ادارة ترامب و محاولة اعادة الاحادية الامريكية
يرى المحافظون الصهاينة الجدد أن سياسات الرئيس اوباما أسهمت في خسارة الولايات المتحدة لاحاديتها وهيمنتها الكاملة على العالم . فلذلك فهم يعتبرون مسح سياسات اوباما هي من اولوياتهم سواءً من سياسته مع روسيا أو دول الخليج وايران بل وحتى اتفاقيات المناخ ومشاريع (اوباما كير)الصحية .
الذين يديرون دفة ادارة ترامب يعتبرون ان يوم الجمعة الموافق 30/8/2013 والذي إمتنع اوباما فيه من الهجوم الصاروخي على سوريا بحجة استعمالها الاسلحة الكيماوية ضد معارضيها جعل من ذلك اليوم بداية النهاية للاحادية الامريكية كما جاء في تحقيق صحفي موسع في مجلة الاتلانتك كتبه جفري غولدبيرغ في عدد ابريل/2016 . في ذلك اليوم قرر اوباما أن لا يأخذ بتوصيات الدولة العميقة في شؤون الدفاع والأستخبارات والخارجية والتي أوصت بتوجيه ضربة صاروخية على سوريا بحجة أن النظام استعمل الاسلحة الكيماوية ضد مواطنيه . كان ذلك مخالفاً لممارسات السياسة في واشنطن حيث أسمى الدولة العميقة وممارساتها بـ Washington Playbook وهو أن على الرئيس (اي السلطة المؤقتة ) ان يوقع على توصيات (الدولة العميقة) أي مراكز القوى تلك . لذلك ليس غريباً أن رأينا أن ادارة ترامب بدأت عهدها بقصف صاروخي على سوريا. و هي اليوم تحاول فبركة الاسباب لقصف آخر.
كان أحد أسباب رفض أوباما لتوصية قصف سوريا ما أفضى به الى كبير موظفي البيت الابيض McDonough حيث ذكر اوباما أنه قد سئم من قفز الولايات المتحدة من حرب الى اخرى على العالم الاسلامي. ومع أن المحافظين الصهاينة قد اعتبروا قرار الرفض ذلك ضعفاً من الرئيس والولايات المتحدة الا أن أوباما أخبر غولدبيرغ انه يعتبر قراره احد أهم انجازاته بل ويعتبره تحرراً من قيود مراكز القوى أي الدولة العميقة في واشنطن.
في فترة رئاسة اوباما الاولى كان وزير دفاعه روبرت غيتس يُذكر المحافظين الجدد كلما طلبوا منه الدخول في حرب جديدة بقوله (ما رأيكم بإنهاء حربين لدينا الان قبل الدخول في حرب ثالثة؟) كان اوباما يشارك روبرت غيتس رأيه بعدم التورط بحروب جديدة وخصوصاً مع سوريا وايران. وكان يقول لدول الخليج : نحن مستعدون لتدريبكم للدفاع عن انفسكم وليس للحرب من اجلكم . والمعلوم ان غيتس قد قضى معظم حياته المهنية في وكالة المخابرات المركزية الامريكية حتى وصل الى رئاستها . نرى الان أن ادارة ترامب وصهاينته قد بدأت بتغيير تلك السياسة.
منذ بداية ولايته الاولى وكما جاء في خطابه بالقاهرة كان أوباما يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وحلّ الدولتين. اصطدم منذ البداية مع نتنياهو والذي كان له اجندته الخاصة . في إحدى الاجتماعات في ولايته الثانية سئِم اوباما مما أسماه بمحاضرات نتنياهو عن القضية الفلسطينية (وامن اسرائيل ) وخطورة المنطقة العربية فقال له : ” اسمع يا بيبي (كنية نتنياهو )، أنا رجل من اصول افريقية وعشت في بيت ترعاه امٌ بدون زوجها ووصلت الى هذا الكرسي في البيت الابيض فهل تظن انني بحاجة الى محاضراتك؟”. وصلت الوقاحة بنتنياهو ان ذهب الى الكونغرس مباشرةً طالباً من المشرعيين الامريكين أن يقفوا معه ضد رئيسهم في موضوع الاتفاق النووي مع ايران. واليوم نجد ان نتنياهو يضغط على ادارة ترامب لالغاء الاتفاق النووي مع ايران ويبدوا انهم سائرون في هذا الطريق.
صرّح أوباما لمجلة الاتلانتك أنه لا يرى في ايران خطراً على دول الخليج والسعودية بشكل خاص وأنه يرى الخطر من الداخل نتيجة تهميش أنظمة الخليج لشعوبها وخصوصاً ملايين الشباب العاطلين عن العمل ، وبأنه يرى أن تلك الدول هي مصدر الاسلام المتطرف .
إن سياسة الكلب المسعور (وزير الدفاع ماتيس ) هي الخيار الذي وجده اوباما في غير مصلحة أهل الخليج أوالولايات المتحدة . ولقد ترك ماتيس منصبه ايام اوباما لانه كان يفضل خيار مواجهة ايران . وفي مثل هذه المواجهة سيتبين صواب ما قاله اوباما فسيكون الخليج مسرح العمليات العسكرية بما ينتج عنها من خراب شامل في البنية التحتية لتلك الدول وليتصوروا لو تم تدمير محطات تحلية مياه الشرب لتلك الدول. وكذلك ستكون حرب العراق التي هُزِمَت فيها الجيوش الامريكية مجرد نزهة مقارنة مع المواجهة مع ايران . وسيكون الرابح الوحيد هو الكيان الصهيوني والذي يدفع نتنياهو اليوم الولايات المتحدة و دول الخليج لمحاربة ايران حتى اخر جندي عربي واخر بترودولار خليجي .
