٍ، يتبادلون المعلومات، ويستقون الأخبار، كما ذكر أمس الأحد 22.04.18، مُحلّل الشؤون الأمنيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، د. رونين بيرغمان، الذي اعتبر اغتيال البطش مُحللاً من الناحية السياسيّة والقضائيّة والأخلاقيّة، لافتًا إلى أنّ العديد من وكالات المُخابرات لاحقته، دون أنْ يذكر (الموساد)، ربمّا بسبب الرقابة العسكريّة، ودون أنْ يُلمّح، لا من بعيدٍ ولا من قريبٍ، إلى مُشاركة أجهزة استخبارات عربيّة في هذا المجهود للوصول إلى العالِم الفلسطينيّ البطش، الذي خرج من رحم مخيّم البريج، ليُصبح اسمًا لامعًا في مجاله، وليؤكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان، أنّ الفلسطينيّ، نعم الفلسطينيّ، لا يُمكن أنْ يُكسر أوْ ينكسر مهما كانت الظروف.
وزير الساحة الإسرائيليّ، صاحب نظرية الترانسفير العنصريّة والفاشيّة، تمّت تصفيته في تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، من قبل مجموعةٍ من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في “عاصمتهم” الأبديّة، القدس، ورغم الحراسة المُشدّدّة عليه، تمكّن أفراد المجموعة من قتله والهروب من المكان، وكأنّ شيئًا لم يكُن، هذه العملية كانت إخفاقًا مُجلجلاً للمُخابرات الصهيونيّة، التي لم تستطع منع العملية النوعيّة فقط، بل فشلت أيضًا بشكلٍ مدّوٍّ في اعتقال المُنفذّين، الذين غادروا فندق (ماريوت) في قلب القدس الغربيّة، دون أنْ يعترضهم أحدًا. ولا بُدّ من التذكير بأنّ اغتياله كان ردًّا من الشعبيّة على اغتيال أمينها العّام السابق، الشهيد أبو علي مصطفى في رام الله المُحتلّة في آب (أغسطس) من نفس العام.
في حزيران (يونيو) من العام 2006، وفي عمليةٍ يشهد لها الخصم قبل الصديق، استطاعت كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام، الجناح العسكريّ لحركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) من أسر المُجنّد غلعاد شاليط، من جيش الاحتلال واقتياده إلى منطقةٍ مجهولةٍ، دون أنْ يتمكّن الاحتلال بعديده وعتاده وأجهزته التكنولوجيّة المُتطورّة والمُتقدّمة من رصد المجموعة التي اختفت آثارها، في قطاع غزّة التي لا تتعدّى مساحته 360 كم مربعٍ. كان هذا الانكسار علامةً فارقةً في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على الرغم من عدم تكافؤ القوّة والفرص.
أقامت الدولة العبريّة الدنيا ولم تُقعدها، هدّدّت وتوعدّت، وطالبت بإعادة المُجنّد شاليط، إلّا أنّ حماس رفضت المطالب والوساطة الأجنبيتين والعربيتين، وأصرّت على إطلاق إعادته مُقابل الإفراج عن أكثر من ألف أسيرٍ كانوا يقبعون في باستيلات الاحتلال. بموازاة ذلك، صرفت تل أبيب الغالي والنفيس من موارد بشريّةٍ وماليّةٍ للحصول على معلومةٍ عنه، إلّا أنّ الفشل كان دائمًا من نصيبها. هذه الدولة التي تعتبر نفسها دولةٍ عُظمى في التكنولوجيا والجيش، ظهرت كأوهن من بيت العنكبوت، لم تُسعفها المُساعدات من وكالات المُخابرات الصديقة، وبقي شاليط مأسورًا لا تعرف عنه شيئًا لمدّة ست سنوات بالتمام والكمال. العقل الفلسطينيّ البارع تغلّب وبالضربة القاضيّة على العقل الصهيونيّ، حتى وصل صنّاع القرار في تل أبيب إلى نتيجةٍ مُحزنةٍ من ناحيتهم، بأنّه لا مفّر من الإذعان لمطالب حماس، لإعادة الجنديّ المأسور مقابل الإفراج عن أسرى الحريّة، وبكلماتٍ أخرى، كانت الصفقة اعترافًا وإقرارًا إسرائيليًا ضمنيًا بإخفاق مخابرات صاحبة الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، مُقابل العزيمة والإرادة والإصرار التي ميّزت حركة حماس في هذه القضيّة العينيّة.
تمّت الصفقة، وعانق الأسرى هواء الحريّة، وأُعيد شاليط إلى إسرائيل، وبعد الانتهاء من التنفيذ، بدأت العاصفة السياسيّة والإعلاميّة في إسرائيل، التي لم تتعوّد على أنْ تُكسر من قبل العرب، أوْ التي لا تسمح لها عنجهيتها بصفتها دولةً مارقةً بالتسليم بالأمر الواقع، بأنّ مقولة رئيس الوزراء الأسبق، يتسحاق شامير، بأنّ العرب هم نفس العرب والبحر هو نفس البحر، باتت في خبر كان.
الحربُ كرٌ وفرٌ، ربمّا خسرنا معركةً ولكن لم نُهزم في الحرب منذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونيّة قبل أكثر من مائة عامٍ، لذلك حذارِ، حذارِ من الوقوع في فخّ الحرب النفسيّة والتسليم بأننّا ضعفاء أمام “جبروت” إسرائيل، نعم، إنّهم أقوياء، ولكن يجب علينا ألّا ننسى الدعم، على جميع أشكاله وأنواعه، الذي يتلّقونه من أصدقائهم من الغرب المُعادي لنا والمُنافق لهم، في الوقت الذي يُدير الشعب الفلسطينيّ المعركة مع هذا العدّو، المدعوم من أعظم دولةٍ في العالم، أمريكا، لوحده، يبتكر، يُبدع، ويردّ أحيانًا بشكلٍ مؤلمٍ لا يتوقّعه أحدُ حتى في أحلك كوابيسه. فعلاً، نحن شعب الجبّارين، نُحارب على جميع الأصعدة لوحدنا مُقابل الـ”أشقاء” والخصوم على حدٍّ سواء، ولا ضير إذا ذكّرنا أنفسنا والعالم بمقولة الشهيد البطل، حكيم الثورة وضميرها، جورج حبش: إسرائيل ليست أقوى من أمريكا، والشعب الفلسطينيّ ليس أضعف من شعب فيتنام.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP