الاقتصاد.. توجهاتنا الحالية مخالفة لمصالحنا الانية والمستقبلية
تشير مجمل الترقبات المستقبلية الى واقع صعب وسلبي سواء من حيث المنافسة والاسواق والفجوة العلمية والتكنولوجية بيننا وبين الاخرين، وهروب رؤوس الاموال والخبرات وازدياد المعدلات السكانية والخريجيين والبطالة، والمياه وبوار الارض، واستهلاك الموجودات والاصول، وتخلف البنى التحتية والمشاريع الارتكازية، الخ. فالدولة شاخت وترهلت ومرضت وفقدت عملياً قدرتها ان تكون اداة منتجة او رجل اعمال ناجح. فهي تستهلك اكثر مما تنتج، وعاجزة عن اعادة الانتاج الموسع، بل قد لا تستطيع الحفاظ على اعادة الانتاج البسيط، ومنع التراجع. بل تحولت لعامل عرقلة امام النشاطات الاقتصادية المنتجة. فبين 2013 و2016 تراجع الناتج الوطني الاجمالي من 234.6 مليار دولار الى 171.7 بسبب تراجع اسعار النفط.. ومعدل دخل الفرد السنوي من 7021 الى 4533 دولار. وهذه بعض الحقائق تشير اليها "مسودة" موازنة 2018، والتي لن تغير التعديلات التي ستجرى عليها من توجهاتها العامة السلبية، اللهم الا اذا قُلبت رأساً على عقب، وهذا اقرب للمستحيل، ويتطلب مقدمات واستعدادات خلال سنوات عديدة.
1- تقدر الموارد النفطية لعام 2018 بـ73 ترليون دينار، والموارد غير النفطية بـ12 ترليون تقريباً.. ليكون المجموع حوالي 85 ترليون دينار.. بينما بلغت النفقات التشغيلية حوالي 80 ترليون دينار. علماً ان تقدير الواردات غير النفطية هي عادة اكثر من المتحقق، اما الواردات النفطية فهي متقلبة حسب حالة السوق. وعليه ستكون الموازنة عاجزة عن القيام بمشاريع استثمارية وانتاجية تستطيع قلب المسارات بما يساعد على مواجهة تطورات المستقبل، والنمو السكاني، وزيادة الناتج الوطني الاجمالي، ومعدلات العمالة، الخ.
2- سيخصص لوزارتي الدفاع والداخلية حوالي 20 ترليون دينار، حوالي 16 ترليون دينار الى الرواتب والنفقات التشغيلية. وباضافة النفقات الامنية الاخرى خارج الوزارتين، فان الملف الامني سيستهلك حوالي 30% من مجموع النفقات. صحيح ان ملف الامن ملف مهم وخطير، ولكن ملف الاقتصاد والاهتمام بالانتاج والمستقبل لا يقل اهمية، حتى على المستوى الامني.
3- سيخصص لوزارتي الزراعة والصناعة 1.8 ترليون دينار، يذهب منها 1.7 ترليون كنفقات استهلاكية ورواتب.. وعليه لا نتوقع مساهمة جدية من الدولة لتنشيط قطاعي الزراعة والصناعة، كقطاعين رئيسيين لانطلاق الاقتصاد، وزيادة الموارد غير النفطية والناتج الوطني ومعدلات العمالة.
4- سيخصص لوزارات الموارد المائية والنقل والاعمار والاسكان والبلديات والاتصالات 2.6 ترليون تقريباً، منها 1.35 ترليون كنفقات استهلاكية ورواتب. وان تخلف هذه القطاعات سيكون حاجزاً استراتيجياً امام انطلاق الاقتصاد. وستحظى الكهرباء، وهي قطاع مهم ايضاً للبنى التحتية والنشاط الاقتصادي بـ7.1 ترليون دينار، سيذهب منه 3.4 ترليون كنفقات استهلاكية ورواتب. رغم ذلك ستزداد الفجوة بين الطلب على الطاقة والعرض لها مما يمثل عقبة وتحدياً لم يوضع لها الحل المناسب لحد الان، رغم الاموال الهائلة التي صرفت وتصرف لهذا القطاع.
5- سيخصص للنفط 16 ترليون دينار تقريباً، ستحتل النفقات الاستهلاكية والرواتب 2.1 ترليون دينار، ومستحقات الشركات الاجنبية 13.9 ترليون دينار، فعقود التراخيص جيدة في حالة اسعار النفط المرتفعة، لكنها تستهلك نسبة مهمة من الموارد عند الاسعار المنخفضة، خصوصاً مع تمديد وإطالة فترات الوصول لانتاج الذروة.
6- اما التعليم والتربية والصحة مجتمعة فسيخصص لها حوالي 6.1 ترليون دينار، وسيذهب منها 5.8 كنفقات استهلاكية ورواتب. وقس على ذلك في بقية الوزارات كالمالية والعمل والمهجرين والخارجية والعدل والثقافة والشباب والتخطيط وغيرها من وزارات ودوائر مالية والتي كلها وزارات ودوائر استهلاكية وتتعلق بالتقاعد والرعاية الاجتماعية او رعاية وخدمة شؤون الدولة والمواطنين عامة، لكنها غير معنية بالشؤون الانتاجية مباشرة.
لهذا نحذر ونتوسل ونكرر، انه دون قلب المسارات، ليحتل الاستثمار والنشاط الاهلي والحر والقطاع الخاص الاولوية، فان حصانات البلاد واستعداداتها لمواجهة تحديات المستقبل ومنع التراجع ستزداد ضعفاً وعجزاً وتأثراً بمرور الايام. وهذا لن يتحقق مع بقاء العناد على اعادة انتاج ذات المنظومة والسياقات بكل مرتكزاتها ومفاهيمها وعقلياتها ومداخلها ومخارجها، والحفاظ على احتكار الدولة وبيروقراطيتها، والتشريعات البالية والبيئة الاجتماعية والاستثمارية السائدة.