كان اوباما ضد ظاهرة الاسلامفوبيا ورائينا ان صهاينة ترامب ومحافظوه الجدد كان اول قراراتهم هي منع دخول العديد من مواطني الدول الاسلامية للولايات المتحدة .
كان اوباما يعتقد ان خطر التغيير المناخي هو تهديد وجودي للعالم بما يزيد حتى عن خطر داعش . وكان من اول ما قام به ترامب هو عدم التزام الولايات المتحدة بإتفاقياتها بهذا الخصوص .
كان اوباما يعتقد بإمكانية التعايش مع روسيا وكان منع الضربة الصاروخية لسوريا مقابل نزع الاسلحة الكيماوية السورية هي نتاج مثل هذا التعاون . أما كلاب ترامب المسعورة فقد بدأت بفبركة تدّخل روسيا بالانتخابات الامريكية وشن حملة مسعورة ضد بوتين وروسيا .
كان اوباما يعتقد أن الانزلاق العسكري الامريكي الى النزاع السوري لن يكون اقل خطراً من نتائج التدخل العسكري الامريكي في العراق . ولم يرى مشكلةً في التدخل الروسي في سوريا بل وجده استنزافاً لمواردها. في حين صرّح المسؤلون في البنتاغون والخارجية أنهم ينوون التواجد العسكري في العراق وسوريا بل وقالوا ( حتى ولم توافق الدولتين على تواجدنا .)
يلعب المحافظون الجدد و الدولة العميقة للولايات المتحدة لعبة خطرة جداً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي واعلان الولايات المتحدة ان سيطرتها على العالم واحاديتها قد اصبح الركن الاساسي في سياستها . وقف جورج دبليو بوش سنة 2002 ليعلن الغاء الاتفاق للحد من انتشار الاسلحة النووية (معاهدة ABM لسنة 1972 ) مع روسيا . كان يحكم روسيا حينئذٍ شابٌ مغمور اسمه فلاديمير بوتين . ثمّ بدأت الولايات المتحدة بإنشاء درع صاروخي حول روسيا خلافاً لكل معاهداتها السابقة. استمرت الولايات المتحدة في خروقاتها حتى وصلت الى حدود روسيا فقرر بوتين أن الوقت قد جاء لايقاف هذا العدوان عندما وصل الى اوكرانيا. ثمّ قرر ان يدخل سوريا مع النظام لدحر الحرب الوكالة هناك مما زاد نفوذه في سوريا ومنطقة الشرق الاوسط . وتحالف مع الصين وبدأ التحالف الجديد بإنشاء مؤسسات بديلة لمؤسسات العولمة الامريكية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبدأت الدولتان بإستعمال عملاتهما المحلية في التبادل التجاري مما يقوض هيمنة الدولار على اقتصادهما وبالتالي يضعف الاحادية الامريكية .
إن بروز كتلة دولية منافسة برئاسة روسيا عسكرياً والصين اقتصادياً مصممة على عدم قبول الاحادية الامريكية وتجاوزاتها ولهما اسنان نووية , وكذلك بروز الكلاب المسعورة التي تدير سياسة الرجوع الى الاحادية يجعل العالم اليوم على فوهة بركان .
زادت الولايات المتحدة ميزانية الدفاع هذه السنة من$634 مليار دولار الى 716$ مليار دولار. ولا يشمل رقم ميزانية الدفاع السنوية المذكورة ميزانيات اجهزة الاستخبارات. ومن الضروري ان نبين ان الزيادة في ميزانية البنتاغون لهذه السنة تزيد عن مجموع ميزانية الدفاع للاتحاد الروسي .
عوضت روسيا عن تفوق الولايات المتحدة المادي بتفوق تكنولوجي نوعي يجعل من الكثير من الانظمة الامريكية الهجومية فاقدة الاهمية حسب بعض ما أدلى به بوتين مؤخراً . ولتدمير العالم بأكمله يكفي الجزء اليسير من الترسانة الامريكية او الروسية .
ان يكون مصير العالم كله بأيدي كلاب مسعورة أو صاحب كازينوهات قمار هو امرٌ يجعل العالم على حافة الهاوية .
لا نبالغ حينما نقول ان نتنياهو هو الذي يحكم اليوم اقوى امبراطورية عرفها التاريخ عن طريق صهاينته في البيت الابيض وفي مفاصل الدولة الامريكية الاخرى مما سيساعد على التسارع في انحدار الامبراطورية الامريكية لان السياسات الموضوعة ستكون لتحقيق مصالح ضيقة تتنافى مع مصالح الشعوب كلها في العالم بما فيها الشعب الامريكي نفسه.
هذا يعني أن سياسات الادارة الأمريكية ستأتي تفصيلاً لرغبات نتنياهو في محاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر تفاهمات مع مراهقين في السياسة والوطنية، حيث قبل بعض ساسة العرب أن يكون ثالوث الصهاينة من صهر ترامب ومبعوثه الخاص وسفيره في الكيان الصهيوني هم الخصم والحكم . وكذلك سيعطل صهاينة نتنياهو في ادارة ترامب الحل السلمي في سوريا بل ومحاولة تقسيمها وسوف يتبنون موقف نتنياهو نحو ايران .
أغلب ظني أن هذه المحاولات ستفشل لكنها ستسبب خراباً ودماراً كبيرين يخرج من تحت الرماد وطن عربي جديد .